شهر ايلول من العام الماضي وصلت الدفعة الاولى من اللاجئين الفلسطينين قادمين من مخيم الرويشيد بالاراضي الاردنية على الحدود العراقية، كانوا يحملون معهم معاناة انتمائهم الوطني وحبهم لارضهم ووطنهم وشعبهم، انتقلوا الى مجتمعات غربية غريبة بعاداتها وتقاليدها، مجتمع ربما لم يفكروا اطلاقا بالانتقال اليه والعيش به، ولكن الظروف التي اجبرتهم للانتقال الى هذا المجتمع، ويقطعوا تلك المسافات الطويلة هي السبب الرئيسي الداعي للوقوف امامه من خلال مقالنا هذا، فقضية اللاجئيين هي صلب القضية الفلسطينية وعمادها الاساسي، وان حل الصراع بمنطقة الشرق الاوسط يعتمد على عودة اللاجئين الفلسطينين الى ارضهم ووطنهم وديارهم التي شردوا منها الى اربعة ارجاء الكرة الارضية.
عدة مئات بل الاف من اللاجئين الفلسطينين الذين يقطنون العراق او ولدوا بها، دون هوية او وثيقة سفر، راوا بلجوئهم الى الاراضي الاردنية والسورية مأمن لهم من الملاحقة والمطاردة والموت، من مليشيات مدعومة من قوات الاحتلال الامريكية للاراضي العراقية التي تسمح وسمحت لارتكاب جرائم حرب ضد الانسانية والشعبين الفلسطيني والعراقي، فالجرائم التي تم ارتكابها بالعراق لم تكن فقط ضد الفلسطينين وانما ايضا ضد العراقيين، وكم هي قوات الاحتلال الامريكي سعيدة بهذه الجرائم وبالتاكيد هي التي تمولها وتوفر لها الارضية المناسبة لارتكاب المزيد منها، فالفلسطيني بالعراق هو نقطة من برنامج الاحتلال الامريكي الذي يستهدف كل المنطقة العربية، لتمرير المشروع الامريكي الذي يضمن به هيمنة مطلقة على كافة المنطقة العربية والشرق الاوسط بعد ترتيب المنطقة حسب المفهوم الامريكي ومصالحها .
اللجوء الفلسطيني الى القارة، والذي جاء نتيجة وساطة لعناصر فلسطينية من خلال لقاءات مباشرة مع الحكومتين البرازيلية والتشيلية، والتي جاءت بعد زيارات لمخيمات المعاناة والبؤس والشقاء على الحدود الاردنية والسورية – العراقية، والاطلاع على الاوضاع المأساوية لهم، بغض النظر عن النوايا والاسباب التي ادت لنقل هذه العينة الى هذا الجزء من العالم، فان الواجب يتطلب من كافة القوى الفلسطينية بشكل عام والمؤسسات الفلسطينية والقوى السياسية الفلسطينية بالقارة الى الوقوف بكل جدية ومسؤولية امام هذه الحالة، الانتقال من التعامل مع هذه الوضع كحالة انسانية وشفقة ورحمة الى قضية نضالية والاستفادة منها من اجل توسيع قاعدة التضامن مع نضال الشعب الفلسطيني من اجل احقاق حقوقه وعلى راسها حق العودة الى دياره التي شرد منها.
ما يقلق اللاجئين الفلسطينين المقيمين بالبرازيل هو وضعهم بعد اكمال العام الثاني على وصولهم، فهم لا يجدون اجوبة على العديد من الاسئلة والاستفسارات التي تدور بمخيلتهم لا من المفوضية ولا من اي طرف فلسطيني، فاي مصير ينتظرهم وكيف سيكون حالهم ووضعهم خلال شهر ايلول من العام القادم؟ فالعديد منهم بدء بالعد العكسي والبحث عن اي وسيلة عمل مهما كانت مقابل اجر متدني لا يتجاوز الثلاثمائة دولار، فكيف سيكون وضعهم بعد ان توقف المفوضية المساعدات المالية وتتوقف عن دفع اجرة البيت؟ اطفال بسن الدراسة لا مكان لهم الا المدارس فهم غير منتجين، واخرون وصلوا الى سن الشيخوخة ويعانون من امراض غير قادرين على ممارسة العمل الشاق... وغيرها من الصعوبات التي تواجههم.
