الجزار والخِراف- عبد الله الغزلاوي

بواسطة قراءة 2007
الجزار والخِراف- عبد الله الغزلاوي
الجزار والخِراف- عبد الله الغزلاوي

هذه القصة حدثت في العصور المتأخرة ونستطيع القول ممكن بالعصور الحالية ، وأتوقع بأنها لم تحدث في العصور الغابرة .

كان جزار وله زريبة من الخِراف ، وكانت طبيعة عمله أن يذبح ويبيع اللحم ، ويوماً حَضّر كل عدته لذبح  أحدى الخِراف ودخل الزريبة وكانت الخراف في الزريبة تعيش وتاكل كعادتها  لا شيء جديد في الواقع.

فمد الجرار وسحب أحد الخراف لا على التعين وأمسك الجزار بقرنيه يسحبه الى خارج الزريبة وكان الكبش ذي قوة وقرنين قويين ، وقد شعر الكبش بخطورة الموقف ، فنسي الوصية رقم واحد من القوانين الوضعية الموضوعة من كبار الخِراف ( شيوخهم ) ، الوصية تقول عندما يختارك الجزار لا تقاوم فهذا لا يفيد وسوف تعرض حياتك وحياة القطيع للخطر.

قال الكبش في نفسه : هذه وصية موضوعة من أغبياء ، لأغبياء... فإذا كانت مقاومتي لن تنفعني في هذا الموقف ، فلا أعتقد انها ستضرني .

إما الدستور الموضوع  للخِراف ليُضرب به عرض الحائط فقد أعد الجزار عدته ورسم خطته ليذبح جميع الزريبة واحد تلو الأخر، فمقاومتي قد تفيد ولكنها بلا شك لن تضر .

انتفض ذلك الكبش انتفاضة الأسد الهصور، واستطاع أن يهرب من بين يديّ الجزار  ويدخل وسط القطيع حيث نجح في الافلات من الموت الذي كان ينتظره .

وقد آلمَّ التعب بالجزار بما حدث ، فالزريبة مكتظة بالخِراف ولا داعي لتضييع الوقت في ملاحقة ذلك الكبش الهارب.

أمسك الجزار بخروف اخر وجره من قرنيه وخرج به من الزريبة ، كان الخروف الثاني مسالما مستسلما ولم يبد اية مقاومة ، إلا صوتا خافتا وَدَعَ فيه بقية القطيع .

نال ذلك الخروف الثائر  إعجاب جميع الخرفان في الزريبة، وكانت جميعها تثني عليه بصوت مرتفع وتهتف باسمه، ولم تتوقف عن الهتاف حتى قاطعها صوت الجزار الجهوري وهو يقول : بسم الله والله أكبر.

خيم الصمت على الجميع ولا أعلم أن كان القطيع فهم ما معنى بسم الله والله أكبر، أم بفطرته، ولكنهم سرعان ماعادوا إلى أكلهم وشربهم مستسلمين لمصيرهم الذي يرفض أي فكرة لمقاومة الجزار.

وهكذا بقيت الخراف في الزريبة تنتظر الموت واحدا بعد الاخر ، وفي كل مرة ياتي الجزار ليأخذ احدهم ولم تنسى بقية الخراف بان الوصية الموضوعة في الدستور للقطيع " لا ثم لا للمقاومة " .

وكان الجزار وتوفيرا للوقت والجهد ، إذا وجد خروفا هادئا مطيعا ، فانه يأخذ معه خروفا اخر،وكل ما زاد عدد الخراف المستسلمة ، زاد طمع الجزار في أخذ عددا اكبر في المرة الواحدة ،حتى وصل به الحال أن يمسك خروفا واحدا بيده وينادي خروفين آخرين مناداة أو أكثر لتسير خلف هذا الخروف إلى المسلخ، وهو يقول : يالها من خراف مسالمة ، لم احترم خرافا من قبل قدر ما احترم هذه الخراف ، إنها فعلا خراف تستحق الاحترام.

كان الجزار يتجنب أن يذبح خروفا امام الخراف الاخرى حتى لا يثير غضبها وخوفها من أن تقوم تلك الخراف بتحطيم سياج الزريبة والهرب أو تجعل له مشاكل ( أي خاف من الخِراف بأن تقوم بثورة وهذا يخضع للنظام الثوري في عالمنا العربي ) ولكنه حينما رأى استسلامها المطلق ، أدرك أنه كان يكلف نفسه فوق طاقته من قبل ، وان خرافه تلك تملك من القناعة بمصيرها المحتوم ما يمنعها من المطالبة بمزيد من الحقوق ، فصار يجمع الخراف بجانب بعضها ، ثم يقوم بسحبها وذبحها،والاحياء منها تشاهد من سبقت اليهم سكين الجزار ، ولكن كانت الوصية من دستور القطيع الموضوع تقف حائلا أمام أي احد يحاول المقاومة او الهروب " لا تقاوم " .

في مساء ذلك اليوم وبعد أن تعب الجزار وذهب لاخذ قسط من الراحة ليكمل في الصباح ما بدأه ذلك اليوم ، كان الكبش الشاب المتمرد على الدستور يفكر في طريقة للخروج من زريبة الموت واخراج بقية القطيع معه كانت الخِراف تنظر إلى الخروف الشاب وهو ينطح سياج الزريبة الخشبي مندهشة من جرأته وتهوره .

لم يكن ذلك الحاجز الخشبي قويا ، فقد كان الجزار يعلم أن خرافه أجبن من أن تحاول الهرب ،وجد الخروف الشاب نفسه خارج الزريبة ، لم يكد يصدق عينيه ، صاح في رفاقه داخل الزريبة للخروج والهرب معه قبل أن يطلع الصباح ولكن كانت المفاجأة أنه لم يخرج أحد من القطيع ، بل كانوا جميعا يشتمون ذلك الكبش ويلعنونه و يرتعدون خوفا من أن يكتشف الجزار ما حدث، أنتظر الكبش الشجاع القطيع ، في انتظار قرار القطيع مع بعضهم في شأن ما اقترحه عليهم ذلك الكبش للخروج من الزريبة والنجاة بانفسهم من سكين الجزار .

وجاء القرار النهائي بالاجماع مخيباً للكبش الشجاع ...

في صباح اليوم التالي ،جاء الجزار إلى الزريبة ليكمل عمله ، فكانت المفاجأة مذهلة ،سياج الزريبة مكسور ، ولكن القطيع موجود داخل الزريبة و لم يهرب منه أحد .

ثم كانت المفاجأة الثانية حينما رأى في وسط الزريبة خروفا ميتا ، وكان جسده مثخنا بالجراح وكأنه تعرض للنطح .

نظر إليه ليعرف حقيقة ماحدث .. صاح الجزار .. يا الله .. انه ذلك الكبش القوي الذي هرب مني يوم أمس .

نظرت الخراف الى الجزار بعيون الامل ونظرات الاعتزاز والفخر بما فعلته مع ذلك الخروف " الارهابي " الذي حاول أن يفسد علاقة القطيع بالجزار ويعرض حياتهم للخطر.

كانت سعادة الجزار أكبر من أن توصف ( طاعة ولي الأمر واجبة ) حتى أنه صار يحدث القطيع بكلمات الاعجاب والثناء ، وبدأ الجزار يحدثهم عن مدى احترامه لهم .

أيها الخراف الجميلة ، لدي خبر سعيد سيسركم جميعا ،وذلك تقديرا مني لتعاونكم المنقطع النظير ،أنا وبداية من هذا الصباح ، لن أقدم على سحب أي واحد منكم الى المسلخ بالقوة ، كما كنت أفعل من قبل ، فقد اكتشفت انني كنت قاسيا عليكم وان ذلك يجرح كرامتكم ( إذا كان بالأصل في كرامة ).

كل ما عليكم أن تفعلونه يا خرافي الاعزاء أن تنظروا الى تلك السكين المعلقة على باب المسلخ ...فاذا لم تروها معلقة فهذا يعني أنني أنتظركم داخل المسلخ، فليأت واحد بعد الاخر، وتجنبوا التزاحم على ابواب المسلخ ،وفي الختام لا انسى أن اشيد بدستوركم العظيم " لا للمقاومة ".

انتهت القصة وهنا ياتي السؤال الذي خطر لي عند قراءة هذه القصة ، هل الخِراف أصلها عربي ؟؟؟

حقيقة أنا لا أعلم الجواب ،وجهت السؤال لكم أيها الأخوة ، وهو سؤال للمعرفة ليس للامتحان.

فلسطين ضيعوها العرب وقادتهم باسم السلام ( وأقول بل باسم الاستسلام ) ، القدس الشريف اتفقوا أن يهدوه إلى بني صهيون .

لكن سيبقى بآذن الله بشرٌ صامدة ... وليس ذلك على الله ببعيد ...

وأهدي شعراً للشاعر العراقي المسلم الثائر وليد الأعظمي رحمة الله عليه إذ قال :

أنا على موعد يا قـدس فانتظري      يأتيـك عند طلـوع  الفجر جرار

جيش تـدرع  بالإيمـان  يدفعـه      لنصرة الحـق  تأكيـد  وإصرار

آلى علـى نفسه  ألا يبل صـدى      حتـى  تعود إلـى أصحابها الدار

لا عذر للعرب عند الله  إن سكتوا      وبات في القدس من صهيون ديار

القصة في الواقع الحالي لما ؟ هل العرب قبل السلام كانوا قليلي الغيرة على أرضهم ، وفي الإسلام وبعده  ، أزداد المسلمين العرب تمسكاً بكل شبر لهم ، وأستمر المسلمين والعرب بعزة وغيرة ونخوة .

لو سمحتم لي أعيد السؤال ... هل الخِراف أصلها عربي ؟؟؟   

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وكل عام وأنتم بخير بمناسبة العشر الحرم والعيد الأضحى

 

بقلم عبد الله الغزلاوي

22/11/2009

 

"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"