كان للإسلام فضل على جميع الدول العربية والإسلامية التي اعتنقت الإسلام بعد الفتح الإسلامي لها إلا أن الصومال كان لها فضل على الإسلام والمسلمين مرتين كيف ولماذا ؟
كان اسم الحبشة يشمل الصومال وإثيوبيا واريتريا وكانت الصومال هي القلب النابض للحبشة لموقعها الجغرافي على المحيط الهندي وخليج عدن .
بدأت العلاقة بين الصومال والإسلام منذ اللحظات الأولى لظهور الدين الإسلامي في زمن رسولنا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) عندما هاجر عدد من الصحابة إلى الحبشة ( الصومال ) فراراً من بطش قريش وحطوا رحالهم في ميناء ( زبلع ) الموجود في شمال الصومال الآن والذي كان تابعاً لمملكة ( أكسوم ) الحبشية في ذلك الوقت.
طلب المهاجرين المسلمين الأوائل الحماية من نجاشي الحبشة ( أصحمة بن أبحر ) الذي رحب بهم وأعطاهم الأمان على أرواحهم وأعطاهم حرية البقاء والتنقل في بلاده فبقي منهم عدد لا باس به في شتى إنحاء القرن الإفريقي وكان لوجودهم وانتشارهم عاملاً مهماً في نشر الدين الإسلامي.
وكان انتصار المسلمين على قريش وفتحهم لمكة الأثر الكبير على التجار والبحارة الصوماليين حيث اعتنق كثير منهم الإسلام وبدأ ينتشر الإسلام بين الصوماليين عن طريق التجارة وزاد من انتشاره بشكل كبير بعد نزوح إعداد كبيرة من مسلمي الجزيرة إلى المدن الساحلية الصومالية بسبب الاضطرابات والفتن التي حصلت في الجزيرة العربية نهاية خلافة عثمان رضي الله عنه
الفضل الأول للصومال كان في استقبال العرب والمسلمين منذ بداية الدعوة .
الفضل الثاني للصومال في أنها اعتنقت الإسلام وتم فتحها بالإرشاد والموعظة الحسنة دون إن تكلف المسلمين حتى ولو جندي واحد على عكس دول مثل العراق والشام كلفت المسلمين ألاف الشهداء كي يتم تحريرهما من براثن الفرس والروم.
ولكي أضع القاري الكريم بالصورة إليكم نبذة مختصرة عن الصومال:
الصومال : دولة عربية مسلمة عضو في الجامعة العربية وعضو في مجلس التعاون الإسلامي وعضو مؤسس في الاتحاد الإفريقي وعضو في الأمم المتحدة والدول التي استعمرت الصومال هي إثيوبيا ايطاليا وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية استعمرتها بريطانيا.
مساحة الصومال : 673 إلف كم مربع أي ما يعادل مساحة سوريا والعراق معاً
عدد السكان : يبلغ عشرة ملايين نسمة هم خليط من القبائل العربية والإفريقية ويدين أكثر من 90% من سكان الصومال بالدين الإسلامي والإسلام هو المصدر الوحيد للتشريع في بعض دويلات الصومال التي نشأت حديثاً بعد الحرب الأهلية .
الموقع الجغرافي : يحد الصومال من الشمال جيبوتي وكينيا ومن الجنوب خليج عدن واليمن ومن الشرق المحيط الهندي ومن الغرب إثيوبيا.
المناخ : جاف رطب والأراضي الصالحة للزراعة لا تتجاوز 2% من مجموع مساحة البلاد وذلك بسبب شح الأمطار.
مما تقدم نلاحظ أولاً : أهمية موقع الصومال الجغرافي حيث كانت احد أهم مراكز التجارة العالمية بين دول العالم القديم .
ثانياً : أهمية الصلة الجغرافية والتاريخية التي تربط الصومال بالعرب وبالمسلمين بل الصومال هي بوابة دخول الإسلام إلى وسط القارة الأفريقية.
يمتاز الشعب الصومالي بالبساطة والطيبة وبشدة تمسكه بالدين الإسلامي إضافة لكل هذا هو الشعب الوحيد الذي ناصر واحتضن الإسلام والمسلمين في بداية الدعوة وهو الشعب الوحيد الذي هزم أمريكا عام 1994 عندما كانت أمريكا في أوج عضمتها وهيمنتها على العالم وأصبحت هي القطب الوحيد المسيطر على العالم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي .
أجبر الشعب الصومالي المسلم الأبي أمريكا على سحب قواتها مدحورة من مقديشو .
هل يعاقب هذا الشعب البطل بالموت جوعاً بعد أن فشلت كل محاولات تركيعه ؟!
يتعرض الشعب الصومالي إلى مجاعة غير مسبوقة تفوق الوصف ويندي لها الجبين أن ما نراه على شاشات التلفزة من مناظر مؤلمة تقشعر لها الأبدان وصمة عار فوق جبين كل عربي ومسلم لا يبادر في إنقاذ هذا الشعب الطيب.
