رسالة مبتلة .. بدون عنوان- جمال أبو النسب

بواسطة قراءة 2268
رسالة مبتلة .. بدون عنوان- جمال أبو النسب
رسالة مبتلة .. بدون عنوان- جمال أبو النسب

"""  إهـــــــــــــــداء  """

الى كل ابنة اكتوت بنار الغربة ,, الى كل أخت تكاد تقتلها اللوعة ,, الى بنات شعبنا الصابرات ,, الى أخواتي الفلسطينيات الجلدات ,, اليكن جميعا أهدي رسالتكن الى كل أم وأب وأخ وأخت ,, واسمحن لي أن  أرسل  من خلالكن نسخة منها الى أختي التي لم تلدها أمي لعلها تعرف العنوان ,,,,

أفقت فجرا ولم أجد زوجتي إلى جانبي , رحت أفتش عنها في أركان الغرفة المظلمة ,

باحثاً عنها بين أجساد أطفالي ، لأجدها تقبع بركن الغرفة , التي تعاني جدرانها من عفن رطوبة الغربتي ,  راحت تأكل منها شيئا فشيئا كسل التهم جدار الرئتين ، وجدتها وقد تكور جسدها مثل جنين لاذ في ركن بعيد برحم أمه , أو كقتيل تلوى جسده قبل أن تفيض روحه توا وحبل المشنقة ما زال يلتف حول عنقه ، دنوت منها بحذر , وقد هالني لون شعرها , بالأمس كان ذا لون أسود , والآن اشتعل شيبا ، اقتربت مشدوها مصدوما ، حائراً , لأجد تحت رأسها , ورقة مبتلة بدلاً من وسادتها ، فما أدراني أبللها كان من فيض دموعها , أم من مجاهدة تعرق قلمها الذي كان ما زال بين أصابعها , استللت بحذر من تحت رأسها تلك الورقة , خشية عليها أن تصحو , وخوفا مني أن تلقي علي القبض متلبسا بجرم السرقة ، انسللت مسرعا إلى خارج الغرفة , لعلي ألتمس بعضا من ضوء الصبح الذي بات يلوح في الأفق , قلبت الورقة لأقرأ فيها هذه الكلمات  , فهي منذ غيبتنا الغربة , كأنها الحاضر الغائب ؟؟ .. قرأت ما في تلك الورقة , وياليتني لم أقرأ , لأني أدركت للروح نزيفا , أمر من نزيف الجسد ,, وإليكم ما قرأت ...

أمي ، أمي .. ها هو انقضى اليوم الرابع من العيد للعام السابع , وكلتا يداي مشرعتان , كأنهما بانتظار ضم الأرض والسماء معا إلى صدري , فلم تجدا سوى الفراغ ، أمي عجين كعك عيد قلبي قد اختمر، أمي إنه يحن ليديك كي تشكليه كيفما شئتي ..

أمي , أمي .. عطشي لضمة من حضنك الدافيء , وشوق روحي لقبلة من ثغرك الباسم , وطول انتظاري , قد جعل حياتي مثل ماء نهر امتزج بملح البحر , الذي ما أخرس يوما عطش بحار قد ضل الساحل ..

أبي , أبي .. ليس من طبعك تركي أنتظر لليوم الرابع , وشفاهي معلقتان على الباب بانتظار تقبيل يديك ...

أبي , أبي .. إني أحن ليدك وهي تعبث بشعري ، أبي قهوتك ما زالت دافئة ولم تبرد ، أبي تخنقني العبرات حين تلثم بشفاهك جبيني , لتقول لي ابنتي لليوم لا أعرف حين أضمك إلى صدري , أ أنا أحتضنك أم أنك أنت من تحتضنيني بنيتي ..

أبي , أبي .. هبني ولو للحظة صدرك بأنفاسه المتعبة , كي أطفيء على أضلعك ضمأ طفولتي ,, لاأنها ما زالت تسكنني ليل نهار ..

أخي ، أخي .. ما زلت أذكر , ومنذ طفولتي كيف صفعتني بعينيك , حين تبسمت بوجه صديقا لك , وقولك لي ما هكذا تفعل من كنت لها أخا ، أخي تعال لتصفعني بكلتا يديك , لأجدد وعدي لك بأني لم أفعلها ثانيةً , يا توأم روحي يا أخي تعال , سيقتلني الانتظار وقلبي منذ ذلك اليوم يتلهف لرؤية عينيك ، أخي بالله عليك فقط تعال ..

أخي , كوب شايك ما زال يغلي , مثل قلبي الذي مزقه الانتظار , تعال يا أخي , لتجد قلبي مرمياً للقياك ,, وقد سبقني عند عتبة الدار، بربك يا أخي تعال. تعال . تعال ..

أختي ، أختي .. مزقني البعد عنك , قتل في عينوني كل الألوان , سرق من روحي خير الصحبة , بعدما أختلس من قلبي البسمة , ليفر بعيدا وفي يديه صندوق الأسرار، أختي لم أعرف الحسد يوما , وما كنت يوماً من أحد أغار...

أختي , أختي .. فاض صندوق فؤادي بالحكايات ، أختي ,, صديقيني فأنا اليوم كلما أرى عصفورتين تزقزقان معاً عند شباك غرفتي , يصرخ كلي , ليبكي بعضي على بعضي ، أختي قولي عني ما شئتي , أختي أني أحسدهما ، أختي أني أغار.  أغار . أغار ..

عمي ، خالي ، جاراتي ، صاحباتي , أسفلت الطرقات , جدران مدرستي ، مرجوحة بيتي ، دولاب ملابسي ، إني كلما حلمت بكم استعذت بالله من اليقظة ، اعذريني يا أحلامي ، و اعذريني يا ذكرياتي ، فما عدت أقوى على الكتابة لكم , أم أني لم أعد أرى الورقة التي أمامي ؟؟؟؟

رجعت وأنا أحبو إلى الغرفة لأدس الورقة كوسادة تحت رأسها ، وسؤال يصرخ في ذاتي , كيف لي أن أرسل هذه السطور لأصحاب الشأن , ودموع زوجتي من فرط انهماره قد بلل العنوان ؟ فأمانة عليكم ، وصرخة توسل لكل من يعرف أصحابها أن يبعث لي العنوان.

                                              

بقلم: جمال أبو النسب

الولايات المتحدة الأمريكية / كاليفورنيا

7/3/2011

 

المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع

"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"