حيفا و إسرار سقوطها و صمود القرى الثلاث ج 16- رشيد جبر الاسعد

بواسطة قراءة 7063
حيفا و إسرار سقوطها و صمود القرى الثلاث ج 16- رشيد جبر الاسعد
حيفا و إسرار سقوطها و صمود القرى الثلاث ج 16- رشيد جبر الاسعد

حلقة (16)

كفاح المرأة الفلسطينية الرائد في عين غزال جبع اجزم

     للمرة الثالثة أود الكتابة عن نساء القرى الثلاث ودورهن المكمل والحيوي في الكفاح الفلسطيني ودعم المرأة لآخاها الرجل ومؤازرته في كل المواقف , وحين اكتب لا بد من التطرق ولو بلمحة بسيطة عن نساء فلسطين البطلات والبارزات , وكل كاتب عن دور كفاح بعض القرى و المدن الفلسطينية  , أو كفاح مدن فلسطين ونساءها , أو من يتطرق للمقاومة الفلسطينية لا بد وأن يذكر كفاح المرأة الفلسطينية وعطاءها وصمودها ضد الاحتلال والظلم .. خلال قرن ..

    وكلما أردت الاختصار بالكتابة عن العديد عن بطلات وماجدات فلسطين ولو سطران أو ثلاثة لكل واحده منهن أرى أن الموضوع طال وتجاوز بضعة صفحات .. ومع هذا أيقنت أن من يكتب عن نساء بعض مدن وقرى فلسطين لا بد له بل ومن الضروري ان يعطي لمحه عامه موجزه عن موقف وصمود المرأة الفلسطينية وكفاحها عبر السنين , وكفاحها عبر العديد من الميادين وهذا موقف مشرف مشرق ليس بجديد عن المرأة الفلسطينية والمرأة العربية المسلمة على امتداد الساحتين العربية والإسلامية .. وهذا لم يأتي من فراغ لأنهن يعيدن السيرة المشرفة والمشرقة العطرة للصحابيات الكريمات رضي الله عنهن ..كالصحابية رفيده بنت اسلم الأنصارية أول طبيبة في الإسلام و العالم, والمحاربة نسيبة الأنصارية أم عمارة وحمنة بنت أبي جحش وفاطمة الزهراء وعائشة الصديق وصفية عبد المطلب والشفاء القرشية وخوله بنت الازور .. ومئات من الصحابيات وآلاف من نساء العروبة والإسلام اللواتي خلدهن التاريخ طبيبات , ممرضات , محاربات , مسعفات , محمسات , شاعرات , إداريات , أميرات , عالمات . راويات , نابغات , أديبات ... على مدار التاريخ الإسلامي الحضاري الطويل .. وفي فلسطين منذ وعد بلفور المشئوم كان للمرأة الفلسطينية الدور والحضور المبكر والفاعل .. بجانب أخيها المواطن الفلسطيني .. كافحت ابنة فلسطين بداية بشكل عفوي وفردي ثم تطور الكفاح النسوي الفلسطيني ليأخذ الشكل التنظيمي الجماعي بإطاره البسيط المتمثل بالجمعيات والاتحادات النسائية الفلسطينية ففي يوم 26  تشرين الأول من عام 1929 وبعد أحداث ثورة البراق الشريف تجمعت أكثر من ( 300 ) فتاة وسيدة فلسطينية , مسلمات ونصرانيات , محجبات ومنقبات وسافرات شريكات في الوطن والمصير . وقابلن المندوب السامي البريطاني وقدمن له مذكرات بالمطالب والاحتجاج التي تتضمن:

1- رفض الهجرة اليهودية الصهيونية المتزايدة , المدعومة من قبل تسهيلات و دعم الاحتلال البريطاني رفضاً باتاً .

2- رفض وإلغاء وعد بلفور المشئوم .

3- منع انتقال الأرض العربية إلى الصهاينة بكل أشكالها اللئيمة والمقنعة والمدبرة والمتزايدة من قبل الانكليز ..

4- أقامة حكومة وطنية فلسطينية مستقلة . أسوة بالعراق و سوريا .

  وحين جلسن أمام المندوب السامي البريطاني مجموعه من النساء يمثلن نساء فلسطين جلسن برزانة وهيبة وأدب مبديات كل الامتعاض والغضب مما يحدث بل رفضن شرب القهوة عملاً بالتقاليد العربية البدوية إلى أن تتحقق مطالبهن المشروعة .. ثم طافن الثلاثمائة سيدة وفتاة في ( 80 ) سيارة في شوارع القدس عاصمة فلسطين وقاموا بزيارة عدد من السفارات الاوربيه والتركية وقدمن لهم مذكرات الاحتجاج والغضب والمطالب وشرح عدالة القضية الفلسطينية , أما السفير التركي فقد استقبلهن خير استقبال ووعدهن بالمساعدة .

