اللاجئون الفلسطينيون والجحيم البرازيلي- عصام عرابي

بواسطة قراءة 2478
اللاجئون الفلسطينيون والجحيم البرازيلي- عصام عرابي
اللاجئون الفلسطينيون والجحيم البرازيلي- عصام عرابي

إن هذه الكلمة ليست مجرد عنوان لمقال أو وصف لحالة عابرة ، بل هو فعلاً جحيم ملتهب بكل معانيه تكاد نيرانه تأتي على الأخظر واليابس ، فالمكان الذي يفتقر إلى أبسط مقومات الحياة يكون الجحيم أفضل منه ، ولكن هنا لا الأخظر أخظراً ولا اليابس يابساً ,لأننا لا نتكلم عن أشجار وأعشاب بل نتكلم عن أرواح بشر ، عن أطفال لهم أحاسيس ومشاعر يفرحون إن وجِدت الفرحة ويبكون إن تألموا ..

عن مرضى كسائر المرضى في أنحاء دول العالم من حقهم العلاج والرعاية الصحية في ضل أجواء مهيئة لذلك ، ولكن من الواضح أن أرواحنا كبشر رخيصة أرخص بكثير من الأعشاب والأشجار في البرازيل ، فلو دب حريق في أحد الغابات لهرعت فرق الإطفاء من كل مكان للسيطرة عليه ، لكن للأسف لم نرى أي جهة من الجهات كلفة نفسها تقديم حل أو المساهمة أوحتى المحاولة لإنهاء معاناة أطفال ومسنين ومرضى في شوارع ومآوي المتشردين البرازيلية .

هذا هو الجحيم الذي أصبح وقود نيرانه الأطفال والنساء والمسنين والمرضى لأجل بعض المصالح الحقيرة .

عانينا في العراق الإظطهاد والخوف على أرواحنا من القتل والتعذيب ، عانينا في المخيمات الذُل والمهانة وسوء الأوضاع المعيشية ، ونعاني اليوم في البرازيل من الإظطهاد والخوف على أرواحنا وأرواح أطفالنا من الخطف والقتل جراء سوء الأوضاع الأمنية المنفلتة للغاية في البرازيل ، عدى ذلك الذل والمهانة وسوء الأوضاع المعيشية التي نعيشها في بلد يفتقر إلى كل مقومات الحياة الآمنة الكريمة .

عانينا من ملاحقة الميليشيات و فرق الموت في العراق ونعاني اليوم من ميليشيات مشابهة لكنها بكل تأكيد ليست ميليشية جيش المهدي أو أحد فرق الموت ، إنهم كل من كذب وساهم وساعد على ظُُلم اللاجئين من قريب أو بعيد، إنهم من يتآمر ويتفق مع عصابة آساف المجرمة على العوائل المعتصمة في الشوارع لإخظاعهم ..

إنها ميليشية الحكومة البرازيلية والجمعيات الفلسطينية في البرازيل والتي تلعب دور الشيطان الذي يوسوس في كل جانب قليلاً بما يصب لصالح أهداف أسيادهم الحقيرة والتي لا تدر على اللاجئين سوى المزيد من العيش المُذل وصولاً بهم إلى أدنى و أحط المستويات ، فليس لهذه الجمعيات أو السفارة الفلسطينية أي دور تلعبه على سبيل إنتشال من يعتصمون في الشوارع من هذه المعضلة , بل على العكس كانت مساهمتهم كبيرة من الكذب و التخاذل والتآمر لخدمة الحكومة البرازيلية والمفوضية والمؤسسات المجرمة التابعة لها وكأنهم تبعية لهم وليسوا هيئات دبلوماسية وجمعيات فلسطينية مستقلة من واجبها مساندة ومؤازرة إخوانهم وأبناء شعبهم ممن ظلموا ..

