وقبل الحديث عن أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا أريُد أن أوضح
بأن الثورةَ السورية تختلف عن باقي الثورات العربية بالنسبة للفلسطينيين وذلك
يرجعُ إلى : -
أولاً : تعتبر سوريا دولة هامة في الصراع العربي "الإسرائيلي"
كونها من دول الطوق، ولديها جزء محتل من أرضها (الجولان) , كما أنها تشكل حلقة
الوصل الرئيسة في ما يسمى محورُ المقاومة .
ثانياً : تواجدت في
العاصمة السورية دمشق القيادة السياسية لحركتي حماس والجهاد وبعض الفصائل الفلسطينية
الأخرى.
ثالثاً : قام النظام السوري في السابق بدعم حركات المقاومة بشكل كبير .
رابعاً : يعيش في سوريا قرابة 600 ألف فلسطيني لاجئ منتشرين في المحافظات
السورية .
خامساً : إِمتداد الفترة الزمنية للثورة السورية مقارنة بالثورات الأخرى
وذلك يرجع إلى :-
1- كِبَر حجم القوات التابعة
للأسد في خضم الصراع الطائفي .
2- انقسام المعارضة
واِفتّقارها إلى إستراتيجية واضحة .
3- التجاذبات والتدخلات
الإقليمية والدولية في الأزمة السورية .
موقف الفصائل الفلسطينية من الثورة السورية
منذ بدء الأزمة في سوريا إِنقسم موقف الفصائل الفلسطينية بين مؤيدٍ
بشكل واضح للنظام السوري، كالجبهة الشعبية القيادة العامة، والجبهة الشعبية لتحرير
فلسطين «في سوريا»، والصاعقة، بينما لم تصدر مواقف واضحة من بقية الفصائل وعلى
رأسها حركتا "فتح" و"حماس" :-
أولا:- موقف حركة حماس : كثيراً ما تؤكد حركُة المقاومة الإسلامية ( حماس ) أنها لا تتدخل
في الشأن الداخلي للدول العربية . وتعتبر هذه النقطة من أهم ثوابت سياستها
الخارجية، وفي التصريح الأول لحركة المقاومة الإسلامية حماس أكدت على ما يلي :-
1- إن سوريا قيادة وشعباً
وقفت مع مقاومة الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة , وإِحتضنت قوى المقاومة
الفلسطينية .
2- ما يجري في الشأن الداخلي
يخص الإخوة في سورية , إلا أن حركة حماس , أكدت بأنها تحترم إرادة الشعوب العربية
والإسلامية وتطلعاتها .
3- رفض الحركة إخراج مسيرات
مؤيدة للنظام السوري في المخيمات الفلسطينية .
4- مغادرة أعضاء المكتب
السياسي لحماس العاصمة السورية دمشق ، ويعتبر خروج أعضاء المكتب السياسي لحركة
حماس من العاصمة السورية تحول هام في علاقة حماس بالنظام السوري بل وقد أثر على
علاقتها بإيران ، وقال جيفري فيلتمان مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق
الأدنى في 2آذار / مارس 2012م أن خروج منظمة حماس من سوريا " عرى نظام الرئيس
السوري بشار الأسد " .
5- وبتاريخ 13/1/2014م طالب إسماعيل
هنية برفع الحصار عن اليرموك .
6- ذكرت بعض المصادر بأن
أفراداً منتمين لحركة حماس إِتخذوا قراراً بشكل منفرد بالانتقال إلى سوريا للقتال
ضد الجيش السوري النظامي مثل (محمد قنيطة) الذي قتل في سوريا .
ثانيا:- موقف منظمة التحرير الفلسطينية:
لم يصدر عن منظمة التحرير الفلسطينية بيان واضح بشأن الأحداث
الجارية في سوريا , إلا أن المنظمة لها بعض المواقف ومنها :-
1- إدانتُها للأحداث التي
حصلت في مخيم اليرموك بتاريخ 7حزيران/يونيو 2011م أو ما عرف بأحداث الخالصة .
