الشيخ خالد مهنا_رئيس الدائرة الإعلامية في الحركة الإسلامية القطرية _أم الفحم...*******
1
مثلما زحف" الهيبيون" في الستينات إلى شوارع أوروبا وميادينها وساحاتها وملأوها نفايات وقبح ومزابل.... مثلما حدث هناك،يحدث اليوم هنا،وبعد أن كنست أوروبا من شوارعها الهيبيين وصلت موجتهم المدمرة إلينا وأبتلي أدبنا بطغمة من الأدباء والشعراء الهيبيين، أطلقوا على أنفسهم إسم(الشعراء والأدباء والكتاب).. يحملون سندويتشات شعرهم المقدد.. ويلقون قشور الموز تحت أرجل القراء،فإذا ما كان الهيبي أنثى، ومليحة الوجه والقوام نزلت(بالقصيدة!!) التي تفتقر لأبسط قواعد الشعر مئات التعقيبات، وكلُ يرجو الوصال بها،ولو سألتهم جميعهم هل قرأتم شيئاً لكان الجواب يأتيك حاسماً.. لا.. نظرت فقط إلى الصورة وبحسبها عقبت.......
ولو سألت هؤلاء إناثاً وذكوراً ما أكثر شيء يضايقكم لقالوا من غير استحياء إنها اللغة العربية بآدابها ،ونحوها، وبلاغتها وعباراتها لأننا لا نستطيع قراءتها،ولا نستطيع تركيبها أو هضمها،وهم مقتنعون أن كل العصور الأدبية السابقة هي عصور انحطاط...
تسأل ا لواحد منهم عن كتاب الأغاني(ونهج البلاغة) (وطوق الحمامة) وأبو العتاهية وأبو العلاء المعري والجاحظ، فينظر إليك بازدراء واشمئزاز ثم يرد عليك بأسلوب هيبي..
عجباً لهؤلاء! الذين يريدون أن يذكرهم التاريخ وينالوا الشهرة والصيت،ويذكرهم القراء في المجالس غير المعلنة بخير،ويريدون غزو العالم وهم عاجزون عن فتح كتاب... ويخطئون بالجار والمجرور والفعل والفاعل..
عجباً لهؤلاء! يريدون أن يخوضوا البحار والمحيطات وهم يتزحلقون بقطرة ماء،ويبشرون الكرة الأرضية بثورة شعرية وثقافية وأدبية تخضر بها الدنيا وثقافتهم لا تتجاوز تراقيهم ولا تتجاوز غرفتهم..
عجباً لهؤلاء! يريدون بين يوم وليلة أن يصبحوا ملء الأفئدة والصدور. وملء الأسماع والأبصار، وملء الأرجاء والأجواء،وما يخربشون جثة ضاوية،نحيلة،هزيلة.... مدرجة في كفن موقع من المواقع أو شبكة من الشبكات أو منتدى من المنتديات،مُلحدة في مهوى من باطن اسمه ثقافات أو مقالات أو أقلام ذهبية أو أقلام بلا حدود.... وبعد حين سيكتشف صاحبها أنّ ما كتبه من خربشات وكأنه ألحد من باطن الأرض سحيق...
2
وأما أولئك الذين يعلمون يقيناً أنهم يقرأون سخفاً من الشعر وسفاهة من الكلام فنقول لهم بثقة تامة أصحيح ما يقال عنكم أنكم تكتبون مديحاً ليكتبن إليكن شاعرات على كل شاردة وواردة ليهدين إليكم مثلها؟ فإذا وجدتهن ملولات وامتلأت حقائبكم بمجموع كلامهم فتشتم عن منثورات أخرى..عن غزالة أخرى..
أصحيح أنكم تقضون أكثر أوقاتكم متنقلين من موقع لآخر، فإذا ما وجدتم بغيبتكم إنكببتم على كتابة رسائل الإطراء والثناء والنفاق والتملق لكسب الود... ولربما جلستم الساعات الطوال بجانب الماسنجرات والفيس بوك المضاف إليه إسم الشاعرة الجديدة المقتنصة ترقبون نوافذها وكوتها علها تنفرج لكم فتتلطف مشكورة بالرد عليكم بسطر أو سطرين، لأنها مشغولة بالرد على آلاف المعجبين والمتزلفين الذين نصبوا لهن صنوف الحبائل وأنواع الأشراك لاصطيادهن ..
أنني شخصياً لا أرى كبير فرق بين هذه المجموعة وبين الفساد الأكبر فكلاهما إفساد للعقول وتسميم له.