ولماذا لم يبادر المجتمع الدولي الذي يدعي الإنسانية بإغاثة الصوماليين قبل تفاقم أزمة الجوع
الشعب الصومالي يستصرخ ضمير العالم من اجل إنقاذه من الهلاك جوعاً ؟
أليس الصومال بلد عربي ومسلم لم نسمع ان الجامعة العربية عقدت حتى ولو اجتماع واحد من اجل الصومال ولو من باب ذر الرماد في العيون؟
وسمعنا أخيرا إن مجلس التعاون الإسلامي سيعقد اجتماع في اسطنبول ولكن بعد فوات الأوان وبعد هلاك عشرات الآلاف من الصوماليين أغلبهم من الأطفال.
نحن المسلمين في العشر الأواخر من رمضان وهناك إخوان لنا يتضورون جوعاً في الصومال
أناشد كل عربي و مسلم وكل إنسان على وجه الأرض بالتبرع بأي شيء للصومال
قال رسولنا الأعظم ( تصدقوا ولو بشق تمرة ) وانتم تعلمون إن الصدقة في رمضان يزيد ثوابها سبعين ضعفاً عن الصدقة في غير رمضان.
وقال الرسول أيضاً ( من بات ليلته وجاره جائع برئت منه ذمة الله ) واعتقد إن الرسول لم بقصد الجار الذي يسكن بالجوار منا فقط بل كان معنى الحديث عميق وبعيد ألمدي يشمل أيضا جيراننا من الدول ( بمعنى أن الصومال بلد جائع وهو جار لعدة دول عربية لهذا لا يجوز لهذه الدول إن تنام وجيرانهم جائعين وهذا اعتقاد من عندي في تفسير الحديث والله أعلم
الأسباب التي أدت إلى المجاعة في الصومال :
1-الجفاف:
وهذا ناتج بسبب التغييرات المناخية وظاهرة الاحتباس الحراري التي أدت إلي انحباس الأمطار عن جزء من الكرة الأرضية كما حاصل الآن في القرن الأفريقي وهطولها بغزارة على جزء أخر كما حصل في باكستان العام الماضي .
وهنا تتحمل الصين والهند المجاورة لباكستان والتي يفصلها المحيط الهندي عن الصومال المسؤولية الأولى لأن هاتين الدولتين تنتهك حقوق البيئة ولا يوجد عندها فوانيين صارمة في المحافظة على البيئة .
وجميع الدول الصناعية ألكبري في أوروبا وأمريكا إضافة للصين والهند تتحمل ما يجري اليوم في دول القرن الإفريقي وحسب قرارات قمة المناخ في كوبناهكن التي عقدت العام الماضي تتحمل هذه الدول تعويض الدول الفقيرة التي تتأثر بظاهرة الاحتباس الحراري الناتج عن انبعاث الغازات من مصانع الدول الكبرى.
ولمزيد من المعلومات أرجو من القارى إن يقرأ مقال لي منشور ( بالكوكل ) بتاريخ 13/1/2010 بعنوان ( التغييرات المناخية وظاهرة الاحتباس الحراري تأثيرها على الوطن العربي وكيفية معالجتها / كمال نصار )
2-الحرب الأهلية والاقتتال الداخلي :
منذ الإطاحة بالرئيس الصومالي محمد سياد بري عام 1990 عمت الصومال الفوضى وحالة عدم الاستقرار بسبب التدخلات الأجنبية في دعم هذا الطرف ضد ذاك الطرف من أطراف الصراع مما أدى إلى انقسام الصومال إلى عدة دويلات.
ونتيجة لذلك ترك اغلب الشباب الصومالي حقولهم ومزارعهم ومواشيهم وحملوا السلاح لقتال بعضهم البعض فنتج عن ذلك نقص في المحاصيل الزراعية ونقص في الثروة الحيوانية ولجأت بعض العصابات الصومالية للقرصنة بدلاً من صيد الأسماك وهذه العوامل أدت إلى تفاقم أزمة الجوع إضافة لما تحدثه الحروب من قتل للبشر وتدمير للحقول والممتلكات.
3- عدم وجود استثمار:
عدم وجود استثمارات مستدامة من الدول العربية والإسلامية ولا حتى من الدول الكبرى بحجة عدم الأمان والاستقرار ونتيجة لهذا تفاقمت أزمة الجوع.
4-الدور السلبي لوسائل الأعلام:
عدم قيام وسائل الإعلام بالتركيز على الأزمة الصومالية من البداية بل هناك تقصير واضح من الكتاب والمثقفين العرب تجاه أشقائهم الصوماليين وذلك لعزوفهم عن الكتابة عن مشاكل الصومال المتعددة .
