التاريخ يعيد نفسه – عبد العزيز المحمود

بواسطة قراءة 2259
التاريخ يعيد نفسه – عبد العزيز المحمود
التاريخ يعيد نفسه – عبد العزيز المحمود

قيل لنا بأنه أثناء الغزو الصهيوني لفلسطين ووصول ذلك الغزو إلى ذروته عام 1948 بأن الصهاينة كانوا يلقون المناشير لأهل فلسطين مفادها أن يبقى الفلسطينيون في مدنهم وأراضهم وأن يعيشوا مع اليهود جنبا إلى جنب بسلام وأمان .. ولكن ما الذي جرى ؟!..

الذي جرى أن وقف الثوار والمجاهدون بوجه هذه الدعوة كما وقفوا بوجه كل الاصوات التي نادت بالمعايشة والسلام وصدرت التهديدات بل نفذت وقتل الكثير ممن رأى في هذه الدعوة خلاصا من الحزن والدمار والتشرد بحجة أن هؤلاء المنادين بهذا الطلب خونة وعملاء ويجب قتلهم وعللوا ذلك بأن الجيوش العربية قد أعدت لوازم المقاومة والنصر وطرد الصهاينة ..

وطبل من طبل وزمر من زمر لهذه الحالة لنجد أنفسنا في نهاية المطاف مشردين لاجئين في هذا البلد أو ذاك ، بعد أن اتضحت الخيانة العربية الرسمية التي أرسلت جيوش عربية – سبعة جيوش – بأسلحة فاسدة وعدم وجود أوامر للقتال والمقاومة لوقف الاحتلال ومساعدة شعب فلسطين على الصمود والتصدي ..

نعم جاءت الجيوش العربية إلى فلسطين تحت شعار تحريرها من الصهاينة لتبقى إسلامية عربية أبية ، ولكن هذه الجيوش كانت تحت قيادة أجنبية وبعض من العملاء على رأس القرار ورغم ذلك فقد خاضت تلك الجيوش بعض المعارك هنالك بالفالوجة // الجيش المصري // والجيش العراقي في كفر قاسم وجنين وسجلوا أروع الملاحم وأمام ذلك جاءت الأوامر بوقف تلك المعارك لإعطاء الصهاينة الفرصة لانجاز مرحلة الاحتلال وحصلت ما أسموها بنكبة 1948 حيث تشرد الآلاف من الفلسطينيين ليستقر الأمر بهم في نهاية المطاف في خيم بالية في أراضي صحراوية قي الأردن وسوريا ولبنان ومصر والعراق ..

ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن وقضية فلسطين موجودة في ملفات الأنظمة العربية والأمم المتحدة للمتاجرة والبيع والشراء على حساب دماء الشهداء ، نعم دماء الشهداء ، لأن شعبنا منذ ذلك الوقت وحتى الآن قدم ومن خلال ثورته الباسلة عام 1965 وانتفاضاته المستمرة قدم الآلاف بل مئات الآلاف من الشهداء على مذبح الحرية والاستقلال .. ليجد نفسه في النهاية بأنه قد ابتلى بقيادة لا هم لها سوى تحقيق المكاسب لأفرادها وأقاربهم والمرتزقة الذين يعملون معها وما الاقتتال الفلسطيني - الفلسطيني الذي حصل وذهب ضحيته مئات القتلى والجرحى إلا شاهد على عمالة تلك الرؤوس التي ارتضت لنفسها أن تقدم تلك الدماء من اجل الكراسي والمناصب ومن فلان وفلان ، والأمثلة على ذلك كثيرة .. واليوم قد أينعت أوراق ثمن تلك الخيانة التي استمرت من 1948 وحتى الآن ولكن بأدوات ووجوه مختلفة عن تلك الوجوه والأدوات في ذلك الوقت ولكن المؤامرة واحدة / مغازلة العدو الصهيوني والاعتراف به رسميا من القيادة الفلسطينية والأنظمة العربية وفتح السفارات والممثليات وعقد الصفقات فيما بينهم باسم فلسطين وقضية فلسطين ..

القيادة الفلسطينية تشحذ باسم شعب فلسطين وتجمع الأموال من هنا وهناك وتتباكى على ما حل بشعب فلسطين لتقوم بالنهاية ببناء القصور بالدول الأوروبية وتعليم أبناءهم بأكبر الجامعات هناك وبناء الشركات والفنادق لضمان مستقبلهم الشخصي ..الخ وكل هذا باسم فلسطين والدفاع عن القضية (( عاشت فلسطين حرة عربية)) .

نعم قدم شعب فلسطين مئات الآلاف من الشهداء والجرحى والمعاقين والأسرى ، ألاف اليتامى والأرامل من اجل الجهاد من اجل الوطن والأرض ، لكن أولئك الأقزام حولوا تلك المنجزات النضالية لحسابهم الخاص ليبقى شعبنا يعاني ويلات التشرد .