إن هذا البلد فيه ما يكفيه وليس بحاجة لجلب أُناس إليه من خارجه لتنام في الشوارع ومآوي المتشردين فيه ، فهناك المئات من شتى الأشكال والأعمار والأصناف في مآوي المتشردين ، وهناك الكثير ممن يتخذون من الشوارع وتحت الجسور في صناديق كارتونية بجوار المجاري وبين الأشجار وفي أحط الأماكن مآوي لهم ليناموا فيها ، وهناك الكثير ممن يجمعون طعامهم من حاويات وأكياس القمامة ومن بقايا الطعام الذي يخلفه ورائهم من يأكلون في المطاعم ، وهناك من التسول شتى الأشكال وشتى الأنواع والطُرق ، فالتسول أصبح في البرازيل إحدى الفنون ولربما يتم إدراجه مستقبلاً في المنهج التعليمي عندهم لكثرة التسول والمتسولين ولتنوع طرقه ..

طبعاً لا يخفى على أحد العوامل والأسباب التي تساهم في هذه الظواهر وظواهر أُخرى مثل تفشي العصابات والجرائم و اللصوص وتجار المخدرات وأعمال السرقة ونهب البيوت في وضح النهار ، فهنالك ما لا يستطيع القلم والورقة إحصائه من أعمال العنف هذه في كل يوم ، وتعود هذه الظواهر إلى سببين رئيسيين :

السبب الأول : أن المجتمع هنا منهار تماما من كافة جوانبه وبحاجة إلى إعادة تقويم من البداية ، وأبسطً دليل على ذلك الجرائم الكثيرة والرهيبة التي تقشعر لها الأبدان بحق أطفالهم وأبنائهم !!

نتطرق هنا لبعض من هذه الجرائم ، كالتي وضعت طفلها الرضيع في كيس لجمع القمامة وألقت به في النهر !

ومن قتل إبنته ذات العشرة أعوام من عمرها بوخزها بمفك للبراغي وألقى بها من طابق رابع في المبنى !

والتي دفعت بطفلتها ذات الأربعة أعوام من عمرها من حافة النهر في فصل الشتاء وهي تلعب !

ومن ألقى بإبنه وزوجته من شباك الشقة التي يسكن فيها ، ومن يشاهد التلفاز البرازيلي يرى العجب من هذه الجرائم ..

إن مثل هذا المجتمع ليس فيه أية روابط أُسرية بل هو مبني على العنف وتقطع الأوصال والروابط الأُسرية ، ولا يربط الناس مع بعضهم البعض إلا المصالح والشهوات ، ولم يتبقى بهذه الحالة إلا أن يأكل الناس بعضهم بعضاً بمعنى الكلمة .

فليس لدى الفرد علاقة بالأخر في الأسرة الواحدة ، وليس للأهل واجبات تجاه أبنائهم فكلٌ يفعل ما يحلو له ، وغالبية الناس تعمل لأجل يومي السبت والأحد للشرب والتسكع في الشوارع ..

أما النقطة الثانية فهي النقطة الحساسة والرئيسية والتي تنقسم إلى قسمين :

القسم الأول : الأوضاع المعيشية الصعبة جداً على عامة الناس .

القسم الثاني : الفساد المنتشر في صفوف الحكومة البرازيلية إبتداءً من مسؤولين صغار نهايةً بوزراء وصولاً إلى أجهزة الأمن والدولة ، فالمجرمين واللصوص يدخلون اليوم إلى السجن من باب ويخرجون بالغد من آخر ، كيف ؟ هذا ما يعرفه البرازيليون فقط .

الوضع المعيشي الصعب و الغلاء الفاحش وقلة فرص العمل وتدني الأُجور كلها عوامل تلعب دوراً رئيسياً بالإنفلات الأمني

والفساد الإداري بدوائر الدولة . ملايين العاطلين عن العمل من رجال ونساء على أتم الإستعداد لفعل أي شيئ على الإطلاق لكسب المال ، السرقة الرشوة الإنحراف القتل التسول ، من صعوبة الأوضاع ..