2- إدانتها للهجوم الذي تعرض
له مخيم الرمل للاجئين في اللاذقية في منتصف آب / أغسطس 2011م .
3- زيارة عباس زكي ممثلاً عن
رئيس المنظمة لسوريا وإجتماعه مع بشار الأسد مطالباً بتجنيب الفلسطينيين في
المخيمات القصف الجوى وتقديم تسهيلات لهم وإطلاق سراح المعتقلين منهم .
4- إرسال قافلة إغاثية لأهل
مخيم اليرموك برئاسة وزير العمل أحمد المجدلاني والذي قال: إن بعض الأطراف
المحسوبة على حركة حماس داخل مخيم اليرموك تسعى لتعطيل التوصل لإتفاق من شأنهِ رفع
المعاناة عن أهلنا في المخيم .
ثالثا:- الجبهة الشعبية القيادة العامة :
1- قامت بتسليح عشرات الشباب في اليرموك، دون توافق فصائلي، تحت
مسمى "اللجان الشعبية"، ومهمة هذه اللجان وفقاً للقيادة العامة هي حماية
المخيمات من اللصوص والفلتان الأمني، لكن الذي إتضح أنها وجدت بالتنسيق مع الجانب
السوري الرسمي، لمواجهة قوات المعارضة السورية المعروفة بالجيش السوري الحر،
وبالتالي حُسبت هذه اللجان على طرف في الأزمة السورية .
2- سُجلت عدة اشتباكات بين عناصر القياد العامة والجيش الحر، داخل
مخيم اليرموك .
3- مشاركة عناصر من القيادة العامة بقمع المتظاهرين السوريين .
4- قسّمت مخيم اليرموك إلى مربعات أمنية ، وأقامت الحواجز الثابتة
والطيارة في المخيم مساندة للجيش وأجهزة أمن الرئيس بشار الأسد مما أدى إلى مفاقمة
الأوضاع الإنسانية في المخيم .
5- تُرجع الجبهة الشعبية وعلى لسان القيادي حسام عرفات الحصار
المفروض على مخيم اليرموك إلى وجود مجموعات مسلحة داخل المخيم تقاتل القوات
السورية بدعم من تركيا والسعودية .
رد النظام السوري على موقف الفصائل :
وجدت المقاومة الفلسطينية نفَسها حاضرة في الإعلام السوري الرسمي،
وليس الاستغراب من حضورها في إعلام دولة "المقاومة والممانعة"، لكن
الغريب أن تكون في هذه المرة ليست ضيفَ شرفٍ، وإنما تُستحضر كشريك في ما يسمى
"المؤامرة الكونية ضد سوريا". فقد صرح بشار الأسد بأن حركةَ حماس غدرتنا
مراراً .
موقف طرفي النزاع من اللاجئين الفلسطينيين ( 1/ النظام
السوري الرسمي ) :
مع بداية تفجّر الأوضاع سارعت الحكومة السورية وعلى لسان مستشارة
رئيس الجمهورية (بثينة شعبان) بإِتهام عناصر خارجية بالوقوف وراء الفتنة ووجهت
أصابع الاتهام للفلسطينيين بالتورط في أحداث وقعت في اللاذقية .
2/ موقف المعارضة السورية :
قال "برهان غليون" رئيس المجلس الوطني المعارض في مقابلة
مع صحيفة الشروق الجزائرية " الفلسطينيون ليسوا إخواناً وأشقاء بالنسبة
للسوريين بل هم أكثر من ذلك، فهم جزء من أمن وإستقلال سوريا " .
اللاجئون الفلسطينيون في سوريا - مراحل وصول اللاجئين الفلسطينيين إلى سوريا :
يمكن تقسيم وصول اللاجئين الفلسطينيين إلى سوريا إلى أربع محطات
رئيسة للجوء . فقد قام الاحتلال الصهيوني بطرد الفلسطينيين إثر النكبة عام 1948م ،
وحرب حزيران 1967 م, فيما كانت الخلافات الأردنية الفلسطينية السبب في موجة جديدة
من اللاجئين عامي 1970م-1971 م لتختتم موجات اللاجئين في عام 2003 م مع اللاجئين
الفلسطينيين القادمين من العراق إثر الاحتلال الأمريكي .
