واحتلت القوات الأمريكية العراق قبل 16 عاماً تحت مزاعم
أنه يمتلك أسلحة دمار شامل ويدعم التنظيمات المتطرفة مثل تنظيم القاعدة
آنذاك، الذي يتزعمه أسامة بن لادن, لكن هذه المزاعم كانت غطاء لاحتلال العراق
وتدمير بنيته الإنسانية والعمرانية، حسب ما عدّها مراقبون في الشأن العراقي.
وبدأت القوات الأمريكية تحركها نحو العاصمة العراقية
بغداد يوم 5 أبريل 2003، حيث شنت قوة أمريكية مدرعة هجوماً على مطار
بغداد الدولي، وقوبلت هذه القوة بمقاومة شديدة وصفت من قبل خبراء عسكريين بأنها
أشرس معركة من حيث التكتيك والقتال من قبل وحدات الجيش العراقي.
وفي يوم 7 أبريل 2003 شنت قوة مدرعة أخرى هجوماً على "القصر
الجمهوري"، واستطاعت تثبيت موطئ قدم لها في القصر، وبعد ساعات من
هذا حدث انهيار كامل لمقاومة الجيش العراقي، ولا تزال تفاصيل معركة المطار وانهيار
مقاومة الجيش غير معروفة حتى الآن.
ولكن المزاعم تقول إن القوات الأمريكية اضطرت إلى
استخدام أسلحة كيماوية محرمة دولياً وقضت على جميع من في المطار من القوتين وأخفت
جثثهم بعد ذلك.
وفي يوم 9 أبريل 2003 أعلنت القوات الأمريكية بسط
سيطرتها على بغداد والإطاحة بـ"تمثال" الرئيس العراقي صدام حسين من أمام
ساحة فندق شيراتون وسط بغداد، ووضع العلم الأمريكي على وجه "التمثال".
العراقيون منذ ذلك الحين انقسموا بين مؤيد لدخول القوات
الأمريكية وهم الجزء الأكبر من الطائفة الشيعية، معتبرين في ذلك الوقت أنهم
تحرروا من ظلم واستبداد النظام الحاكم، وآملين أن تتغير أوضاعهم المعيشية
والحياتية، في حين اعتبرها القسم الآخر، وهم المكون السني، قوات احتلال
تجاوزت كل القوانين الدولية لتدمير البلاد وبنيته التحتية، وهذا ما
أقرته لاحقاً واشنطن وتوني بلير، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، الذي قاد حملة
بلاده العسكرية ضد النظام في بغداد.
وخلال فترة الغزو الأمريكي شهدت مناطق مختلفة من العراق
الكثير من انتهاكات "حقوق الإنسان"، خصوصاً المناطق التي انبثقت منها
المقاومة المسلحة، مثل الفلوجة وجرف الصخر وبيجي والمدائن ومناطق أخرى، بالإضافة
إلى جرائم المليشيات والجماعات المتطرفة، التي ارتكبت أبشع المجازر، واستمرت بعد
تولي نوري المالكي رئاسة الوزراء عام 2006، حيث كان يغذيها بخطاباته
الطائفية، وأصبحت "منبوذة" من قبل جميع سكان العراق، بحسب تقارير عديدة
صادرة من منظمات المجتمع الدولي.
وانسحبت القوات الأمريكية من العراق عام 2011 بعد أن
جعلت منه ساحة للقتل والعنف الطائفي وتصفية الحسابات، مفسحة المجال أمام المليشيات
والجماعات المسلحة، التي كانت السبب في تصنيف منظمة الشفافية الدولية العراق في
خانة أسوأ الدول الغارقة في الفساد بين دول العالم.