فالفضيلة الفضيلة أيها القوم!!!!،فهي العزاء الوحيد لهذه الأمة المسكينة عن جميع آلامها ومصائبها والأمل الباقي لها إن ضاعت،لا قدر الله جميع آمالها وأمانيها....
3
ان الحرية الشعرية هي اخطر أنواع الحريات ،ولا سيما عندما تعطى إلى مجموعة من المجانين والمشعوذات الذين لا يحسنون الا رص الكلمات ولكنهم لا يفرقون بين الألف والباء،وبين النابغة الذبياني وبين الشاعر عمر بن ربيعة وعمر الشريف وبين شعر أبن الرومي (والجبنة الرومي)..
"وأنه لمن المفارقات العجيبة،أن تكون كل الثورات الثقافية في العالم،قد قامت على أكتاف المثقفين،بإستثناء الثورة الثقافية العربية التي يراد لها أن تقوم على أكتاف هيبيين وهيبيات،فوضويين وفوضويات، مشاغبين ومشاغبات،وأنصاف أميين وأميات..
قد يظن القارئ لأول وهلة أنني الصق صفة الهيبيين بكل شعراء وأدباء الحداثة، وذاك ليس مقصودي لأن كثيراً من شعراء الحداثة من أتباع البحر السابع عشر الرقراق كتبوا وتفوقوا فيما كتبوا على ا لشنفرى،وحسان بن ثابت،وعندي أن أفضل تعريف للشعر أنه "تصوير ناطق" لأن قاعدة الشعر المطردة هي التأثير،وميزات جودته ما يترك في النفس من أثر،وسر ذلك أن الشاعر يتمكن في النفس من أثر،وسر ذلك أن الشاعر يتمكن ببراعة إسلوبه،وقوة خياله،ودقة مسلكه،وسعة حيلته،من رفع ذلك الستار المسيل بينه وبين السامع،فيريه نفسها على حقيقتها حتى يكاد يلمسها ببنائه،فيصبح شريكه في حسه ووجدانه،ويبكي لبكائه،وليضحك لضحكه، ويغضب لغضبه ويطرب ويطير معه في ذلك الفضاء الواسع من الخيال،فيرى الطبيعة بأرضها وسمائها،وشموسها وأقمارها،ورياضها وأزهارها،وسهولها وجبالها،وصادحها وباغمها (بغم الغزال إذا صوت بأرخم صوته)،من حيث لا ينقل إلى ذلك قدما،أو يلاقي في سبيله نصبا ،فإن سمع قول القائل:
نزلنا دوحة فحنا علينا حنو المرضعات على الفطيم
وأرشفنا على ظمأ زلالاً ألذ من المدامة للنديم
يروع حصاة بالية العذارى فتلمس جانب العقد النظيم
خيل إليه أنه يخطر ويتبختر ويتمختز في ذلك الروض البليل بين نواره وأزهاره،خطران النسيم بين ظلاله وأشجاره،وإنه يرى بعينيه أولئك العذارى السانحات،وقد راعهم منظر الحصباء اللامع فوق تلك الديباجة الخضراء،ففزعن إلى جوانب عقودهن يلمسنها بأطراف بنانهن،يحسبن أن قد وهت فإنتثرت جواهرها على بساط ذلك الروض الأربض..
وإن سمع قول أحدهم:-
وإرحمتاه للغريب في البلد ألنا زح،ماذا بنفسه صنعاً؟
فارق أحبابه فما انتفعوا بالعيش من بعده ولا إنتفعا
هملت عيناه حزناً على ذلك الغريب الحائر،وتمنى أن لو إلتقى به في بعض مذاهبه فعطف عليه وأنس وحشته ثم أخذ بيده فأنزله من بيته منزلاً كريماً وأبدله أهلا بأهل،وجيراناً بجيران.
وإن سمع قول الآخر:-
وإن الذي بيني وبين بني أبي
= وبين بني عمي لمختلف جدا
أراهم إلى نصري بطاءا وإن هم
= دعوني إلى نصر أتيتهم شدا
إذا قدحوا لي نار حرب بزنــدهم
= قدحت لهم في كل مكـــــرمة زندا
فإن يأكلوا لحمي وفرت لحومهم
= وإن يهدموا مجدي بنيت لهم مجدا
وإن ضيعوا غيبي حفظت غيويبهم
= وإن هم هووا غيي هويت لهم رشدا
وإن زجروا طيرا بنحس تمر ني
= زجرت لهم طيرا تمر بهم سعدا
ولا أحمل الحقد القديم عليهم
= وليس كريم القوم من يحمل الحقدا
فذلك دأبي في الحياة ودأبهم
= سجيس الليالي أو يزيرونني اللحدا
لهم جل مالي إن تتابع لي غنى
= وإن قل مالي لم أكلفهم رفدا
على أن قومي ما ترى عين ناظر
= كشيبهم شيبا ولا مردهم مردا
بفضل وأحلام وجود وسؤدد
وفي ربيع في الزمان إذا شدا
أكبر تلك المكرمة وأجلها،ونظر إليها وهي في علياء سمائها، نظر الفلكي إلى كوكبه الساري،وشعر كأن نورها قد لمع فإمتد شعاعه إلى نفسه فأضاءها.
