واجبنا نحو الاقصى الشيخ : طارق العيسى - حفظه الله

بواسطة قراءة 3254
واجبنا نحو الاقصى    الشيخ : طارق العيسى - حفظه الله
واجبنا نحو الاقصى الشيخ : طارق العيسى - حفظه الله

أيها الأخوة... إن من سنن الله في كونه أن فَضَّلَ بعض الأماكن على بعض وقد فَضَّلَ اللهُ عز وجل المساجدَ على غيرها من بقاع الأرض وأضافها إلى ذاته العلية الشريفة قال تعالى {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر}(التوبة/18)، ومن أفضل هذه المساجد المسجد الحرام ويليه في الفضل المسجد النبوي الشريف ثم المسجد الأقصى.

 

إن بيت المقدس الذي جعله الله ساحة للسجال بيننا وبين اليهود ، ولا يخفى على أحد أن عداء اليهود للإسلام وأهله قديم وقد حذرنا القرآن الكريم من اليهود في قوله تعالى {لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا}(المائدة/82)، وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من نوايا القوم وخبثهم وتآمرهم وقد كانعاقد العزم على إخراجهم من جزيرة العرب، وقال صلى الله عليه وسلم في حديث مسلم «لأخْرِجَنَّ اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماً»(رواه مسلم).

 

اليهود أمة مغضوب عليها إنهم أعداء الأنبياء وأعداء الرسل والمؤمنين والبشر جميعاً، وصل بهم الإجرام إلى حد التطاول على ذات الله عز وجل كما قال تعالى {وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء}(المائدة/64).

 

إخواني: إن المعركة بيننا وبين اليهود دينية عقائدية ولقد قُدِّر لأرض المسجد الأقصى وما حولها أن تكون ميداناً لهذه المعركة، والمسجد الأقصى كما ذكر كان من عهد إبراهيم عليه السلام ثم بناه نبي الله سليمان بناء عظيماً ، قائماً على عقيدة التوحيد والإيمان، للأقصى كذلك منزلة عظيمة في قلوب المسلمين الموحدين فهي الأرض المقدسة وهي الأرض المباركة وقد وردت أحاديث كثيرة تبين منزلة وفضل المسجد الأقصى.

 

منها حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تُشَدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد؛ المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم والمسجد الأقصى» (متفق عليه).

 

وحديث أبي ذر الذي أخرجه البخاري : «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول مسجد وضع في الأرض فقال: المسجد الحرام قلت: ثم أي ؟ قال المسجد الاقصى قلت: كم بينهما ؟ قال: أربعون عاماً ثم الأرض لك مسجد فحيثما أدركتك الصلاة فصل»(متفق عليه).

 

وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله «ثبت للشام وأهلها مناقب وهذه المناقب منها البركة، وفيها المسجد الأقصى وفيها مبعث أنبياء بني إسرائيل، وإليها هجرة إبراهيم، ومسرى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومنها معراجه، وبها ملكه وعمود دينه وكتابه، والطائفة المنصورة من أمته، وإليها المحشر والمعاد كما أن من مكة المبدأ، فمكة أم القرى، والشام إليها يحشر الناس» انتهى كلام ابن تيمية.

 

أيها الأخوة الكرام ...القدس وفلسطين بلاد المسلمين، وليس حقاً لأحد كائناً من كان أن يسلمها للكفار من اليهود أو غيرهم، فهي أقدم مدينة عرفت عقيدة التوحيد بعد مكة شرفها الله كما بينا، ولقد فتحها المسلمون في عهد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث أرسل أبا عبيدة بن الجراح لفتح بيت المقدس وضربوا الحصار حول المدينة في أيام شديدة البرودة حتى استيأس أهل (إيلياء) كما كانت تسمى وطلبوا الصلح على أن يتولى الخليفة عمر بنفسه استلام المدينة ليضمنوا العهد والأمان، وهذا ثقة منهم لهذا الخليفة الراشد، وجاء عمر رضي الله عنه وكان دور الركوب لغلامه فنزل رضي الله عنه وركب الغلام وعمر ممسك بخطام البعير فلما رأوه المحصورون من النصارى أكبروه وبكى بطريرك الروم (صفرونيوس) وقال كلمته المشهورة : «إن دولتكم باقية على الدهر، فدولة الظلم ساعة ودولة العدل إلى قيام الساعة».

