بنشوء هذه العلاقة ثلاثية الأبعاد يكتسب النقاش حول
المقاطعة بعدا إضافيا، ففي الشهور القليلة الماضية، تجدد النقاش مع الدعاوى
المتصارعة حول قيام سينما "زاوية" في القاهرة بعرض فيلم "القضية
23"، نظرًا لكون مخرجه، زياد دويري، "مطبعًا" مع "إسرائيل"،
وقبلها ثار جدال آخر مشابه بخصوص نفس الفيلم في لبنان.
المثلث هكذا أصبح مربعا!
واقعة معرض بغداد، تعيد للذاكرة بلا شك واقعة معرض
القاهرة الدولي للكتاب، واقعة وصفها الراحل صلاح عيسى: "في الأسبوع الأخير من
يناير 1981، كنت واحدا من صف طويل ينتمي بعضه لجيلنا، وينتمي آخرون لجيل الآباء
ولجيل الأبناء، وقفوا جميعا أمام الجناح الصهيوني في معرض القاهرة الدولي الثالث
عشر للكتاب، يوزعون بيانا يدعو لمقاطعته"، من بين الصف الطويل أُخذ عيسى وحلمي
شعراوي إلى المعتقل بتهمة فجعتهما مفرداتها "إهانة "إسرائيل""،
وكان تعليق عيسى لاذعا للغاية: "وكأنني أكتب كلمة النهاية لفصل ميلودرامي في
التاريخ العربي. كنت أنا وحلمي شعراوي شاهدي عيان علىّ.. كنا أول مواطنين
عربيين توجه إليهما في بلدهما تهمة إهانة "إسرائيل"".
الآن فلنحصر البحث في رواية "الصور على
الحائط"، الرواية غير متاحة أمامنا، ما لدينا مجرد تعليقات عليها، عرض ونقد
لها، لكن الأبرز هو التعريف بالمؤلفة، وربما بالمترجم.
أما المؤلفة فقد بدأت عملها الأدبي والأكاديمي عقب
انتهاء خدمتها في الجيش "الإسرائيلي"، بعد وصولها لرتبة مقدم في
الاستخبارات العسكرية، وهي متزوجة من عميد ما زال في الخدمة، والرواية باكورة
مؤلفاتها، والدعاية للرواية تبرز أنها "ابنة مهاجرين عراقيين كتبت رواية عن
حياة أجدادها سرعان ما ترجمت للعربية وأضحت تباع في بغداد، وتلقى رواجا"،
وتشرح المؤلفة في دعايتها للرواية: "بعد إنهاء خدمتي العسكرية في الجيش، عملت
على إعداد رسالة الدكتوراه في موضوع الفلسطينيين، وأثناء تعمّقي اشتدت أشواقي
لولديَّ اللذين توفيا بالخمسينيات، فتوجهت للأرشيف وقابلت مسنين وجمعت شهاداتهم،
سألتهم عن طبيعة حياتهم وعلاقتهم مع المسلمين في العراق".
المثير في الترويج الدعائي "الإسرائيلي"؛
خاصة من جانب المؤلفة، للترجمة ولوجود الرواية في معرض بغداد أن هناك تركيزا على
أن الرواية "ترجمها المصري عمرو زكريا، المعروف بعلاقته الطيبة مع "الإسرائيليين"
.. وبعكس مصر، فإن روايتي لاقت ترحيبا شديدا لدى العراقيين، الذين عاملوني
كأميرة".
الترويج يركز على أن الرواية التي صدرت باللغة العبرية
قبل عامين، "تصف حياة يهود بغداد في النصف الأول من القرن العشرين (سنوات
الثلاثينيات والأربعينيات)، وهي عصارة ثلاث سنوات من البحث في ذكريات المسنين
والمهجّرين العراقيين الذين يعيشون في "إسرائيل"، وهي بمثابة سيرة ذاتية
للطائفة اليهودية التي لم تعد موجودة في بغداد، مع تسليط الضوء على قصة حقيقية
تراجيدية لـ"نورية"، وهي امرأة "ريادية" أرادت إسماع صوتها
داخل المجتمع المحافظ آنذاك، ونتيجة لذلك اضطرت للتعامل مع تحديات غير بسيطة..
ومُنحت المؤلفة البالغة من العمر (53 عاما)، جائزة "أحي" "الإسرائيلية"،
من اتحاد تشجيع البحث، الأدب والفنون، لعام 2017، تقديرا على جهدها في تأليف هذه
الرواية، حيث أقيم احتفال تكريمها في مركز التراث ليهود بابل، الذي يقع قرب تل
أبيب وسط "إسرائيل"".
هناك عروض نقدية للرواية ولقاءات صحفية مع
المؤلفة نشرها "عراقيون"؛ قليلة لكنها لافتة، في أحد هذه الحوارات
تقول المؤلفة: "العراق كان بالنسبة لأهلي؛ وأيضا بالنسبة لأجيال كثيرة من
أفراد عائلتي، وطنا حبييا، وبعد الفراق منه بقي في قلوبهم شعور بالحزن والألم من
حيث إنهم تعرضوا للاضطهاد وعوملوا كغرباء، عبارة "لا يسمح له بالعودة"-
يعني "روحة بلا رجعة"- المطبوعة في وثائق سفرهم (لدى مغادرتهم العراق)
حرقت قلب والدي طيلة سنوات، لأنها كانت تعني أنه لن يتمكن أبداً من العودة إلى
بغداد لزيارة المكان الذي ولد ونشأ فيه، ولن يتمكن أبدا من زيارة قبور أفراد
الأسرة (المدفونين في العراق)، بعد سقوط نظام صدام حسين كان لأبي بصيص من الأمل
بأنه سوف يتمكن ويعود لزيارة بغداد، لكنه للأسف الشديد توفي بعد بضعة أشهر، أنا
آمل أن يأتي اليوم الذي أستطيع أن أزور بغداد وليس بشكل افتراضي فقط كما ورد في
روايتي".
ها هي الضابط السابق في استخبارات الجيش "الإسرائيلي"
تروج من جديد لصورة اليهودي المضطهد، أبوها "المسكين" لم يكن بإمكانه
زيارة قبور أجداده، حقا ياللقسوة! بصيص الأمل ذاك الذي راود أبوها طرد عشرات
الآلاف من الفلسطينيين من العراق، فلسطينيون مهجرون، فلسطينيو 1948، طردوا من
العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، ظلوا على الحدود السورية والأردنية في الصحراء
مشردين في الخيام من جديد، ربما عندما شاهد "الوالد" صورهم أشرق الأمل في
عينيه.
المصدر : التحرير الإخباري
28/7/1439
13/4/2018