29/10/2008
الحديث عن توطين اللاجئين الفلسطينيين ليس بالحديث الجديد بل هو الحديث المتواصل منذ أيام النكبة الأولى (قبل ستين عاماً) .. لقد مورست وتمارس ضغوط على الدول العربية من أجل دفعها لتوطين الفلسطينيين الموجودين فيها (الأردن ولبنان وسوريا والعراق): كما تعددت مشاريع التوطين التي طرحت.. فما بين عامي 1953( - )1955 طرح مشروع "جونسون" باعتباره محاولة أمريكية لإيجاد عمل لحوالي 110( آلاف) فلسطيني في أغوار الأردن عبر مشاريع مائية ، بما يؤدي إلى إسكانهم ، وتوطينهم ، وإيجاد مشاريع إنتاجية لهم ، ويلغى وضعهم كفلسطينيين ، ويصبحوا مواطنين في هذه الأماكن. تلاه في الأعوام 1957( - )1958 "مشروع أيزنهاور" الذي جوبه بمقاومة ورفض عنيفين وتسبب في هزات سياسة عنيفة في المنطقة حينذاك،.. تلاه مشروع "كيسنجر" القائل بتوطين الفلسطينيين في لبنان.وفي الثمانينات كانت محاولات توطين اللاجئين الفلسطينيين بدول الخليج والعراق.. ونستذكر في هذا السياق الضغوط الأمريكية التي مورست على العراق (في أعقاب حرب الخليج الثانية وفرض الحصار عليه) لعقد صفقة يقبل العراق بموجبها توطين الفلسطينيين والاعتراف بالكيان الصهيوني مقابل رفع الحصار عنه،، واليوم هناك خطة أمريكية إسرائيلية تطرح بقوة لتوطين وتأهيل ودمج اللاجئين الفلسطينيين في أماكن وجودهم اللاجئين الفلسطينيين،،.منها مشاريع (أمريكية ، إسرائيلية ، فرنسية) لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان مقابل حصول لبنان على مساعدات مالية سخية ، بذريعة أن منطقة الحكم الذاتي لا تستوعب كل فلسطينيي الشتات على أن أخطر المشاريع الراهنة هو السعي لـ"توطين الفلسطينيين في الأردن" في إطار ما يعرف بـ"الخيار الأردني" تارة ، و"الوطن البديل" تارة أخرى.. فخطورتها تأتي من كونها تستهدف "التوطين السياسي" (أي منع فلسطينيي الأردن من حق الحفاظ على هويتهم الوطنية ، وحق التعبير عنها ، وشطب الحقوق السياسية للاجئين ، بما في ذلك شطب العنوان السياسي والقانوني لقضيتهم - المتمثل بالمخيم ، والوكالة ، واللاجئ - بما يلغي حق العودة باعتباره حقا سياسيا وقانونيا بالمقام الأول ، وحق فردي كفلته المواثيق والقرارات العربية والدولية ذات الشأن ، ولا يملك أحد التنازل عنه.
وفي هذا السياق يطرح مشروع "المملكة الأردنية - الفلسطينية الهاشمية" ، (التي ستتكون من شرق الأردن وبقية من جزر معزولة من أراضي الضفة الغربية) لتقوم بتوطين لاجئي الضفة ، ولاجئي لبنان وسوريا. علماً بأن التمهيد لهذا الحل ربما يبدأ بإقامة "دولة فلسطينية مؤقتة" في قسم من الضفة الغربية"بحيث تنضم لاحقاً إلى المملكة الأردنية - الفلسطينية الهاشمية". (على ذمة "القدس العربي" ، في 4 تموز 2008).وما يعزز القول بأن هذا المشروع هو الأخطر على الأردن فيتمثل في أن رئيس السلطة الفلسطينية وآخرين يتصدرون ملفات التفاوض في قضايا الحل النهائي متورطون في مخططات جديدة للتوطين .. ويكفي الإشارة إلى تصريحات رئيس السلطة الفلسطينية التي يقول فيها بأنه "لا يرى مانعاً في أن تمنح الدول العربية الجنسية للاجئين الفلسطينيين.. وقوله بأن "عودة اللاجئين إلى فلسطين المحتلة سنة 1948 تعني "نهاية اسرائيل".. ،، يلاحظ من المشاريع المطروحة وسياقاتها التاريخية والسياسية والاقتصادية تساوقها طردياً مع تفاقم التورط الأمريكي في العالم.. فكلما ازدادت حدة الورطة الأمريكية كلما ارتفعت الحرارة في هذا الملف المعقد .. ونظراً لأن الورطة الأمريكية اليوم هي الأشد على الولايات المتحدة بأبعادها العسكرية (حيث التورط في أوحال العراق وأفغانستان): والسياسية (حيث برزت قوى دولية جديدة تنازع الولايات المتحدة تربعها على إدارة العالم): والأخلاقية حيث تتردى السمعة الأمريكية بالكذب والخداع والتضليل ناهيك عن الوحشية،، وعليه فإن الخطورة في مشاريع التوطين المطروحة اليوم تأخذ بعداً جديداً من خلال الإلحاح الصهيو - أمريكي - غير المسبوق - على شعار "يهودية الدولة" الذي طرح بقوة على العرب في أنابوليس .. وأكده "جورج بوش" في خطابه التوراتي في الكنيست.. فشرعن من خلاله "التهجير" الذي تمارسه الدولة العبرية للتخلص من الشعب الفلسطيني على أرض فلسطين التاريخية بما فيها الضفة الغربية وقطاع غزة : تجاوباً مع أصوات وسيناريوهات أمريكية.. وتجاوباً مع مناداة أحزاب يهودية بـ"ترحيل الفلسطينيين إلى دول الجوار".. كما شرعن الانتهاكات الخطيرة بحق الشعب الفلسطيني التي تمارسه سلطة الاحتلال الصهيوني (من قتل وتجويع وحصار وتدمير وطرد واعتقال - حتى فاقت نسبة أعداد الأسرى لدى هذا الكيان جميع الأرقام العالمية - ومصادرة وقطع الأرزاق وتضييق سبل العيش.. وإلى ما هنالك من ممارسات وحشية لدفع هذا الشعب إلى الهجرة قسراً وطوعاً. (فما جرى ويجري في عكا - وغير عكا - يصب في هذا الاتجاه)،،إن التصعيد في الضغوط والإلحاح على حل مشكلة اللاجئين ولد مخاوف أردنية حقيقية من ترتيبات يجري طبخها في دوائر أمريكية وإسرائيلية.. فالأردن بدأ يخشى الأردن من أن فرض الإدارة المصرية على قطاع غزة ، سيؤدي بالضرورة إلى فرض الإدارة الأردنية على ما يمكن أن يتبقى من الضفة الغربية: بحيث يتولى الأردن دوراً أمنيا وإداريا مباشرا في الضفة الغربية يفضي في نهاية المطاف إلى إلحاق السكان بالأردن ، من دون الأرض. ولعل ما يؤجج المخاوف الأردنية هو أن يفتح "الخيار الأردني" الأبواب الواسعة "للوطن البديل".. أدى بأن يعلن "الملك عبدالله الثاني" رفضه القاطع لهذه الخيارات بالقول إن "الأردن وُجًـد ليبقى.. فالأردن هو الأردن وفلسطين هي فلسطين"،، كذلك فإن الأردن الرسمي بمختلف مستوياته ، والأردن الشعبي على تعدد تياراته يرفض الخيارين.. ويتمسك بحق العودة لجميع الفلسطينيين ، الإشكالية معقدة والأطراف كلها أمام مأزق خطير وجهه الأول أردني ويتجلى فيما يلاحظه الأردنيون من محاولات استقواء على الأردن ، لدرجة أن أحد مستشاري حملة ماكين الانتخابية (روبرت كاغان) تطاول بطرح خيار "الأردن الوطن البديل للفلسطينيين".. إذ يتراءى لهؤلاء أن الأردن هدف سهل.. بالتالي يمكن حل القضية الفلسطينية على حسابه. أما الوجه الثاني للمأزق فهو عربي ويتجلى في تغلب القطرية على القومية.. وتراجع العرب كقوة إقليمية.. وارتهان قرارهم - حتى المصيري - للأجنبي - الدولي منه والإقليمي على حد سواء،، أدى إلى غياب الموقف العربي الاستراتيجي الموحد : المعبر عن إرادة الأمة ومصالحها وثوابتها.. مما يفسر المواقف المتناقضة من مشروعات التوطين والحلول الخطيرة المطروحة للقضية بعامة وقضية اللاجئين بخاصة.. فالعرب ما بين رافض جاد ، ومؤيد صامت ينفذه عملياً وميدانيا.. ورافض متردد ، ومزايد بالرفض في المزاد العلني المفتوح على الحقوق والثوابت.خلاصة الأمر.. أننا أمام أكمات كثيرة تخفي وراءها مصائب كبيرة.. لكن ربما يكون أخطرها ما وراء أكمة السلطة الفلسطينية حيث هناك طبقة سياسية مستفيدة من حلول متوافقة مع الطرف الإسرائيلي ، وتريد حلا بأي ثمن حتى لو تضمن تنازلات كبيرة على حساب الفلسطينيين والعرب وفي مقدمتهم الأردن،، .نحن أمام استخفاف مركب (صهيو أمريكي - عربي - فلسطيني) بالحقوق والثوابت يجعل أوطاننا وشعوبنا وقضايانا في مهب التسويات العاتية،، .