في شهر
"سبتمبر/أيلول" عام 2003، بعد نحو خمسة شهور على إسقاط النظام السابق
وإثر الاجتياح الأمريكي للعراق، عاد أدوين شكر وهو عراقي يهودي الأصل والمولد
والنشأة حيث كان من اليهود الذين هجروا قسراً في سبعينيات القرن الماضي، عاد إلى
بغداد لأول مرة بعد كل تلك السنوات محملا بالآمال العريضة والكبيرة لعودة هويته
"المسلوبة" والمشاركة في بناء العراق الجديد كما كان يحلم يوماً.
ويقول شكر وهو رجل أعمال
عالمي ومستثمر في عدة مجالات عقارية وتجارية كالفنادق والمطاعم والمستودعات ومن
مواليد 1955، في حوار خاص أجرته "سبوتنيك" معه: "بعد 2003 دأبت على
زيارة بغداد ومختلف المحافظات التي تحتضن "مزارات ومراقد دينية"
وتاريخية لليهود ولمختلف الطوائف الدينية الأخرى كلما سمحت الحالة الأمنية بذلك.
هكذا أعبر عن تشبثي بجذوري وانتماء طائفتي لهذه الأرض الطاهرة".
وقد زودنا بصور حصرية
له من داخل محلة ومعبد لليهود وسط العاصمة عام 2015، وفي سنة 2018 من داخل
"مبنى النبي يونس" الذي دمره تنظيم "داعش" الإرهابي في
الموصل، مركز نينوى، وصورة أخرى من 2019 أمام منزل قديم في محلة لليهود في أحدى
أزقة بغداد التاريخية .
هوية
وحدد شكر "أن
الظلم الأكبر الذي وقع على أبناء الطائفة اليهودية العراقية الذين تم تسفيرهم
وترحيلهم بعد مضي أكثر من 2600 سنة على وجودهم في العراق، ليس فقط تسقيط الجنسية
بصورة أوتوماتيكية عن كل يهودي يغادر العراق لأي سبب كان ولا يعود إليه بغضون
شهرين، إنما أيضاً قانون الجنسية العراقية الصادر سنة 2006 في المادة (18) منه /
الفقرة (ثانياً)، وهو قانون عنصري بحت ويخالف "روح الدستور" العراقي
لسنة 2005 حيث حرم فقط العراقي اليهودي من استرداد الجنسية العراقية".
وأضاف: "لا أعرف
أي دولة أخرى لديها قانون كهذا في القرن الواحد والعشرين ! واصفاً إياه
"بالقانون الظالم".
وتنص المادة 18
أولا: لكل عراقي
أسقطت عنه الجنسية العراقية لأسباب سياسية أو عنصرية أو طائفية أن يستردها بتقديم
طلب بذلك وفي حالة وفاته يحق لأولاده الذين فقدوا الجنسية العراقية تبعا لوالدهم
أو والدتهم أن يتقدموا بطلب لاسترداد الجنسية العراقية.
ثانيا: لا يستفيد من
حكم البند (أولا) من هذه المادة العراقي الذي زالت عنه الجنسية بموجب أحكام
القانون رقم (1) لسنة 1950 والقانون رقم (12) لسنة 1951.
ورحل شكر وعائلته من
العراق، إلى إيران في مطلع سبعينيات القرن الماضي، ومنها تقدموا بطلب اللجوء إلى
بريطانيا.
وألمح إلى لقاءات مع
سياسيين عراقيين أجراها خلال سنوات ما بعد 2003، لتغيير الفقرة المذكورة من هذا
القانون، ناقلا عنهم قولهم: "تمهلوا قليلا.. لأن الشعب العراقي ليس جاهزا بعد
لهذه الخطوات الجريئة".
نهب
واستدرك شكر في
حديثه: "أن ما يجري اليوم من سلب لممتلكات أبناء الطائفة اليهودية العراقية،
والتعدي على مراقد أنبياءهم وتغيير معالمها هو أمر لم يحدث وبهذا الشكل السافر حتى
في زمن الأنظمة المستبدة السابقة".
وكشف: "أن أموال
الطائفة اليهودية، وممتلكاتها العامة بقيت وقف وملك للطائفة إلى عام 2003، لا أحد
كان يضع يديه عليها أما بعد سقوط النظام السابق وحتى الآن خسرت الطائفة معظم
ممتلكاتها من خلال عمليات التزوير والبيع والشراء من قبل لصوص وفاسدين مدعومين من سياسيين
دون ضمير".
وجاء في الرسالة التي
كتبها أدوين شكر إلى رئيس مجلس الوزراء العراقي، الكاظمي، قبل زيارته مؤخراً إلى
الولايات المتحدة الأمريكية يوم 20 "أغسطس" الماضي، قال فيها: "أضع
رسالة التذكير والمطالبة هذه بين أيديكم عسى أن تتخذوا القرار الشجاع الذي سيخلد
اسمكم في التاريخ بإنصافكم إيانا بعد عقود من النبذ والإقصاء، ونحن الذين يشهد لنا
تأريخنا الطويل في بلاد الرافدين بإخلاصنا لهذه الأرض واجتهادنا في عملنا من أجل
خيرها وسلامها، ولا نريد لهذه الجذور أن تنقطع برحيلنا إلى "العالم
الآخر" بل سيكون أبناءنا امتداد لنا ومن حقهم معرفة جذور آباءهم
وأجدادهم".
وتابع: "لا يخف
على دولتكم أن موجات نزوح العراقيين وهجرتهم على مختلف أديانهم وطوائفهم وانتمائهم
قد بدأت في عصرنا الحديث منذ الثلاثينات من القرن الماضي واستمرت في تصاعد مع كل
حدث تاريخي كان يغير وجه العراق ويفرغه من تنوعه الذي كان مصدر قوته منذ آلاف
السنين".
وأكمل شكر:
"واجه المواطنون العراقيون بمختلف ألوانهم هذه المأساة، من
"المسيحيين" بمختلف تنوعاتهم "أرمن وأثوريين وكلدان وسريان إلى
اليهود والكاكائيين والبهائيين والشبك والايزيديين والعرب والكرد والتركمان
والصابئة المندائيين" وصولاً إلى ما ارتكبه "داعش" من جرائم عام
2014".
وعبر شكر في برقيته
الموجهة للكاظمي: "اليوم نستبشر الخير بكم، مثلنا مثل غالبية الشعب العراقي
الذي يؤيد جهودكم المبذولة في ظل ضغوطات وصراعات كبيرة تعصف بالبلد، وقد حان وقت
الالتفات بجدية لقضية الأقليات، فلا يمكن إنكار حقوق هؤلاء المواطنين، ومن الظلم
الاستمرار في إصدار قوانين مجحفة تنكر حق المواطنة المكفول لكل العراقيين".
ويرى شكر أن قانون
الجنسية العراقية رقم (26) لسنة 2006 خيبة أمل كبيرة ونكران لحقوق الطائفة
الموسوية المشروعة في استعادة الجنسية العراقية حيث حرم فقط اليهودي من استعادتها،
وأكد مرة أخرى على نفاذ وسريان القوانين العنصرية لسنة 1950 و1951 واستمرار سياسة
التطهير العرقي، بل ومحو حتى الذاكرة اليهودية في العراق.
وتطرق إلى تعرض تراث
يهود العراق الديني الألفي وممتلكاتهم بعد 2003 للنهب والتخريب بشكل منظم طال حتى
تغيير معالم مراقد أنبيائهم كما حدث في مرقد النبي حسقيل في الكفل، وهكذا مع أغلب
معالم التاريخ اليهودي في المدن العراقية كالمعابد القديمة والمقابر.
ويناشد شكر رئيس مجلس
الوزراء والشعب العراقي الحفاظ على جميع آثار العراق خصوصا وأن هناك جهات تسعى
لمحو هذا التاريخ العريق وإفراغ العراق من محتواه الآثاري الحضاري وهو هوية بلاد
الرافدين.
ويأمل في برقيته، أن
يعاد تصحيح مسار القوانين العنصرية التي لا تتناسب وتطلعات العراق الجديد، خاصة
وأن هناك الملايين من العراقيين في الولايات المتحدة الأمريكية وفي مختلف بقاع
الأرض يدينون بحبهم للعراق لكنهم تحولوا إلى طاقات مهدورة في أرض المهجر لو أالتفت
لهم وأعيدت لهم حقوقهم كمواطنين عراقيين لأصبح العراق في مصاف الدول المتقدمة.
واختتم المواطن
العراقي من الديانة اليهودية، "مذكراً دولة رئيس مجلس الوزراء بأن الفرصة ما
زالت مؤاتية والأمل موجود بصحوة العراق من سباته وواجب علينا جميعا الدفاع
عنه".
سبوتنيك عربي
19/1/1442
7/9/2020
لمشاهدة باقي الصور :
https://www.facebook.com/paliraqcom/photos/pcb.3471105426269011/3471079069604980/?type=3&theater