هل يحق للمفوضية ان تتخلى عن اللاجيء الفلسطيني بعد ان يكمل عامه الثاني بالبرازيل؟ لو افترضنا جدلا ان المفوضية ستتخلى عن مسؤوليتها عن اللاجئين الفلسطينين، من سيكون المسؤول عنهم بعد ذلك؟ واين ستكون حقوقهم كبشر والتي يضمنها القانون العالمي لحقوق الانسان وحقهم كفلسطينين وانتمائهم الوطني وحقهم بالعودة؟ ايحق لهم التنقل والسفر الى دول اخرى بحثا عن لقمة العيش كسائر الشعوب؟ لماذا سيكونوا لفترة من الزمن - وربنا اعلم الى متى - دون ان يتمتعوا بحقوق يتمتع بها اخوة لهم فلسطينين يعيشون ايضا بنفس البلد والمدينة بالبرازيل؟ من سيتحمل مسؤولية الدفاع عنهم والمطالبة بحقوقهم؟ .
كان من المفترض وصول اللاجيء الفلسطيني الى البرازيل بهذه الطريقة، ان تشكل نهضة وطنية ونضالية لكافة القوى الفلسطينية والمتواجدة في البرازيل، فلا اليسار استفاد من هذا التواجد ولا اليمين، حتى السفارة الفلسطينية لم تحاول النهوض بالوضع العام الفلسطيني بهذا الاتجاه، فالكل يغني على مواله، فهناك من يغني على ظريف الطول واخر جفرا ويهالربع واخر يغني على دلعونة، فيبحث اللاجيء عن مرجعية له فلم يجدها، يبحث عن كافة حقوقه فلا يجد الا حقه بالعيش من خلال المساعده الانسانية، استلم راتبك واسكت، ولكن ماذا بعد الراتب، ربك اعلم .
قيادة الفيدرالية الفلسطينية باجتماعها مع المؤسسات الفلسطينية بمنطقة الجنوب البرازيلي من خلال بيان وزعته، تعهدت بعمل دراسة لفتح مشاريع منتجة للاجئين تعود بريع لهم يساعدهم للتاقلم والتاهيل وايجاد فرص عمل لهم، كذلك اتخذت قرارا وهو الاكثر اهمية والداعي الى تشكيل مؤسسة "سنعود لحق العودة" حيث طالب البيان الختامي كافة القوى والشخصيات الفلسطينية والعربية والبرازيلية للانضمام الى هذه المؤسسة، ورغم مرور تقريبا الخمسة اشهر، ما زالت هذه القرارات حبرا على ورق ولم ترى النور حتى الان.
حال اللاجئين بالبرازيل تأثر بشكل عام بحال الجالية الفلسطينية والمؤسسات الفلسطينية، فوضع الجالية المشتت والمؤسسات المهترئة والمهمشه، وغياب العمل المنظم ترك انعكاسات سلبية على كل العمل الجماهيري والنضالي، والاستمرار بهذا الوضع ستكون عواقبه اكثر سلبية على مجمل القضية الفلسطينية على مستوى الدولة، وهنا يقع على عاتق المسؤولين تقييم المرحلة السابقة بكل ايجابياتها وسلبياتها، واستخلاص الدروس والعبر، لمنع اي تطورات واحداث قد تترك سلبيات على مجمل القضية، والتاكيد على التماسك الفلسطيني، والوطنية الفلسطينية والاداء الايجابي للانسان الفلسطيني المقيم بهذا البلد، وحتى تتمكن الجالية والمؤسسات الفلسطينية وكافة القوى من التخلص من سلبيات الماضي بالتعاطي مع موضوعة اللاجئين والاستفادة منها سياسيا ونضاليا بما يخدم القضية الفلسطينية، يجب التخلص من الانانية والانتهازية والفردية والتعالي، والتاكيد على الحوار والعمل الجماعي، بما يضمن تفعيل المؤسسات، وتشكيل لجان حق العودة التي تكون قادرة على الدفاع عن الحق الفلسطيني بالعودة الى وطنه وطرح موضوعة اللاجئين الفلسطينين وبقوة، وتعزيز العلاقات مع كافة القوى البرازيلية التي تؤكد بكل لحظة ومناسبة وقوفها الى جانب الحقوق الفلسطينية وبمقدمتها حق العودة، فاذا لم تكون الخطوات المستقبلية ايجابية بالتاكيد ستكون كارثية.
جادالله صفا
البرازيل
01/11/2008