 

وقد جسد الإسلام العدالة بالوثيقة العمرية والتي هي بين أيديكم والتي مما جاء فيها أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «أعطى أهل إيلياء أماناً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم ولا يكرهون على دينهم إلى آخره» ... فقد ذكر أشياء عظيمة ستقرؤونها إن شاء الله.

 

أيها الأخوة ... إن تاريخ المسجد الاقصى ليؤكد مدى تواطؤ أعداء الإسلام جميعاً واجتماعهم للقضاء عليه، قال تعالى: {يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون}(الصف/8)، ثم ظلت المدينة المقدسة ومسجدها في صيانة وحفظ حتى وقعت القدس تحت طائلة الحكم العبيدي فيعهد الحاكم الفاطمي المعز، حيث احتل قائده جوهر الصقلي فلسطين في 969 للميلاد فعمل العبيديون على تقريب اليهود والنصارى، واتخذوا منهم المستشارين والأطباء والوزراء مما أدى في نهاية الأمر إلى هدم صرح الأمة الإسلامية فسقطت القدس في أيدي عباد الصليب 492 للهجرة في عهد خلافة المستعلي بالله الخليفة الفاطمي بعد أن مضى عليها خمسة قرون كاملة في ظل حماية الدول الإسلامية، وظل الصليبيون في بيت المقدس يشيعون فيه الإفساد مدة إحدى وتسعين عاماً، ثم ذكر المؤرخون أن الصليبيين يوم دخلوا المسجد قتلوا نحواً من سبعين ألف ، ونهبوا الأمتعة وخربوا أثاث المسجد الأقصى حتى اصطبغت ساحات المسجد بدماء العباد الزهاد والركع السجود، فأين هم من عدالة عمر رضي الله عنه؟!

 

ثم جاءت معركة تحرير القدس التي قادها المجاهد القائد صلاح الدين بعد أن كتب إلى جميع بلاد المسلمين يدعوهم إلى الجهاد ويأمرهم بالتجهيز وإعداد العدة، فزحفت جحافل المجاهدين إلى فلسطين، وقتل في المعركة العقائدية من الطرفين أعداد كبيرة حتى أشرف الصليبيون على الهلاك، فاتفق رأيهم على طلب الأمان وتسليم البيت لصلاح الدين وقال ابن الأثير «وكان يوماً مشهوداً رفعت الأعلام الإسلامية على الأسواق».

 

لا شك أن القائد صلاح الدين هو المثل الأعلى في تاريخ الجهاد الإسلامي وهو قدوة لنا، وسيرته حية في القلوب، وقلوب المسلمين متلهفة لقائد يحمل الراية من جديد، وتوالت الأحداث حتى رسم (هرتزل) اليهودي للمجتمع اليهودي الخطة وحدد لها الهدف لانشاء دولة إسرائيل وبما قام به من اتصالات مكثفة مع الدولة العثمانية والدول الأوروبية من أجل تحقيق المخطط، ونجحت الصهيونية في إقامة الدولة الدينية فوق الأرض المقدسة، وجد السعي منذ الحرب العالمية الأولى حتىالآن، ففي معاهدة الصلح عام ألف وتسعمائة وتسعة عشر ميلادي والتي تضمنت قيام نظام الانتداب على الولايات العثمانية فقد رسمت حدود ما عرف باسم فلسطين ثم تتابعت الأحداث، ومعاهدة (سايكس بيكو) بين فرنسا وبريطانيا، فكانت فلسطين من نصيب بريطانيا ثم وعد (بلفور) بإقامة وطن يهودي في فلسطين، ثم أشرفت بريطانيا على عملية إتمام الطبخة بتسهيل فتح أبواب الهجرة اليهودية إلى فلسطين فوجد أبناء القدس أنفسهم أجانب في مدينتهم يحصلون على إقامة.