وبالرغم من مرور 16 عاماً على الإطاحة بنظام صدام
حسين، الذي دائماً ما يصفه معارضوه بالديكتاتور والمجرم، واستبداله بـ"نظام
ديمقراطي"، لا يزال العراقيون يدفعون ضريبة غزو العراق بأرواحهم وأمنهم
واقتصادهم وخدماتهم، فمنذ ذلك الوقت يحصد "الإرهاب" أرواح العراقيين،
وتعيش أغلب مناطق العراق من شماله إلى جنوبه أوضاعاً معيشية صعبة دفعتهم
للنزول إلى الشوارع باحتجاجات عارمة منددة بسوء الخدمات، وتردي الوضع الاقتصادي،
وانتشار البطالة، وسيطرة الجماعات المسلحة على مناطقهم.
وحول هذا الموضوع، قال رئيس الدراسات الاستراتيجية في جامعة
النهرين قحطان الخفاجي: إن "الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 ما زالت آثاره
جلية، وهو اعتداء صارخ من قبل دولة تجاوزت كل القوانين والقيم لإخراج العراق من
المعادلات القيمية والعقائدية في المنطقة، وهذا ما حصل فعلاً خلال السنوات
التي أعقبت هذا الغزو"، بحسب اعتقاده.
وأضاف في حديث لمراسل "الخليج
أونلاين" أن "كل من رحب بالغزو الأمريكي على العراق من العراقيين
كانوا واهمين بأن هذه القوات هي قوات محررة".
ولفت إلى أن المواطن العراقي أدرك تماماً أن كلاً من
الجانبين الأمريكي والإيراني لهم أطماع اقتصادية وسياسية في العراق، لكن
القوى السياسية لا تزال أداة بيد المحتل لتحقيق أهدافه في المنطقة من خلال
اللعب على وتر الطائفية والمذهبية، التي أودت بالعراق إلى ما هو عليه اليوم
من فوضى أمنية وسياسية وأزمات اقتصادية واستشراء للفساد.
وتابع: "العراق منذ عام 2003 ولغاية اللحظة
لم يجن شيئاً إيجابياً على الأصعدة كافة، سواء السياسي أو الأمني أو
الاقتصادي"، مؤكداً أن المحتل وكل من أتى معه على ظهر الدبابة
دائماً ما يذهب لدمار البلدان لا لإعمارها.
واستطرد الخفاجي حديثه قائلاً: إن "كل ما حدث
وسيحدث في العراق هو بإرادة أمريكية"، مبيناً أن "وجود تنظيم داعش في
العراق، والحكومات العراقية المتعاقبة منذ 2003، هو بإرادة
أمريكية". كما أكد أن "كل من يدعو من الطبقة السياسية في
الحكومة العراقية إلى إخراج القوات الأمريكية كاذب".
ولوح الخفاجي إلى أن العراق دخل في احتلالين هما احتلال
أمريكا من جهة، وإيران من جهة أخرى، ودعا كل من يطالب بإخراج القوات الأمريكية من
العراق إلى إخراج كل القوات الأجنبية لا الأمريكية فقط، وإنهاء الهيمنة الإيرانية
على العراق، وخصوصاً في المشهد السياسي وعملية تشكيل الحكومة.
ومن جهته قال السياسي المستقل عزت الشاهبندر، في حديث
صحفي: إن "أهم تداعيات الغزو الأمريكي للعراق هو إنتاج "ديمقراطية"
مشوهة، وحرية لا تختلف كثيراً عن الفوضى، وفقدان للأمن والسيادة، وتدمير مؤسسات
الدولة الأساسية مثل الجيش والشرطة".
وأضاف أن "الغزو الأمريكي أدى إلى شيوع
الطائفية والعرقية وتفّوق قانون القبيلة على قوانين الحكومة، وشيوع ثقافة سرقة
المال العام، وتراجع الصناعة والزراعة".
وحول أبرز المزايا لما حدث في العراق بعد عام 2003، قال
الشاهبندر "كسر حاجز الخوف من السلطة وثمة غليان الآن بثورة وهناك شعور شعبي
بحاجة إلى التغيير، أما على المستوى الدولي فقد أتاح غزو العراق للعالم معرفة
حقيقة أمريكا".
المصدر : الخليج أونلاين
4/8/1440
9/4/2019