مثال على ذلك حين وصلت العاصمة برازيلية في شهر كانون الأول من العام المنصرم قال لي أحد الأخوة ، خذ بالغ الحيطة والحذر في هذا الشهر بالذات ، فقلت لماذا هذا الشهر بالذات ، أجابني لكثرة السرقة فيه لأجل رأس السنة لجمع المال لذلك اليوم ، وإذا تعرضت لمثل هذا الشيئ أنصحك أن تعطي كل ما في جيبك لأنهم هنا لايكتفوا بالسرقة بل بقتل من يسرقونه فكيف إذا حاولت المقاومة ..

هذه الأعمال نفسها طالت العديد من منازل الأخوة اللاجئين الفلسطينيين ، وقد تعرض بعض المعتصمين لعملية تسليب من قبل قطاع طرق أثناء تنقلهم بالباص بين الولايات ، ولن نذهب بعيداً عن ذلك ففي حديث لي مع أحد الشبان البرازيليين وهو متزوج منذ ثلاث سنوات ، تطرقنا لموضوع العصابات واللصوص ، فقلت له في البرازيل يوجدعصابات ولصوص ، قاطعني قائلاً : كثيراً كثيراً , قلت ، لماذا كثيراً ؟ رد مباشرة ، الناس تحتاج إلى النقود ، البلد ليس فيها عمل ليس فيها نقود ، كيف للناس أن تعيش ؟ يفعلون أي شيئ حتى لو كان غير جيد .

أنا أعمل بـ( 500 ) ريال في معمل وزوجتي تخدم في أحد بيوت الأغنياء براتب قدره ( 600 ) ريال ، منذ 3 سنوات إلى اليوم وأنا أُريد طفلاً ولكن لا أستطيع حتى التفكير بذلك بسبب الأوضاع المعيشية الصعبة ، لربما لو كنت لصاً لكان اليوم وضعي أفضل .

هذا ما يقوله إبن البلد من وُلِد ونشأ وترعرع ويتكلم لغة البلد ويعرف كل شيئ فيها يقول هذا فماذا يقول غريب من أُمة ومجتمع ذو عادات وتقاليد و دين يختلف إختلافاً جذرياً عن هذا المجتمع ..

هناك عوائل من اللاجئين الفلسطينيين الذين تم جلبهم إلى البرازيل لا يعلمون شيئاً عن البرنامج ومدته وأوضاع البلد لأنهم تم جلبهم من مخيم الوليد في العراق ، وهناك من يعلم وهناك من أُظطر بدوافع عديدة للقبول بمثل هذا البلد الذي يفتقر إلى أبسط مقومات إعادة تأهيل وليس إندماج اللاجئين .

المهم أن أحد البنود بالأوراق التي وصلت إلى اللاجئين بعد أشهر من إقامتهم في البرازيل تتكلم عن ضمان إحترام عادات وتقاليد والمعتقدات الدينية للاجئين ،فأين إحترام هذه الأُمور عندما قالوا شغلوا نسائكم في البارات لزيادة دخلكم ، هل هذا الكلام فيه إحترام ، للتقاليد ، للعادات ، للمعتقدات الدينية ، هل فيه إحترام لنا كأشخاص نحيى بديننا وأخلاقنا وكرامتنا .

هل فيه إحترام لنسائنا كنساء مسلمات محترمات لا تسمح لهم عاداتهم ودينهم وأخلاقهم وتربيتهم العمل في مثل هذه الأماكن في أي بلد ، ومن جهة أُخرى منا من لا يسمح لزوجته بالعمل ، ومنا من لديها أطفل صغار لا تستطيع تركهم ، ومنا من لا تستطيع التعايش مع المجتمع البرازيلي بطريقته المختلفة جداً ، أين الإحترام في هذا ؟