اللاجئون الفلسطينيون في سوريا :
يشكل اللاجئون في سوريا ما نسبته 10,2% من مجموع اللاجئين المسجلين
في الانروا و2,3% من مجموع سكان سوريا، ويعيش 25% منهم في عشرة مخيمات رسمية هي:
النيرب، وخان الشيخ، ودرعا، وجرمانا، و سبينة، والطوارئ، وحمص، وخان ذا النون،
وحماة، وقبر الست. ويقيم في هذه المخيمات ما يزيد على 30% من مجموع اللاجئين
الفلسطينيين إلى سوريا، ولا يعتبر مخيم اليرموك الذي يضم أكثر من 100 ألف فلسطيني
في عداد المخيمات الرسمية التابعة للأنروا على الرغم من إنتشار خدماتها المختلفة
فيه. وينتمي اللاجئون في سوريا إلى المناطق الشمالية في فلسطين خصوصاً صفد وحيفا،
ويشكلون 62% من إجمالي اللاجئين من تلك المناطق، أما الباقون فقدموا من يافا
وطبريا وعكا ومدن أخرى. وفي عام 1967م هاجر أكثر من مائة ألف شخص من مرتفعات
الجولان -بينهم لاجئون فلسطينيون- إلى أجزاء أخرى من سوريا. كما لجأ آلاف
اللبنانيين إلى سوريا أثناء الحرب الأهلية التي مزقت لبنان عام 1982م، وقدرت
الأنروا أعداد اللاجئين المسجلين لديها عام 1995م بحوالي 334870، واِرتفع هذا
العدد إلى 530000 وفق إحصائياتها (كانون الثاني للعام 2013م).
اللاجئون الفلسطينيون في ظل الثورة السورية والتفاعل الشعبي
حاول اللاجئون الفلسطينيون منذ بدءِ الثورة السورية البقاءَ على
الحياد على الرغم من صعوبة هذا الأمر، وذلك لعدة أسباب :
أولاً : لقي
الفلسطينيون في سوريا إحتضاناً من الشعب السوري منذ بداية وصولهم أثناء النكبة ,
وجاءت القوانين والتشريعات السورية لتحمي حقوقهم .
ثانياً : يتجانس
اللاجئون مع النسيج المجتمعي السوري من حيث الهوية والعرق فاللاجئون هم مسلمون عرب
سنة كما النسبة الغالبة للشعب السوري .
ثالثاً : ينتشر اللاجئون
على الأراضي السورية من الجنوب إلى الشمال وهذا يجعلهم معرضين للتفاعل مع الأحداث
التي تجري في أي منطقة في سوريا.
رابعاً : تتشابه البنية
الاجتماعية للاجئين الفلسطينيين إلى حد كبير مع البنية الاجتماعية للشعب السوري ,
والهرم الاجتماعي يكاد يكون واحداً .
خامساً : الإرث الثقيل
للتجارب السابقة للاجئين في لبنان والأردن، وكذلك ما حدث منذ فترة
قريبة للاجئين الفلسطينيين في العراق , الذين تم تهجيرهم بعد ما تعرضوا له
من إضطهاد، وجاء قسم كبير منهم إلى سوريا .
سادساً : نتيجة الحقوق
التي منحت للاجئين في العمل والدراسة والتسجيل في النقابات فإنهم تفاعلوا مع فئات
الشعب السوري في كافة الميادين , وتشاركوا الهموم الواحدة في المطالب الفئوية .
سابعاً : نتيجة الفترة
الزمنية الطويلة للجوء، فإن نسبةً من اللاجئين أخذت بالاندماج ولو الجزئي في
المجتمع السوري من خلال علاقات العمل بداية , وحتى من خلال علاقات أمتن اجتماعياً
كالمصاهرة والزواج , ويظهر هذا الأمر بشكل كبير لدى اللاجئين خارج المخيمات .
