تأخذ قضية اللاجئين الفلسطينيين وحقهم بالعودة إلى أرض
وطنهم التاريخي فلسطين، المساحة الواسعة، لكن المخفية، في الصيغ المُسربة حتى الآن
للمشروع الأميركي المسموم والمعنون بــ”صفقة القرن”. فالمشروع الأميركي يتجاهل
كلياً الإشارة لقضية لاجئي فلسطين، لكنه بالمقابل يسعى لإبطال كل المفاعيل التي
تُبرز تلك القضية باعتبارها جوهر القضية "الوطنية" للشعب العربي
الفلسطيني، وهذا مايُفّسر سعي الإدارة الأميركية لتفكيك وكالة الأونروا، بدءاً
بتجفيف مصادر تمويلها والتحريض عليها.
وكانت أعداد اللاجئين الفلسطينيين سنة 1950تقارب نحو
750 ألف مُسَجّل لدى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، بينما كانت أعدادهم في
الواقع تتجاوز الــ900 ألف لاجئ فلسطيني، حيث لم يتم تسجيل اللاجئين فوق أرضهم
داخل مناطق العام 1948، فضلاً عن خمسة آلاف لاجئ فلسطيني تم ترحيله إلى العراق عام
النكبة، وقد رفض العراق قيام وكالة الأونروا بتسجيلهم، وتقديم المعونات والخدمات
الصحية والتعليمية والإغاثة الاجتماعية لهم، بحجة أنهم ضيوف على الشعب العراقي.
لقد ارتفعت أعداد لاجئي فلسطين في الداخل والشتات،
والمسجلين في سجلات وكالة الأونروا خلال سنوات اللجوء المتتالية، وباتت أعدادهم
الآن تقارب نحو ستة ملايين لاجئ فلسطيني يقيمون في مناطق عمليات الوكالة الخمسة
(سوريا + لبنان + الأردن + الضفة الغربية والقدس الشرقية + قطاع غزة)، بينما ترفض
دولة الاحتلال وحتى إدارة الرئيس دونالد ترامب، احتساب أبناء اللاجئين الفلسطينيين
وذرياتهم في التعداد العام وفق سجلات الوكالة.
كما بلغ التعداد العام للشعب العربي الفلسطيني في
الداخل والشتات، نحو 13 مليوناً ونيف، بنهاية سنة 2018، يقيم نحو 53% منهم على أرض
فلسطين التاريخية، ومن بين المقيمين داخل حدود فلسطين التاريخية، يوجد آلاف
اللاجئين في قطاع غزة والضفة الغربية وضواحي القدس، ونازحون ومُهَجّرُون داخل
الأراضي المحتلة سنة 1948، ومنهم سُكان 531 قرية أزالها الاحتلال وعصاباته المسلحة
(الهاجاناه والبالماخ وغيرهما) عام النكبة من الوجود، بالإضافة إلى أكثر من خمسين
قرية وموقع سكاني موجودة، لكن الاحتلال لا يعترف بوجودها، وتحديداً في منطقة النقب
جنوب فلسطين المحتلة.
وتُشير المعطيات التي وزعها مكتب الإحصاء المركزي
الفلسطيني في رام الله، أن اللاجئين الفلسطينيين يُشكّلون نسبة 42% من عدد سكان
الأرض الفلسطينية المُحْتلّة سنة1967، ويُشكّلون 26,2% من سكان الضفة الغربية (أو
حوالي 17,5% من العدد الإجمالي للاجئين الفلسطينيين) ونحو 65,3% من سكان قطاع
غزة(أو ما يُعادل 24,5% من إجمالي عدد اللاجئين الفلسطينيين)، بينما بلغت نسبة
اللاجئين الفلسطينيين المُسجلين على قيود وكالة الأونروا في الأردن نحو 39,1% من
إجمالي اللاجئين الفلسطينيين، وفي لبنان 8,8%، وفي سوريا 10,6%. موجات النزوح للاجئي فلسطين بدأت من لبنان قبل غيره، وعلى الأخص بعد
العام 1982، بسببٍ من الأوضاع الصعبة التي يرزح اللاجئ الفلسطيني تحت وطأتها، وقد
دلت الأحداث الأخيرة التي وقعت بحق لاجئي فلسطين في لبنان على مانُشير إليه، وخاصة
لجهة منع لاجئي فلسطين في لبنان من العمل بأكثر من 73 مهنة، فضلاً عن الفقدان
الكامل للحقوق المتعلقة بالإقامة المؤقتة والقسرية، ومتاجرة بعض السياسيين
والأحزاب بقضيته في مفارقات عجيبة، حيث يدعي الجميع حرصهم على حق العودة للاجئ
الفلسطيني إلى وطنه فلسطين، وفي المقابل يقومون بسن "التشريعات" التي
تجعل من إقامة اللاجئ الفلسطيني صعبة، وهو مايدفعه للهجرة بعيداً عن أرض وطنه
فلسطين. والمعلومات تُشير بهذا الصدد أن أكثر من 65% من لاجئي فلسطين في لبنان،
باتوا منذ سنوات طويلة في المهاجر البعيدة في كندا وأستراليا والدول الإسكندنافية
.. والحبل على الجرار.