لا غرو ولا عجب... أن يبلغ الشعر من نفسه هذا المبلغ،فطالما كان للشعر السلطان الأكبر على النفوس العظيمة،فلا مؤثر في نفس الإنسان مثل الشعر، وما خضع الإنسان لشيء في جميع أدوار حياته إلا للشعر،فهل ما نقرؤه اليوم من حشو الكلام مرفقاً بسيرة ذاتية يتضاءل أمامها الجاحظ، ويتقزم الرافعي... له أثر ولو بسيط في مشاعرنا؟ هل ما ينشر اليوم وما أن ينشر حتى يتسابق المتصفحون بالثناء عليه يستحق أن ينظر إليه...
4
أن ولاءنا للشعر العربي القديم ليس ولاءً مطلقاً ومقدساً،فنحن نعرف مواطن جماله ومواطن قبحه، ومواطن قوته ومواطن ضعفه،ولكننا لا نسمح للهيبيين وأقرانهم ان يعتدوا على التاريخ ويعتدوا على الحاضر بسفه الكلام على شاكلة:
من...إلى...عن.....على.....في.....ربما....هكذا أكتب لتصبح شاعراً ...
إنني شخصياً غير خائف على البيان العربي من هجمة الهيبيين الذين يرمون قشور الموز تحت أقدام القراء،فللشعر الأصيل والنثر البديع حراس يفدونه بدمائهم،ولكنني خائف على نظافة شوارع القدس ورام الله وبغداد والقاهرة ودمشق والخرطوم وبيروت،ومطلوب من سدنه هذه العواصم والمدن أن تكافح الهيبيين بخراطيم المياه كما فعلت بلدية روما في الستينات التي إضطرت دفاعاً عن جمال المدينة،وسحرها وسمعتها السياحية،وخوفاً على الصحة العاهة،أن تطارد الهيبيين بخراطيم المياه، ومسحوق ال د.د.ت. حتى أجبرتهم على الجلاء عن العاصمة الإيطالية العريقة.
أنني لا أنفي على الهواة أن يدعوا التعبير عن أحاسيسهم فلولا الحياة التعبيرية الإنشائية نثراً أو خواطر أو شِعراً لسمج في نظرهم وجه الحياة الحسية ومر مذاقها في أفواههم،حتى لا يغتبط حي بنعمة العيش.
لذلك ترى كل حي يهرب من الحياة الحسية لاجئاً إلى حياة المحبرة والورق من أي باب من أبوابها،لأنه يرى في هذه ما لا يراه في تلك مما يريح فؤاده،ويثلج صدره،وينفي عن نفسه السآمة والفجر من صنوف المناظر وآفانين المشاهد،وغرائب المؤتلفات.
وكما أن المتعبد لا يشعر بنعيم الحياة إلا إذا جنّ الليل،وآوى إلى معبده،وخلا بنفسه،فتخيل أن له أجنحة من النور كأجنحة الملائكة يطير بها في جوالس،فيرى الجنة والنار،والعرش والكرسي،ويسمع صريرِ القلم في اللوح،ويقرأ في أم الكتاب حديث ما كان وما يكون،فإن الناثر لا يستفيق من هموم الحياة وأكدارها ومصائبها وأحزانها إلا إذا جلس إلى منضدتة،وأمسك بيراعه،فطار به خياله بين الأزهار والأنوار،وتنقل بين مسارح الأفلاك،وحسب رأيي فإن الأمل ليس إلا بابا من أبواب الحياة الشعرية،والحق أقول لولا هذه الحياة التي أحياها أحياناً في الكلمات التي أكتبها لأحببت،زاهداً في الحياة الحسية،أن تطلع الشمس من معذبها إيذانا بانقضاء العالم وفنائه،ولتمنيت أن تطوى الأرض وتموت الخلائق..فيا ليت شعري هل يعيش هؤلاء الهيبيون مثل هذه الأجواء..وهل ما ينثرونه يحسون بطعمه ويتذوقوا طعمه؟..
الشيخ خالد مهنا
كاتب وأديب فلسطيني- أم الفحم
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"