   وفي ثورة 1936 اشتركت المرأة الفلسطينية بالقتال جنباً إلى جنب بجانب أخيها الرجل فاستشهدت ألسيده ( فاطمة خليل غزال ) في منطقة وادي عزوز بين قلقيليه وطول كرم .

    وهذه ألسيده النشمية التي لاحظت حيرة وحزن زوجها لكونه لا يملك سلاحاً بسبب حصار وتشديد الاحتلال البريطاني فباعت بيتها الموروث عن أبيها ليشتري بثمنه بندقية ورصاص ويلتحق مع المجاهدين الفلسطينيين في ثورة 1936 فيكتب الله سبحانه  له الشهادة في معركة وادي الطواحين يوم 13 تموز 1936 ..

   وهناك البطلة الآنسة المعلمة ( ميمنه عز الدين القسام ) تلبس البنطال والكوفية والعقال وعند حلول الظلام تذهب مع النسوة يحملن السلاح والطعام والماء والدواء والسيكاير والنقود .. للثوار الأحرار الذين يرابطون في الجبال والغابات والكهوف ..

    وتحضر المؤتمرات السياسية والوطنية النسائية وتلقي الخطب الحماسية المعبرة ..تشيد بدور والدها رمز الجهاد ورائد الجهاد في العصر الحديث , القائد البطل الشهيد عز الدين القسام وتحث على نهج الطريق الذي سار علية والدها .. البطل الرمز القسام .. والحذو حذوه ..

   ألسيده عفيفة مطيع ملحس تمارس التدريس والتربية وتعليم الأجيال من البنات ثم لتكون مديرة ثانوية لمدة 42 عاماً من العطاء قبل النكبة وحقق الله سبحانه و تعالى لها أمنيتها بإنشاء مسجد على نفقتها الخاصة وتخصص قسماً منه لصلاة النساء ..

   وميتل مغنم أقامت مشغلاً للنسيج وتعليم الحياكة والخياطة والتطريز وتشغيل عشرات البنات منذ عام 1938 حتى عام 1966 ..

   كلثوم نصر عودة من الناصرة أول امرأة عربية في الوطن العربي من فلسطين نالت درجة وشهادة  ( البروفسورة ) في الثلاثينات من الاتحاد السوفيتي في القرن الماضي ومن الرائدات في مجالات التطبيب والتعليم والتربية والثقافة ..

  و قافلة نساء فلسطين الماجدات المتميزات طويلة خلال الانتداب و بعد النكبة ....

  سلوى خوري أول طبيبه فلسطينية في الوطن العربي تخرجت بامتياز من ألجامعه الامريكيه في بيروت عام 1937 فشغلت الوظائف المتعددة الرفيعة .. نساء كثيرات شاركن في العمل النضالي المقاوم ...

    لعل منهن هدى صلاح حمو , عفاف إبراهيم مطر , ورائده حسام الدين جارا لله .. والبطلة المقاتلة المقاومة حلوة زيدان في دير ياسين .. والمعلمة الممرضة الإنسانة حياة سليم البلبيسي .. وجوليت زكو وحلوة السالم ونفيسة الحسيني .. والسيدة وجيهة الحسيني زوجة القائد الاسطوره عبد القادر الحسيني .. ولا ننسى هند طاهر الحسيني التي جمعت مئات الأيتام والمشردين والجرحى في القدس عام 1948 وأقامت لهم مدرسة الأيتام .. وبعد سنوات ليكون العدد عندها بلغ الآلاف منهن بنات .. درسن وحصلن على أعلى الدرجات العلمية كالدكتوراه والماجيستير ومن مثل هند طاهر الحسيني .. والسيدة زكية حقي الكرمي .. والسيدة الفنانة الرسامة تمام الأكحل زوجة الرسام المبدع إسماعيل شموط اللذان أوصلا لوحاتهم الفنية المعبرة إلى كل العالم في أوربا و أمريكيا.. وجهود طيلة نصف قرن ..

  ولا ننسى الفدائيات البطلات لينا حسن مصباح النابلسي وشادية أبو غزاله والشهيدة ميسر اللبابيدي ومريم الهيصة شهيدة غزة والمقاتلة سهيلة وتمام استيتية ام توفيق والبطلة شهيدة يوم الوطن والارض خديجه قاسم شواهنه .. وثريا العوارضة .. والمناضلة فاطمه برناوي وعبلة طه وليلى خالد وعايده سعيد ورنده النابلسي .. ومريم عبد الغني هاشم رائده النشاط النسوي منذ عام 1921 حتى النكبة ووديعة قدورة خرطبيل .. و اخواتها الكريمات ..