أما بالنسبة للاجئين الفلسطينيين في سوريا، والذين كانت
أعدادهم تقارب الــ 540 ألف لاجئ فلسطيني قبل اندلاع الأزمة السورية بدايات العام
2011، فإن أعدادهم الآن باتت تُقدر بنحو 250 ألف لاجئ فلسطيني فقط، وفق عدة مصادر
موثوقة، فقد غادر البلد نصفهم تقريباً في تغريبة جديدة إلى ديار الله الواسعة، قد
تكون نهائية بعدما دُمرت تجمعاتهم ومخيماتهم، وفقدوا مصادر رزقهم، وخاصة في مخيم
اليرموك الذي كان يضم نصف أعدادهم تقريباً وقد لحق الدمار بمعظم مبانيه ومرافقه،
وبمنشآت وكالة الأونروا البالغ عددها نحو 28 منشآةـ والتي لحق الدمار الكلي
بمعظمها، وخاصة المدارس.
إن مأساة فلسطينيي سوريا، وبالأحرى لاجئي فلسطين في
سوريا، تطفو الآن على السطح، وكل المؤشرات تُشير بأن أوضاعهم تتفاقم كل يوم، ولم
يَعُد بمقدر الكثيرين منهم البقاء تحت رحمة الغلاء، وفقدان الدور والمنازل،
والتراجع العام في خدمات الوكالة على ضوء السعي الأميركي لتجفيف مواردها
وتفكيكها.فوكالة الأونروا مازالت تقوم بدورها تجاه مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في
سوريا، لكن حجم الأعباء الكبيرة الملقاة على عاتقها في ظل الشح العام في مصادر
تمويلها وميزانيتها العامة، يجعل من مهام عملها تصطدم بالواقع الصعب والمرير.
فالرئيس دونالد ترامب أراد أن تصل الوكالة لدرجة الإفلاس فقطع المساعدات الأميركية
السنوية عن الوكالة، وهو القطع الأميركي الأول في تاريخ عمل الوكالة منذ قيامها
بقرارٍ أممي عام 1949.
لقد عاش الفلسطينيون ومازالوا، وخصوصاً منهم اللاجئين
من حاملي ما يُعرف بـ “وثيقة السفر”، في دياسبورا المنافي الشتات، حياة مليئة
بالظُلم المُدقع والإجحاف المُؤلم، كما هو حال فلسطينيي لبنان على سبيل المثال.
وتجرعوا خلالها مرارة مابعدها مرارة، وتمرغوا في وحول أزمات فُرضت عليهم، ومعادلات
تاجرت بهم، وبقضيتهم، وتعطّلت بهم السبل، فَتَعشّقَ الظُلم داخل مكنوناتهم، وجعلهم
يَتضامنون تلقائياً مع من وقع عليه ظُلم الأخرين، ليصبحوا بذلك مقاتلين أشداء من
أجل نُصرة المَظلوم، وحرية الإنسان وكرامته، فبنوا "فلسفة" تقول بضرورة
الحفاظ على الأوطان مهما كلف الثمن.
إن الإحساس بالظُلم والإجحاف أمر مغروس في نفوس لاجئي
الشعب الفلسطيني وحاملي ما يُسمى بالوثيقة، الذين كانوا ومازالوا في أوقات كثيرة
ضحايا الترحيل والنوم في قاعات الشحن والترانزيت في المطارات العربية. لكن هذا
الإحساس لم ولن يتماهى لدرجة بروز روح الانتقام، بل ترافق معه صَبرٌ كبير، وحُلمٍ
عالٍ في سياق العمل من أجل وطنهم فلسطين، والحفاظ على بوصلتهم نحوها مهما تعاظمت
التحديات وتعددت الالتواءات والمصاعب وتعقدت السُبل.
كاتب
فلسطيني
دمشق/اليرموك
المصدر :
جريدة الوطن العمانية
22/11/1440
25/7/2019