عرفناها عن كثب في الثمانينات ,حيث كانت قبرص واحدة من الدول القلائل التي تستقبل الفلسطيني .. حامل وثيقة السفر من العراق .. كسائح .لم يكن الامر يأخذ منك اكثر من ساعة ونصف لتصل مطار لارنكا ..طبعا من مطار بغداد ..ثم عشر دقائق في المطار هي فترة ختم وثيقة سفرك باذن الدخول ...كان البعض منا يصطاف فيها اسبوعين او اكثر ... او اقل من ذلك بكثير ,حتى ان البعض كان يعود لبغداد ثاني يوم الوصول للارنكا او نفس اليوم!! ليستفيد من مبلغ التحويل بالعملة الصعبة .... كان القبارصة يرحبون بنا ويوزعون ابتساماتهم علينا بلا سبب .. كنا نلفت الانظار .
فقط لسبب واحد : الملابس التي ترتديها نساءنا .. الحجاب الكامل طبعا في شوارع وشواطئ
لارنكا ,مقابل العري شبه الكامل للسواح الاوربيين واهالي لارنكا ذاتها ...طبعا كنا ضيوفا
نصطاف في مدنهم ونتسوق من محلاتهم وننام في فنادقهم ونأكل من مطاعمهم اياما معدودة ...ثم نعود من حيث اتينا . ولارنكا هي واحدة من المناطق الست التي يشملها التقسيم الاداري
لقبرص اليونانية .
-عدد سكان لارنكا لايتجاوز رقم 66 ألف نسمة من بين حوالي 800 ألف نسمة هم العدد الكلي
للقبارصة اليونانيين . اكثر من 75% من سكان لارنكا يعملون في مجال الخدمات ...
-سأطرق موضوع التواجد الفلسطيني في قبرص من جوانب متعددة ... لنضع العاطفة والعواطف جانبا ونبحث الامور بعقلانية وترو وهدؤ كي نصل الى وضع الحلول المنطقية :
-عندما تبث وسائل الاعلام القبرصية ولمدة تتجاوز الاسبوع وبشكل مكثف ويومي ..نبأ
وصول عائلة من فلسطينيي العراق عدد افرادها سبعة ... ثم تنجب الام الحامل طفلا
في نفس يوم الوصول الى لارنكا .. ليصبح عدد افراد العائلة ثمانية .. فأن الخبر هذا
سينزل كالصاعقة في قلوب القبارصة ...خاصة عندما تركز وسائل الاعلام على ان عمر اب هذه العائلة لايتجاوز 28 عاما !!! عندها سيفكر القبارصة بعدد افراد هذه العائلة وامثالها
بعد عشرين عاما مثلا .... سيما نحن نعلم ان اكبر عائلة في قبرص لا تزيد عن اربعة
افراد هم الاب والام وطفلان .
-يعيش في لارنكا حوالي 66 ألفا من القبارصة اليونان ودخلها وسكن فيها الاف المهاجرين
غير الشرعيين .. بما فيهم ثلاثة الاف من احبتنا فلسطينيي العراق .. اي بنسبة 5%
فأذا عرف القبارصة ان لدى الشعب الفلسطيني اغزر واكبر نسبة تناسل في العالم تزيد عن
3.5% سنويا فبعملية حسابية بسيطة سيكتشف القبارصة ان لارنكا قد تتحول الى مدينة ذات عدد كبير جدا من المسلمين من اصل فلسطيني بعد عشرين او خمس وعشرين سنة .
-قبرص اصبحت دولة كاملة العضوية في الاتحاد الاوربي عام 2004 لذلك هي تمنح الحماية
او اللجوء لكل من يطلب ذلك وان دخلها بصورة غير شرعية .. وذلك وفقا للنظام الاوربي , لذلك هي معنية ايضا بتوفير ظروف انسانية ومعيشية جيدة لكل هؤلاء... وهذا يعني صرف الاف الدولارات او ما يعادلها شهريا ... وخاصة للعوائل الكبيرة ...بينما يبلغ معدل الدخل السنوي للمواطن القبرصي اليوناني 12500 دولار اي حوالي 1000 دولار شهريا فقط... طبعا وسائل الاعلام المغرضة ستأجج الشارع على المهاجرين عندما تبالغ وتبرز تأثير هذا الجانب على الاقتصاد القبرصي.
-ان اكثر من ثلاثة ارباع القبارصة يعملون في الجانب الخدمي المدني .. وهذا يعني ان هذه
النسبة من المجتمع عليها ان تقدم الخدمات الى الساكنين فيها من المهاجرين ايضا.. ومن ضمنهم الفلسطينيين طبعا ... لكن ان يقدم القبرصي خدماته لمهاجر اوكراني او روسي مثلا شئ وان يقدم نفس الخدمات لمواطن فلسطيني ... شئ آخر والسبب معروف!!
-الاتحاد الاوربي اعتبر قبرص الحلقة الاضعف في التحصينات الاوربية ضد الهجرة غير الشرعية اليها ... ولكي تثبت العكس , على قبرص ان تبحث عن اضعف كبش فداء في حلقة المهاجرين اليها , في محاولة لايقاف سيل الهجرة اليها اولا .. وترهيب الواصلين في محاولة لاخراجهم طوعا عن الجزيرة .... وثني اخرين عن التفكير في القدوم غير الشرعي اليها ...طبعا اضعف ضحية هنا هو المهاجر الفلسطيني ... فكان لهم ما كان !!!