إن المطلوب أن نفقد كل القيم الأخلاقية والدينية لتسهل علينا عملية الإندماج في المجتمع البرايلي بطريقته فنستطيع حينها أن نقبل على أنفسنا أن تعمل نسائنا منذ الصباح حتى منتصف الليل في البارات لزيادة دخلنا كما تريد العصابات المشرفة علينا ، وإذا أراد أحدنا دخلاً أكبر يذهب ويرى طريقاً إلى اللصوصية أو الإنتماء لأحد العصابات ، والأولاد صغاراً في الروضة ، أكبر قليلاً إلى المدرسة ومن ثم إلى الشارع إلى حين عودة الأهل ليفقدوا دينهم وأخلاقهم وعاداتهم وعندما يبلغ الولد 12 عاماً من العمر نخرجه من المدرسة ونلقيه ليعمل ويتسول وينحرف ويصبح لصاً ومدمن مخدرات في الشوارع لمساعدة أهله بمصاريف البيت كما تجري الأُمور في البرازيل فنكون بذلك خير مثال للاجيئ الفلسطيني الذي إستطاع الإندماج .

طبعاً هذا الواقع آليم وحقير جداً لمن يقرأه فكيف لمن يعيشه ويعتصم منذ 6 أشهر في الشوارع ، البارحة واليوم وغداً قلناها ونقولها وسوف نقولها ، لن نتراجع عن موقفنا مهما فعلتم ومهما كلفنا ذلك ومهما حركتم من الأشخاص والجهات من الذين باعوا ضمائرهم من الذين نسوا أو يتناسون أنهم فلسطينيين يحتم عليهم واجبهم ودينهم وأخلاقهم العمل على مساندة أبناء شعبهم ووطنهم لا مساندة مؤسسة عصابة النساء المجرمة مؤسسة آساف ، فلم نأتي إلى البرازيل لنعيش بذُل ، لم نأتي لقتل مرضانا نتيجة سوء الأوضاع وسوء الرعاية والإهمال ، لم نأتي لنصبح لصوصاً وقطاع طرق ويصبح أبنائنا مدمنين مخدرات في شوارع ومآوي المتشردين البرازيلية ، لم نأتي لتعمل نسائنا في البارات ولم نأتي لنعمل طيلة الإسبوع من أجل التسكع في يومي السبت والأحد .

من الواضح أن البعض فهم الأُمور خطأً معتقدين أن الصحراء قضت على أدمغتنا وفقدنا التفكير لمجرد أن نرى الأشجار والماء والكهرباء سوف نتهاون بحقوقنا وحقوق ومصير أطفالنا ، فمن حقنا العيش عيشة فيها الضمان لأبنائنا بعدم التشرد مرة أًخرى وتضمن لهم الإستقرار بحياة كريمة في مسكن على الأقل يليق بحياتهم كبشر ، من حقنا علاج مرضانا لا الكذب عليهم وقتلهم من أجل المادة ، وهذه البلد تفتقر إلى أبسط مقومات ضمان كرامة الفرد وحياته ، فكيف سيكون الحال بالأمور الأكبر من ذلك.

منذ دخولنا لهذه البلد والوضع يزداد سوءً في كل يوم تتدهور الأوضاع أكثر وأكثر ونرى نتيجة ذلك ضحايا من المسنين والمرضى ، واليوم نرى ذلك في الشوارع ضحايا من النساء والأطفال والمسنين والمرضى ، وعليه إنني أَطالب بإسم المعتصمين جميعاً من الحالات الإنسانية والمرضية التي ذكرت السلطة الفلسطينية وجميع الفصائل الوطنية والتحررية والإسلامية ، أُطالب إخوتنا في منظمة التحرير ، الأُخوة في حركة حماس وكل من يحمل إسم ودم فلسطيني ويملك بيده القلم والقرار على العمل لإنقاذ أطفال صغار ونساء ومرضى ومسنين منذ ستة أشهر في شوارع البرازيل عُرضة لكل شيئ في شوارع البرازيل ، عُرضة للموت والضياع..

 

بقلم – عصام عرابي – البرازيل

5/6/2010

 

"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"