  وهذه السيدة نائلة هاشم صبري زوجة الدكتور الشيخ عكرمه سعيد صبري خطيب المسجد الأقصى أول امرأة مفسرة للقران الكريم في العصر الحديث .. صاحبة عشرات المؤلفات في الفقه والتفسير والحجاب والأدب والقصة .. ومن لا يعرف رائدة الفداء الفلسطيني البطلة الشهيدة دلال المغربي .. التي ضربت اعلى رقم ودرجه في التضحية والفداء .. رحم الله الشاعر القائل :-

تجود بالنفس أن ضن البخيل بها  والجود بالنفس أقصى غاية الجود

     والشهيدة ( ميسر جميل الحيح ) وندى اليشرطي .. وفاطمة عودة وعائشة عوده .. والفدائيات الاستشهاديات البطلات وفاء إدريس ودارين ابو عيشة وآيات  الأخرس وعندليب الطقاطقة وإيمان غزاوي .. وشفاء تيسير الهندي .. والسيدة أم مشهور والعفيفة الماجدة انتصار شهيدة صبرا وشاتيلا .. ضحية التخاذل العربي الرسمي .. ودور يس خوري وتبريز هلسة .. وعايدة عيسى .. ورجاء أبو عماشة .. وأمنه منى .. ثم مئات الفلسطينيات المناضلات بعد حرب عام 1967 تعرضن للاعتقال والتعذيب والطرد .. والتحرش بهن و كذلك البطلة زهور الأطرش .. التي هدم الصهاينة بيتها ثلاث مرات و بقيت مع أطفالها العشرة صامدة أمام بيتها في خيمة  .. وميسر السعدي .. أسماء إبراهيم سبوبة . ستبقى ابنة فلسطين منفردة متميزة في ميادين النضال والطب والتربية والتعليم والنبوغ .. فهذه الآنسة إقبال محمود الأسعد في دولة قطر ابنة الاربعه عشر ربيعاً اصغر طالبة كلية طب في العالم ..

رحم الله الشاعر احمد شوقي القائل في حق المرأة العربية المسلمة ..

                  رضن التجارة والسياسة              والشؤون الأخريات

                  ولقد علمت بناته                      لجج العلوم الزاخرات

                  كانت سكينة تملاء الدنيا              وتهزأ بالرواة

                 روت الحديث وفسرت                  أي الكتاب البينات

                 حضارة الإسلام تنطق                 عن مكان المسلمات

ساهمت المرأة الفلسطينية في ألانتفاضه الفلسطينية الأولى  1987- 1993 ....

وفي الانتفاضة الثانية رجب 28 – 9 200م ...

وفي كل أعمال الصمود والنضال والوعي والمقاومة جنباً إلى جنب مع أخاها الرجل ... قال الشاعر الشعبي الفلسطيني :

                    ريح الجنة يا عالم فاح             بمعركة وادي التفاح

                    استشهد فيها الــفلاح              حط السنجه بالمرتين

                   والنساء رفعوا الرايات              للشبان مزغرديـــــن

                    ترخ عندك يا زمــــان              ظلم وغدر الغربييـــن

   هذا هو بعض حال و عطاء المرأة الفلسطينية المعايشة للأحداث أولا بأول, الفاعلة في المواقف والخطب في قرية عين غزال وجبع واجزم والطيرة والمزار .. وقرى الساحل وعكا ويافا .. والجليل بل كل فلسطين , كان لابنة فلسطين حاله ايجابيه واحده وموقف مشرف واحد نزلت المرأة الفلسطينية إلى ميادين الحياة بغياب زوجها حاولت أن تسد الفراغ الذي تركه زوجها لالتحاقه بميادين المقاومة والنضال بكل أشكالها , فهي مثلاً أخذت على عاتقها فضلاً عن مسؤوليات البيت و تربية الأولاد و تحمل المسؤولية لذلك شمرت عن سواعدها ونزلت للحقل والبيدر والأرض ,, فهي التي تقوم بأعمال زرع البذور وأعمال زراعية عديدة وجد الزيتون وقطف الثمار وأعمال موسم الحصاد والتذرية والرعي والحراسة .. حتى سدت الفراغ بغياب زوجها هذا عملاً مشرفاً مكملاً لأعمال المقاومة .. وهذا واقع وهذا قدر المرأة الفلسطينية الذي قبلته عن طيب خاطر ورضا وقناعة وعاشته بجلد وصبر .. و زراعة البسمة والأمل في نفوس أسرتها وزوجها وأهلها ..