 

إن إحتلال اليهود لأراضي المسلمين في فلسطين والقدس ليجسد الإرهاب المنظم بجميع صوره وأشكاله، فسياستهم الإستعمارية قامت على التهجير والاستيطان والتهويد والقتل والتشريد، واليهود عللوا هجرتهم إلى فلسطين أنه حق ديني لاعتبارهم فلسطين أرض الميعاد، وحق تأريخي وهو إحياء مملكة (داوود) والتجمع حول هيكل سليمان المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى، بل هم يعتقدون أنه لن يرجع المهدي الذي هو مسيحهم كما يقولون ويزعمون المهدي المنتظر أو المسيح المنتظر إلا بعد أن تصبح القدس عاصمة لإسرائيل كما أنهم يعتبرون أن هذا حق قانوني أكسبهم إياه وعد بلفور وزير خارجية بريطانيا .

 

إخواني الحضور : لقد سجل التاريخ قضية فلسطين وقد تجمعت فيها الأحقاد وتكالبت عليها قوى الشرق والغرب وقد مكر الغرب في أن جعل قضية فلسطين قضية شعب وسلطة فجعلها تغوص في أوحال الوطنية والقومية والحزبية ونزع منها الروح الإسلامية وربطها بشعارات مستوردة جاهلية ولا شك أن ذلك أدى إلى فصل القضية وبترها عن مصدر قوتها حتى تاهت في دهاليز المفاوضات والحصيلة وعود وعهود.

 

أيها الأخوة الكرام: إن القضية الفلسطينية وتحرير القدس ليست مسألةصعبة ومستعصية ولكن تحتاج إلى الرجوع إلى المنهج الذي رسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحرير القدس من أيدي الصليبيين، إنه منهج سار عليه الصحابة الكرام رضي الله عنهم.

 

فعلى الأمة الإسلامية أن تدرك أن سيطرة اليهود ستظل قائمة حتى نرجع إلى ديننا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم ونلتزم منهج السلف الصالح كشريعة ومنهج حياة، فإذا رجعت الأمة الى رشدها وتمسكت بدينها الحق عاد اليهود بحول الله وقوته إلى ما كانوا عليه وبطل سحرهم وحينها يأتي وعد الله {ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس}(أل عمران/112)، وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «تقاتلون اليهود حتى يختبئ أحدهم وراء الحجر ، فيقول: يا عبد الله هذا يهودي ورائي فاقتله»(متفق عليه)، ولا شك أن هذه من المبشرات.

 

إن خلافة فلسطين وبيت المقدس تحتاج إلى نية إقامة الحق والعدل وتطهيرها من الشرك والفسوق ونشر العقيدة الإسلامية الصحيحة، فأمر التمكين مرتبط بسنن.

 

أما إن كانت الغاية إقامة نوادي القمار، ومحاربة الصحوة الإسلامية والتعاون مع اليهود لمحاربة التطرف كما يزعمون فلن تتحرر فلسطين، إذن لن تتحرر هذه الأراضي المقدسة إلا كما ذكر الله عز وجل بـ (عباداً لنا). فهل حققنا العبودية أيها الأخوة وهل أصبحنا موعودين بتحقيق النصر {إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}(محمد/7)، إن هذه الآية في الحقيقة هي المنهج إن تنصروا دين الله وتقيموه حق القيام ينصركم الله عز وجل ويثبت أقدامكم حتى لا تفروا من المعارك وتثبتوا.فعلى ولاة أمور المسلمين أن يحكمِّوا شريعة الله في جميع شئونهم وأن يوحدوا كلمتهم وأن يتمسكوا بحبل الله جميعاً وأن يتركوا التفرق فإنها والله معركة حياة ومصير يتقرر بها وجود أو عدم، يقول الله عزوجل {كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا ً والله لا يحب المفسدين}(المائدة/64)، وقال عز وجل {وكان حقاً علينا نصر المؤمنين}(الروم/47).

 

نسأل الله عز وجل أن ينصر دينه ويعلى كلمته، وأن يجنب المسلمين جميعاً وفي بلدنا خاصة وبلاد المسلمين عامة شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يقر أعيننا بالصلاة في المسجد الأقصى وهو محرَّر من اليهود الحاقدين أعداء الإسلام والمسلمين وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

المصدر مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية