ترﻭﻱ الأم الفلسطينية (س.أ) مأساتها بحزن وأسى: «صراحة
لا أعرف من أين أبدأ.. بداية الوجع كانت الحرب ونهايته الاعتقال داخل السجون، وما
بين البداية والنهاية نعيش خوف قلق توتر ضغط وعدم استقرار، يعني ببساطة نعيش اللا
حياة . هربنا من ويلات الحرب في سوريا لنعيش ويلات تايلاند.. خرجنا متل كل أم وأب
يخافان على أولادهما.. خرجنا متل كل شاب وصبية وطفل سكن الخوف قلبه.. قبل خمس
سنوات خرجنا إلى تايلاند مع عائلتي الكبيرة عن طريق مكتب المفوضية العامة لشؤون
اللاجئين، وعندما انتهت مدة التأشيرة (3 أشهر) أصبحنا جميعاً هاربين ومختبئين من
حملات الاعتقال«.
في تايلاند بدأت السلطات التايلاندية منذ نحو عام بحملة
لمكافحة تواجد اللاجئين على أراضيها بحجة أنهم «مهاجرين غير شرعيين»، وقامت بأشرس
وأعنف حملات تفتيش على أماكن تجمع السوريين والفلسطينيين والتي تكون مكثفة في
نهاية كل عام، واعتقلت إلى أجل غير مسمى كل شخص تم منحه صفة اللجوء من قبل
المفوضية وانتهت مدة تأشيرة إقامته أو جواز سفره. وامتنعت حتى عن إطلاق سراح
المحتجزين بكفالة من قبل المفوضية، ومن كان لديه كفالة سحبت منهم كفالته.
لقد تضرر اللاجئون الفلسطينيون والسوريون في مملكة
تايلاند بشكل كبير من جراء هذه الحملة. وتتابع الأم الفلسطينية (س.أ) رواية قصتها
فتقول: «صرنا نتنقل من مكان إلى مكان.. بعضنا اختبأ بغرفة عند أحد الأصدقاء..
وبعضنا صار يقضي يومه ب"المولات"، وآخرون أقفلوا على حالهم الباب
وأصبحوا كالأموات وهم أحياء كي لا يسمعهم أحد.. وتفاقم الوضع سوءاً فصارت شرطة
السياحة تلاحقنا في داخل "المولات" وفي الشوارع وبلباس مدني.. ألغوا
موضوع الكفالات وأجبروا كل من معه كفالة أن يسلم نفسه لشرطة السياحة، وبالفعل هناك
أشخاص سلموا أنفسهم والباقي صار يسلم نفسه تباعاً.. والنتيجة عائلات من دون معيل..
أب وأم تجاوزوا الستين من العمر بينما أبناءهم في السجن.. عائلة مكونة من زوجة
وأطفال بينما الأب المعيل مسجون.. أطفال وحيدون بينما أمهم بعيدة وأبوهم مسجون..
تخيل أن يقبض عليك وتوضع بسيارة السجن كمجرم أو إرهابي.. تخيل نظرة طفل ووالده
يؤخذ أمام عينيه.. تخيل طفل يوضع على ضحكته كاتم صوت.. والسجون مكتظة جداً والوضع
مأساوي«.
وتحتجز اليوم السلطات التايلاندية اللاجئين والذين
تعتبرهم «مهاجرين غير شرعيين» في مراكز خاصة لاحتجاز المهاجرين أشبه بالمعتقلات
المفتوحة، ويبلغ عدد المعتقلين أكثر من 200 لاجئ، وقد قضت متحدثتنا الفلسطينية
(س.أ) في السجن منذ سنة وعدة أشهر، مع عائلتها الكبيرة وأربعة أطفال بينهم طفلة
ابنة سنة ونصف وطفلة رضيعة بنت ثلاثة أشهر ولدوا في إقليم تايلاند بشهادات ميلاد
تايلاندية ولا يملكون أي أوراق ثبوتية أخرى. تقول الأم الفلسطينية (س.أ) بحزنٍ
شديد: «ابنتي ولدت مريضة وصغيرة جداً.. وقد أصابها في السجن ضيق تنفس وكادت أن
تذهب من بين يدي.. ناهيك عن جرثومة أصابت عينها وبسببها أجريت جراحة لعينيها
الاثنتين وماتزال تعالج حتى الآن«.
وتضيف: «أولادنا صاروا بحاجة إلى علاج لكثرة الخوف
والرعب من الأبواب المغلقة ومن الأصوات حتى أصوات سيارات الإسعاف، لم أعد أستطيع
أن أقنع ابنتي بأن الشرطة في خدمة الشعب ولتوفير الأمان!! حلمنا أن نرى البسمة
مرسومة على وجوههم من جديد وأن نسمع صوت ضحكتهم يعلو.. نريدهم أن يعودوا أطفالاً
يقفزون حوالينا مثل كل الأطفال.. نريد أن نرى الحقيبة المدرسية على ظهورهم«.
وتروي فلسطينية أخرى (ر.ع) مأساتها فتقول: «في سوريا
زادت آلامنا بفراق أحد أبنائنا، فقررنا أن نغادر البلد وبعنا كل ممتلكاتنا وشددنا
الرحيل إلى تايلاند.. ذهبنا إلى مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بهدف لجوئنا
إلى بلد آمن نعيش فيه بسلام، بعد ثلاثة أشهر انتهت صلاحية "الفيزا"
وبدأت مسيرة جديدة من العذاب والانتظار طالت خمس سنوات، وفي كل سنة تقوم الحكومة
التايلاندية بحملة اعتقالات لمن انتهت تأشيرات دخولهم للبلاد، وكنا نهرب من مكان
إلى آخر لنحمي أنفسنا من الاعتقال، في هذه الأثناء كبرت عائلتي وأصبح لدينا أطفال
صغار يعانون ما نعاني بل ويخافون أكثر منا«.
وتتابع الفلسطينية (ر.ع) رواية قصتها فتقول: «نحن في
حال يرثى لها، لا نستطيع الخروج من المنزل لجلب الطعام والدواء واحتياجات أطفالنا،
داهموا البيوت وأخذوا من كان بها، لاحقوا الجميع في الشوارع والمطاعم والبيوت،
اعتقلوا عشرات من الشباب والشيوخ والنساء والأطفال، عائلات تشردت وهربت وسجن
معيلها، وهذه المرة أمرت الحكومة التايلاندية عدم تأجير البيوت لمن لا يحمل إقامة
سنوية".
ولكن الهرب لم يحمِ هذه العائلة المسكينة طويلاً، حيث
اعتقل أفرادها في سجن في تايلاند وبينهم أطفال صغار أكبرهم 3 سنوات وأصغرهم 3
أشهر، ولم تستطع العائلة المسكينة الخروج من السجن إلا بعد جهد كبير من الجمعيات
الإسلامية في تايلاند. «في السجن كنا نحتاج لحليب الأطفال وحفاظاتهم وأشياء أخرى
ولكن كنا نحتاج للأمان قبل أي شيء«.
وتضيف: «يقول ابني (15 عاماً) لم يعد عندي أمل بشيء!
أيعقل ليافع مثله أن يفقد حبه للحياة؟! جئت به إلى تايلاند وعمره عشر سنوات وكلي
أمل أن يتم لجوئنا إلى بلد آمن ليبدأ فيه دراسة جديدة ومستقبل جيد، الآن أصبح عمره
15 سنة وحياته متوقفة تماماً عن كل التطورات التي يمر بها أترابه.. لا مدرسة ولا
أصدقاء ولا جيران ولا حتى أقرباء ولا من يساعده ليحصل على أبسط حقوقه من الأمان
والسلام«.
يذكر أن مملكة تايلاند ليست من الدول الموقعة على
اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين، أي أن السلطات التايلاندية لا تقر
بقوانين اللجوء، وتعتبر اللاجئين مثل أي مهاجر آخر. ونتيجة لذلك، لا يخضع اللاجئون
فيها لاعتبارات اللجوء الإنساني ومنح الإقامة الدائمة على أراضيها، ولا يستطيع
اللاجئون العمل بشكل قانوني في المملكة، أو الحصول بشكل كامل على الخدمات الصحية
والتعليمية، أو إلحاق أطفالهم بالمدارس، كما أن بعضهم يواجهون أيضاً خطر الترحيل
إلى البلدان التي هربوا منها.
لذلك يطالب اللاجئون الفلسطينيون والسوريون السلطات
التايلاندية بمراعاة المعايير الإنسانية في معاملة اللاجئين حتى وإن لم تكن موقعة
على الاتفاقيات ذات العلاقة. ويناشدون مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، و
السلطة الفلسطينية ، والهيئات الحقوقية والإنسانية لمساعدتهم وتخفيف معاناتهم
وإنقاذهم من خطر الترحيل إلى سوريا. ولكن كما تقول محدثتنا (ر.ع): «بعد انتظار خمس
سنوات لا شيء جديد.. فالمفوضية لم تحرك ساكناً ولم تقم بأي إجراء من أجلنا رغم كل
الاتصالات المكثفة بها.. كما أننا لا نستطيع العودة«.
ولعل أكثر الضحايا معاناة هم اللاجئون الفلسطينيون، لأن
أرضهم سُلبت وأضحوا لاجئين للمرة الثانية لا يستطيعون العودة إلى ديارهم، ولا
يجدون من يستقبلهم! وتختتم الأم الفلسطينية (ر.ع) مأساتها متسائلة بقلب موجوع:
«أذنبنا فقط أننا فلسطينيون سُلبت أرضهم وتشردوا..؟! بينما يعيش محتل آمن في
بلادنا عشنا خمس سنوات في تايلاند كلها خوف ورعب وقلق وهروب من مكان لآخر وعدم
استقرار وحياة مع وقف التنفيذ!! من المسؤول عن ضياع هذه السنين.. وإلى من نلتجأ..
وإلى أين المصير؟«.
المصدر : دنيا الرأي
18/3/1440
26/11/2018