  ففي قرى حيفا جبع منها عشرات النساء القرويات اللواتي بذلن المستحيل لدعم أعمال المقاومة المسلحة الشريفة الشرعية الخلاقة .. دعمن الثورة والثوار بخياطة الملابس والإعلام واللافتات . قدمن المال والطعام للمجاهدين من باعت البقرة وسلمت ثمنها لزوجها ليشتري سلاحاً يدافع به عن كرامته ووجوده وأرضه .. ومنهن الحاجة غزالة الأطرش زوجة الحاج المجاهد معيقل حسن ملحم باعت مصوغاتها الذهبية وقدمت ثمنها لزوجها ليشتري بندقية فرنسية وذخيرة ويقاوم عصابات الصهاينة .. عرف عنه التسديد بالرمي وإصابة الهدف بدقة قتل وجرح عدد من الصهاينة المسلحين المعتدين ..

   نساء فاضلات من قرية جبع – حيفا قدمن ما بوسعهن لتعزيز كفاح الرجل , برز منهن الكثير عشن واقع الثوار وحرب الصهاينة .. وكذلك قرية عن غزال  حين التحق العشرات من رجال وشباب القرية في أعمال المقاومة وخاصة في ثورة 1936 – 1939 وفي حرب فلسطين 1947 – 1948 قدمن الكثير الكثير .. وملئن الفراغ الذي خلفه الرجل .. ودعمت نساء عين غزال مثل نساء بقية قرى فلسطين , دعمن الكفاح الفلسطيني المسلح .. بنواحي شتى .. بالمال .. بالدم .. بالطعام .. بالتطبيب .. والإسعاف .. ومعالجة جرحى المعارك بنقل السلاح بالزغاريد المجلجلة و الأهازيج المشجعة منهن البطلة ابنة عين غزال زوجة احمد القاروط و غيرها .. ونساء قرية اجزم ليس بأقل عطاء وتفان من قرى الوطن ..منهن نساء متميزات يعيشن قدرهن .. يراقبن الأحداث عن كثب .. فلسطينيات مناضلات وحسبي أن اذكر بعضهن حسب مصادر أهل القرية    ومنهم أهلي وأعمامي ( وخاصة عندي مؤلف عن قرية اجزم ) أوشكت على الانتهاء منه قريباً بعون الله . لهذا اذكر بعض تلك النساء الماجدات على سبيل المثال المناضلة بكريه النتشه  التي كانت تخفي السلاح بعد كل عملية وحكم عليها بالسجن عدة سنوات والمناضلة شفيقة الأبرص الحسن وبنات عوض الطبوخي ورشيدة عبد القادر الحسن والحاجة ريحانة وعريفة ام مصباح أبو عابد والحاجة والدة نجيب الشمبور وأمنه حسين حمادة ( أم توفيق الخياطة ومصلحه اجتماعية ) وامرأة من دار الهلة وأم الزعرور وأم يوسف العبد الله في جبع وخيزران محمد عيسى طوافشة وغيرهن كثير في قرى اجزم جبع عين غزال وكل البلاد .. لكن للأسف التوثيق قليل و المصادر شحيحة لان القائمة طويلة ...

  لهن الإكبار والعرفان والرحمة .. منجبات الأطفال صانعات الرجال .. مربيات الأجيال .. مخرجات الإبطال.. وهن معقد الآمال .. ومفخرة الأمة والأجيال ...

أنشدت الشاعرة سميرة سليمان درويش حب فلسطين المغروز في قلبها و جوارحها و ضميرها ...

فلسطينيه أنا ..

وهذه الأرض لنا .. ولن تخرجنا من هنا

القدس والأقصى لنا ..

تقولون وتدعون هيكلنا ؟

هذه الخرافات لن تطول ها هنا

فلسطينيه أنا ..

وهذا يشعرني بالفخر .. لن أرضى الظلم والقهر ..

وسينفذ يوماً هذا الصبر .. وأقاتل مهما طال الدهر ..

فلسطينية أنا ..

حقاً ليس لي سلاحاً ألا الحجر

ولكن لن أتراجع ولو صدني كل البشر

ولن يوقفني لا قرارات ولا شعارات ومؤتمر .. وها أنا

أخبركم بأني فلسطينية

أنا فلسطينيه أنا ..                    

رشيد جبر الأسعد

كاتب وإعلامي فلسطيني

بكالوريوس تاريخ

"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"