-ان عدد اللاجئين في العالم اكثر من 16 مليون لاجئ منهم فقط 3 ألاف في قبرص معظمهم من العراقيين وفلسطينيي الداخل .. منحتهم قبرص اللجؤ من بين اكثر من 15 ألف طلب خلال السنوات السبع الماضية .. اي انها رفضت اكثر من 80% من طالبي اللجوء... كما ان الحكومة القبرصية قامت بترحيل مئات الاكراد السوريين الى سوريا بعد حبسهم وهم من طالبي اللجؤ اليها وعلى شكل دفعات منذ حزيران 2010 حتى نيسان 2011.!!!!
لارنكا ... كميناء وشاطئ ومدينة .. هي صغيرة ويصلها سواح اكثر من عدد سكانها
تجمع فيها اكثر من ثلاثة الاف من فلسطينيي العراق في مكان صغير واحد تقريبا
هي منطقة( مكانزي )حتى اطلقوا عليها اسم البلديات ... وهذا طبعا يثير حفيظة القبارصة وغيرهم .. كما ان نشاطهم الاجتماعي والديني كان لافتا اضافة الى بعض النشاطات السياسية كالوقفة الاحتجاجية امام سفارة او قنصلية ( اسرائيل )وغيرها مع وجود دفع اعلامي مغرض وكاره لهذا التجمع ...؟
-مجتمعنا ليس ملائكيا .. فهو ككل مجتمعات العالم فيه الايجابيات وفيه السلبيات ولكن لأنه يتجمع في محيط غريب وفي منطقة صغيرة فأن الاخطاء والسلبيات والعثرات التي يحدثها البعض عن جهل بالقوانين مثلا او عن سؤ فهم او التسرع او التصرف الفرديالغير محسوب واللامسؤول , سيبرز ويكبر ويوضع تحت المجهر وسيؤثر على الاخرين ... ثم سيستغل من قبل الاعلام المسيس والاقلام المشتراة هناك وبالتالي تعريض صورة الفلسطيني الى التشويه والانتقاص من شخصية وسلوك وثقافة واخلاق المجتمع الفلسطيني المهاجر !!
الان لنبحث عن الحل!!
حسب تصريحات وزير الداخلية القبرصي ... فأن قبرص اليونانية كدولة لن تمنح اللجوء
لفلسطينيي العراق ... واقصى ما يمكن ان تفعله هو : منح الفلسطينيين حق الحماية !!
كما ان قبرص لو منحت اللجوء فلن تمنحه لعدد كبير من المهاجرين الفلسطينيين لاسباب باتت
معروفة !!!
حسب نظام الاتحاد الاوربي بخصوص قوانين اللجوء فأن، على قبرص كبلد مضيف ان تستقبل اي شخص يلجأ اليها حتى ان دخلها بصورة غير قانونية ..واعطاءه حق اللجؤ او الحماية والبقاء القانوني في قبرص حتى صدور قرار نهائي بحقه من السلطات المختصة .!!
لذلك انا شخصيا ارى ان لا حل الا باللجوء الى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الامم المتحدة UNHCR واعتبار قبرص محطة ترانزيت قانونية مؤقتة للوصول منها الى دول اعادة التوطين ... كما حصل مع عدد من اهلنا الذين سافروا الى الهند او ماليزيا او تايلند.
طبعا هذا الموقف يتطلب جهدا قويا وموحدا كما ان الوقت عامل مهم جدا ويتطلب الموضوع
وقفة واحدة باعتبار ان الجميع يخضع لنفس المصير .
سيقول البعض ان الذي يده بالنار ليس كالذي يده بالماء !!! فأقول جميعا كنا في النار يدنا وقلوبنا وعقولنا ... لكن بقدرة الله وبصبرنا وبثباتنا خرجنا من المحنة والحمد لله .
اللجوء الى المنظمات الدولية والمنظمات الانسانية ذات العلاقة وايصال اشكال المعاناة وابعادها بشكل تفصيلي وابراز ذلك في وسائل الاعلام المختلفة وشبكة الانترنيت.
اذا كان البعض يخشى ان يكون مصيره كمصير اللاجئين الاكراد فليدعو الله ليل نهار ان يعيش نفس المصير لانهم عادوا الى بلدهم , سوريا , بالاتفاق مع الحكومة السورية !!! فأين نحن من حكومة تتفق مع القبارصة لارجاع فلسطينيي قبرص الى فلسطين !!!؟؟
على الجميع بذل الجهد من اجل الجميع ... توحيد الرؤى والكلمة والتطلع الى مستقبل الجيل القادم من الاطفال قبل فوات الاوان .. فهم الامانة الكبرى في الاعناق !!!
اخيرا .. هي شاطئ ساحر ومدينة ساحلية جميلة .. كانت جزءا من احلام الشباب فتحولت اليوم الى مدينة رماد .. لارنكا اليوم اشبه بكابوس متواصل لكثير من ابناء فلسطين الذين وصلوها هاربين من جحيم ... فوجودا جحيما اخر بانتظارهم ... لكن ان شاء الله سيخرجون منه سالمين غانمين بالصبر والثبات والايمان وجمع الصف والكلمة وتوحيد الموقف ..
أحمد أبو الهيجاء
2/6/2011
المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"