الحالة الأمنية لمناطق اللاجئين الفلسطينيين في سوريا :
في ظل عدم قدرة أيّ من الأطراف السورية المتناحرة في حسم المعركة
لصالحهِ، مما جعل بعض الأطراف تسيطر على بعض المناطق، سواء بشكل كلّىٍ أو بشكل
جزئي، فمثلاً : منطقتا حلب ودمشق تخضعان لشبه سيطرة سواء كلية أو جزئية من قبل
الائتلاف الوطني السوري المعارض – الجيش الحر – والمدعوم من تركيا، وتبلغ نسبة
اللاجئين الفلسطينيين في هذه المناطق 72%، وبهذا من الممكن أن يقدم لهم الجيش الحر
الحماية ولو بشكل جزئي .
كما يخضع 7% من اللاجئين الفلسطينيين في المناطق التي يسيطر عليها
بالكامل الجيش السوري النظامي، وهىي منطقة اللاذقية وطرطوس وحمص، علماً بأن الجيش
السوري النظامي يسيطر على أجزاءَ متبقيةٍ من دمشقَ يوجد بها عدد كبير من اللاجئين
الفلسطينيين أهمها مخيم اليرموك .
بالإضافة يعانى الآلاف من الفلسطينيين في محافظة الحسكة على الحدود
العراقية السورية وهى المناطق التي تخضع لسيطرة كرديةٍ سورية تتلقي دعمها من
جارتها كردستان العراق .
إنعكاسات الثورة السورية على اللاجئين الفلسطينيين :
بعد 186 يوماً من الحصار وتحديداً بتاريخ 17/1/2014 وصلت الأمور
إلى ذروتها نتيجةً الحصار، حيث بلغ عدد "الشهداء" الفلسطينيين في كامل
الأراضي السورية حتى تاريخ 10 كانون الثاني 2014 م نحو 1740"شهيداً" من
بينهم 174امرأةً و169 طفلاً(63 إناث و106 ذكور) بين هؤلاء 1423 "شهيداً"
موثّقين بشكلٍ كامل ، ونحو (287) "شهيدا" لم يتم توثيق أسمائهم لأسباب
عديدة منها التصفية السرية في المعتقلات، والمفقودين وصعوبة التوثيق في بعض
المناطق ودفن العديد من "الشهداء" مجهولي الهوية في ظروف أمنية مشددة أو
بشكل عاجل ، والتشّوه الشديد لبعض الجثث، ورغبة بعض ذوى "الشهداء" بعدم
التوثيق لأسباب أمنية، ويشمل هذا العدد غير الموثق ضحايا مجازر وإعدامات ميدانية
لعائلات كاملة ضمت من بينها "شهداء" فلسطينيين .
وتجدر الإشارةُ إلى أن حوالي نصف الشهداء الفلسطينيين :
سقطوا في مخيم اليرموك في دمشق حيث بلغ عدد "الشهداء"
الموثقين 695 "شهيداً"، وفي درعا 143 "شهيداً"، وفي الحسينية
77 "شهيداً"، وفي مخيم العائدين في حمص 55 "شهيداً"، وفي مخيم
النيرب وجندرات في حلب 54 "شهيداً"، وفي غوطة دمشق 54 "شهيداً"،
وفي مخيم خان الشيخ 53 "شهيداً"، وفي الحجر الأسود 44 "شهيداً"،
وفي مخيم سبينة 26 "شهيداً"، وفي السيدة زينب 25 "شهيداً"،
وفي التضامن 18 "شهيداً"، وفي مخيم العائدين في حماة 17 "شهيداً"،
وفي المعضمية 13 "شهيداً"، وفي مخيم الرمل في اللاذقية 12 "شهيداً"،
وفي عرطوز 12 "شهيداً"، وفي مخيم جرمانا 12 "شهيداً"، وفي
القابون 7 "شهداء"، وفي بقية دمشق وريفها 87 "شهيداً" .
المصدر : النماص اليوم
14/3/2014