لو ركزت وسائل الإعلام العربية على الأزمة الصومالية وضرورة حلها كان أصبح هناك اهتمام عربي وإسلامي شعبي بالمشكلة الصومالية وهذه المعرفة ستؤدي للضغط على الحكومات العربية والإسلامية كي تعمل على إنهاء ملف الاقتتال بين الأخوة الصوماليين
ولكن مع الأسف الإعلام العربي تابع ذليل للإعلام العالمي المسيطر عليه صهيونياً
فعندما ترك الإعلام العالمي قضية الصومال بعد هزيمة أمريكا في مقاديشو وفشل كل التدخلات الأجنبية وأخرها التدخل العسكري الإثيوبي قبل سنتين.
حذت وسائل الإعلام العربية حذو وسائل الإعلام العالمية وأصبحت القضية الصومالية مهملة ومنسية حالها حال القضية الفلسطينية.
وعلى سبيل المثال لا الحصر عندما بدأت وسائل الإعلام الأمريكية والغربية تركز على قضية انفصال جنوب السودان حذت وسائل الإعلام العربية حذوها أيضا
كيفية معالجة الأزمة الصومالية :
1-تقديم المساعدات الغذائية بأقصى سرعة:
لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بغض النظر عن عدم العدالة في التوزيع لكنها بالنتيجة ستصل هذه المساعدات بطريقة أو بأخرى إلى بطون الجوعى وأتمنى أن لا تكون عدم العدالة في التوزيع مبرراً وحجة لكثير من المنظمات الإنسانية كي تتقاعس عن أداء دورها في إغاثة الشعب الصومالي.
وللحد من ظاهرة عدم العدالة في التوزيع على الدول الكبرى إن تلقي المساعدات الإنسانية من الجو وفي مناطق مختلفة من الصومال واعتقد من كان يلقي السلاح من الجو في أفغانستان إثناء الاحتلال السوفيتي لها. قادراً على إيصال المساعدات الغذائية من الجو !
2-التمويل والتعويض:
أن تتكفل الدول الصناعية ألكبري مثل أوروبا وأمريكا والدول الصناعية الناشئة كالصين والهند وتركيا والبرازيل التي لا تحترم فوانيين المحافظة على البيئة والتي أدت بالنتيجة إلى ظاهرة الاحتباس الحراري التي انعكست على دول القرن الإفريقي بعدم هطول الإمطار مما أدي إلى الجفاف والقحط وحسب قرارات قمة المناخ على الدول الصناعية الكبرى تعويض الدول النامية وخاصة المتضررة من ظاهرة الاحتباس الحراري كالصومال واريتريا وجيبوتي وكينيا وإثيوبيا وغيرها من الدول.
وعلى الدول الكبرى الناشئة كالصين والهند دفع مبالغ ضخمة للصومال وغيرها لان الصين بالذات هي المسبب الرئيسي لانبعاث الغازات السامة في منطقة المحيط ومبلغ ( 50 مليون دولار ) الذي تبرعت به الصين للمجاعة في القرن الإفريقي يعتبر مبلغ هزيل بالمقارنة بما أحدثته الصين من تدمير للبيئة في منطقة المحيط الهندي وجنوب أسيا وعلى مجلس الأمن أن يفرض على الصين دفع مبالغ كبيرة لتعويض الأضرار التي سببنها لباكستان في العام الماضي وللصومال ودول القرن الأفريقي في هذه السنة.
3-الحد من هجرة الصوماليين من مدنهم وقراهم :
من خلال إيصال المساعدات إلى المناطق المنكوبة وإقامة مخيمات أغائية في المناطق المنكوبة نفسها وتزويد الصوماليين بالحبوب والمواشي والأسمدة وكافة المستلزمات الزراعية واهما حفر أبار ارتوازية للري كي يتمكنوا من زراعة أراضيهم في الموسم القادم وعندها تنتهي المجاعة إن شاء الله
4-أن تعمل الدول العربية والإسلامية بكل جدية :
من أجل إنهاء الاقتتال بين الأخوة الصوماليين الذي صار له أكثر من عشرين عاماً
5-على الشعب الصومالي أن يأخذ الدروس والعبر من هذه المجاعة:
وان يعملوا على إنهاء الحرب الأهلية فيما بينهم لأنهم رأوا بأم أعيونهم بأن المجاعة أهلكت جميع أطراف الصراع في الصومال ولم تستثني أحدا.
في الختام أقول بأن الشعب الصومالي يستحق أن نقف معه ونساعده بكل ما نملك لأنه شعب عربي ومسلم شعب طيب وبسيط أستقبل المسلمين في بداية الدعوة الإسلامية وهزم أعتا قوة على وجه الأرض عندما كانت هذه الدولة في أوج عظمتها وهيمنتها على العالم.
وأدعو الله العلي القدير أن يحفظ الشعب الصومالي ويشمله برحمته الواسعة وأن يخفف عنهم معاناتهم ويجعل لهم فرجاً ومخرجاً أن الله على كل شيء قدير.
عاشت الصومال وعاش شعبها الأبي
بقلم / كمال نصار
20/8/2011
المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"