لينظر العالم والشرفاء فيه ما يحصل لأهلنا في غزة وما أصابهم من جوع وعوز لا ماء ولا كهرباء ولا مواد تموينية وان وجدت فتباع بالسوق السوداء لتدخل تلك أموال السحت إلى أولئك السماسرة وأصحاب النفوذ في تلك السلطة / الصورة // ..

كل تلك المآسي التي يعاني منها شعبنا في فلسطين والقيادة الفلسطينية تتفرج غير مبالية لهذه الكوارث كما هو موقفها المخزي تجاه شعبنا في الشتات وما يحصل لأهلنا في العراق إلا نموذج حاول تلك القيادة استثماره لصالحها حيث تحاك الآن مؤامرة من اخطر ما مر به شعبنا على مدى ستون عاما مضت ..

إن تلك القيادة مشغولة الآن باستخراج الكلمات والألفاظ ضمن مذكرات محاولة التجاوز على قرار 194 الداعي بحق العودة وتقرير المصير .

قرار دولي صدر وشعبنا وأحرار العرب والعالم ملتزمون بمضمونه أي عودة المشردين إلى ديارهم ، والقيادة الفلسطينية مع حكومة العدو الصهيوني وبدفع من الإدارة الأمريكية يعملون على إلقاء هذا القرار لتصفية القضية وإنهاء مشكلة فلسطين من خلال المفاوضات والمؤتمرات الدولية والتي يعمل على إنجاحها وتكريسها قرار فلسطيني رسمي وبتواطؤ عربي رسمي مخزي وعميل أيضا .. وإلا ماذا يعني ظهور هذه المسرحية الكوميدية بهذا الوقت بالذات ، وهي تهجير " فلسطينيو العراق "إلى بعض الدول الغربية – البرازيل – كندا – تشيلي ، ومطروح الآن السودان واليمن ..الخ .

ما الذي جرى لهذا الوطن العربي الشاسع الكبير ألا يستطيع استيعاب مجموعة لا تتجاوز العشرين ألف من الفلسطينيين يعيشون في العراق في ظروف استثنائية صعبة كما هو الحال بالنسبة للمواطن العراقي بل أصعب .. انه مخطط واضح غير معلن ومعروف للقاصي والداني ، أليس مخطط لهدم أركان ديننا عندما يرسلون تلك المجاميع إلى تلك الدول التي لا تعترف بالإسلام ولا بالمسلمين والكل شاهد على شاشات التلفاز كيف إنهم تعرضوا لمرات عديدة للرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم وكيف حاربوا وبكل قوة موضوع الحجاب في بلدانهم – كيف أيها السادة قادة شعبنا أيتها السلطة الفلسطينية المزعومة بأي دم بارد توافقون على أن ترسلوا أولادنا وبناتنا إلى تلك الدول الوثنية !؟ .

كيف سنربي أجيالنا ، سؤال نترك الإجابة عنه لأصحاب الضمائر الحية في شعبنا وامتنا التي تنام اليوم نومة كبيرة ، نرجو أن تفيق قبل فوات الأوان .. إذن هو مخطط يتعرض له المواطن الفلسطيني يهدف إلى وصول هذا المواطن إلى حالة الانفجار ومن ثم يقبل بالهجرة مرة أخرى إلى هنا وهناك ليصبح الطريق مفتوحا أمام أولئك المتلاعبين بمصير ملايين الفلسطينيين في الشتات وتمرير إلغاء القرار 194 ووضع العالم أمام الأمر الواقع ، تلك الآلاف من الفلسطينيين يتم إرسالهم إلى تلك الدول بحجة المحافظة على أرواحهم وفي يوم وليلة نجد ذلك المشرد نفسه في خندق التوطين الذي رفضه منذ أن حلت النكبة عام 1948 ويرفضه حتى الآن .

مستغلين بذلك الوضع الاستثنائي الذي يعاني منه العراق الآن حيث يعاني الفلسطيني هناك من القتل والخطف والاعتقال وسوء المعاملة ويتعرض للبطالة والفقر والعوز والمطاردة .

لقد اتضحت الصورة وانجلى الموقف وأدرك شعبنا في الداخل والشتات بأن المؤامرة ضدهم واحدة، حيث يتعرض أهلنا في الداخل خاصة في غزة للجوع والضغط والمحاصرة وفي الخارج إلى القتل والاعتقال والملاحقة ليجد هذا الشعب نفسه في النهاية أمام خيار واحد وهو القبول بما هو موجود والتنازل عن حقه في العودة وتقرير المصير .

ولكن شعبنا متيقض لتلك المؤامرات والمشاريع الخبيثة وسيبقى أبناء فلسطين في العراق ، صامدين ، صابرين ، مرابطين مع إخوانهم شعب العراق الجريح ، يتقاسمون المصير الواحد المشترك وغدا ستزول هذه الغمة إن شاء الله والأسباب أن هنالك أمهات فلسطينيات يلدن الإبطال .

وليراجعوا أولئك اللصوص التاريخ ليدركوا أن النصر والظفر بالنتيجة سيكون للشعوب المجاهدة والله أكبر .  

عبد العزيز المحمود

كاتب فلسطيني – بغداد

17/11/2008