عبرة كورونا * 12 - 13 .. أيمن الشعبان

بواسطة قراءة 867
عبرة كورونا * 12 - 13 .. أيمن الشعبان
عبرة كورونا * 12 - 13 .. أيمن الشعبان

إن البلاء إذا اشتد على أهل الإيمان قويت ثقتهم بالله تعالى ولم تضعف، لأن أهل اليقين لا يعرفون اليأس، وأحسن الناس صبراً عند المصائب أكثرهم يقيناً، وأكثر الناس جزعاً وسخطاً في المصائب أقلّهم يقيناً، فقلب المؤمن الواثق الموقن كالصرح الشامخ لا تهزه عواصف المحن، بل تزيده رسوخاً وشموخاً.

يقول ابن مسعود رضي الله عنه في (اليقين لابن أبي الدنيا ص42): إِنَّ الرَّوْحَ وَالْفَرَجَ فِي الْيَقِينِ وَالرِّضَا، وَإِنَّ الْغَمَّ وَالْحُزْنَ مِنَ الشَّكِّ وَالسُّخْطِ، ويقول كذلك في (الشكر لابن أبي الدنيا ص24): وَالْيَقِينُ الْإِيمَانُ كُلُّهُ.

ويقول سفيان الثوري في (حلية الأولياء 7/9): الْيَقِينُ أَنْ لَا تَتَّهِمَ مَوْلَاكَ فِي كُلِّ مَا أَصَابَكَ.

يقول ابن القيم في (مدارج السالكين 2/374): فَالْيَقِينُ رُوحُ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ الَّتِي هِيَ أَرْوَاحُ أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ، وَهُوَ حَقِيقَةُ الصِّدِّيقِيَّةِ، وَهُوَ قُطْبُ هَذَا الشَّأْنِ الَّذِي عَلَيْهِ مَدَارُهُ.

   ١٣  

{ خُذُوا حِذْرَكُمْ  }

الأخذ بالأسباب المادية المشروعة الممكنة من سنن الله الكونية، بل هي من شيم المرسلين والصالحين، ومن صميم تحقيق العبودية وتمام التوكل على الله سبحانه، فقد أرشدنا الله عز وجل في غير ما آية لتحري الأسباب، كأمر الله سبحانه لمريم بهز جذع النخلة ليتساقط الرطب، مع أنها في مخاض وضعيفة ولا تقوى على ذلك أبداً إلا أنها الأسباب.

فحقيقة التوكل هو اعتماد القلب على الله مع مباشرة الأسباب، فالاعتماد على الله والإعراض عن الأسباب قدح في الشرع ونقص في العقل، والاقتصار على الأسباب دون اعتماد القلب على الله نقض للتوحيد وشرك في الأسباب.

يقول ابن القيم في مدارج السالكين(2/120): فَالتَّوَكُّلُ مِنْ أَعْظَمَ الْأَسْبَابِ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا الْمَطْلُوبُ، وَيَنْدَفِعُ بِهَا الْمَكْرُوهُ. فَمَنْ أَنْكَرَ الْأَسْبَابَ لَمْ يَسْتَقِمْ مِنْهُ التَّوَكُّلُ. وَلَكِنَّ مِنْ تَمَامِ التَّوَكُّلِ عَدَمَ الرُّكُونِ إِلَى الْأَسْبَابِ، وَقَطْعَ عَلَاقَةِ الْقَلْبِ بِهَا؛ فَيَكُونُ حَالُ قَلْبِهِ قِيَامَهُ بِاللَّهِ لَا بِهَا. وَحَالُ بَدَنِهِ قِيَامَهُ بِهَا.

وقد أكد هذا المعنى الدقيق شيخ الإسلام ابن تيمية مراراً ونقل عن طائفة من العلماء - كما في التحفة العراقية ص52 - قولهم: الِالْتِفَات إِلَى الْأَسْبَاب شرك فِي التَّوْحِيد ومحو الْأَسْبَاب أَن تكون أسبابا نقص فِي الْعقل والإعراض عَن الْأَسْبَاب بِالْكُلِّيَّةِ قدح فِي الشَّرْع وَإِنَّمَا التَّوَكُّل الْمَأْمُور بِهِ مَا يجْتَمع فِيهِ مقتضي التَّوْحِيد وَالْعقل وَالشَّرْع.

 

أيمن الشعبان