نكبات فلسطينية في عباءة الذكرى الـ65 للنكبة الوطنية – عامر راشد

بواسطة قراءة 1774
نكبات فلسطينية في عباءة الذكرى الـ65 للنكبة الوطنية – عامر راشد
نكبات فلسطينية في عباءة الذكرى الـ65 للنكبة الوطنية – عامر راشد

كتب عامر راشد 

وتتخذ هذه النكبات اليوم أشكالاً أكثر مكراً وأشد قسوة.

اعتاد الفلسطينيون والعرب على تكرار مقولة "القضية الفلسطينية تمر في أخطر مراحلها"، وظلّت تلك المقولة صالحة للاستخدام والتسويق رغم التقلبات والانقلابات "زماناً" ومكاناً ومعادلات جيوسياسية، تبدو محصلتها اليوم وبالاً على حاضر ومستقبل الفلسطينيين، يهدد هويتهم ووجودهم ومصيرهم المشترك، حيث يواجهون أهولاً لا تقل جسامة عن تلك التي واجهوها في خمسينيات القرن الماضي من طمس وإلغاء وتذويب، وفي السبعينيات من زج مخيمات الشتات في الأردن ولبنان بحروب دموية، وفي الثمانينيات من انقسامات واقتتال داخلي، وفي التسعينيات من افتراق سياسي، فكل تلك المآسي حاضرة في الذكرى الـ65 للنكبة الأم.
الانقسام السياسي والكياني بين جناحي السلطة الفلسطينية، أو الدولة الفلسطينية العتيدة غير العضو في الأمم المتحدة، ما زال يدور في حلقة مفرغة من الصراع الفتحاوي- الحمساوي، فكلما لاحت بارقة أمل في حوارات المصالحة الداخلية ما تلبث أن تخبو، إلى أن باتت رزمة الاتفاقات والمبادرات والأوراق والإعلانات تثقل ذاكرة الفلسطينيين، القاهرة – دمشق- مكة المكرمة- صنعاء- الدوحة- عمان، حملت كلها أسماء مشاريع لإنهاء الانقسام، وسبقتها أو تخللتها مشاريع انطلقت من غزة ورام الله والسجون "الإسرائيلية"، كان نصيبها التشارك في الفشل، بفعل شيطان التفاصيل في لعبة المحاصصة والمصالح الفئوية الضيقة، والاصطفاف الإقليمي لطرفي الصراع الداخلي الفلسطيني على قرني خيارات سياسية متناقضة، شكَّلت وما تزال كلمة السر في فشل حوارات المصالحة.

إلى أن باتت الحالة الفلسطينية أسيرة درك سفلي من الصراعات الداخلية الفلسطينية، لا يتورع فيها القطبان الرئيسيان لها عن مناكفات هزلية تُتقاذف فيها اتهامات مثل منح رئيس وزراء الحكومة الفلسطينية المقالة في قطاع غزة إسماعيل هنية جواز سفر مزور للشيخ يوسف القرضاوي، ونشر صوره له وهو يقلِّم أظافر الشيخ الزائر لغزة، واتصال رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بالمتسابق الفلسطيني في البرنامج "الغنائي" "أراب أيدول" "محمد عساف"، بينما تعيش البلدة القديمة في القدس الشرقية أجواء توتر لم تشهدها منذ سنوات، وتهدد باندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة، على خلفية تصاعد اعتداءات مجموعات يهودية استيطانية ومتطرفة على المسجد الأقصى واستباحته. ويعيش أبناء المخيمات الفلسطينية في سورية جحيم توريطهم في حرب اختارت الأكثرية الساحقة منهم الحياد عنها.

وما أشبه أمس النكبة الفلسطينية الكبرى بواقع حال مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سورية، الذين تُذكر مشاهد مخيماتهم المدمرة، والحصار المفروض عليها واضطرارهم للنزوح عنها، بمشاهد أجدادهم وآبائهم عام 1948، حين اضطروا إلى ترك ديارهم واللجوء إلى دول الجوار لتبدأ حينها مع رحلة غالبية الفلسطينيين نحو الشتات واحدة من أكبر المآسي والجرائم الإنسانية في العصر الحديث، أنعشتها في ذاكرة الفلسطينيين المأساة التي حلت بمخيم اليرموك، الذي يكنى بـ"عاصمة الشتات الفلسطيني"، وبباقي المخيمات الفلسطينية على الأراضي السورية.

والأسوأ في مأساة أبناء المخيمات الفلسطينية في سورية أن القيادات الفلسطينية بمختلف ألوانها لم تضطلع كما ينبغي بدورها لإنقاذ المخيمات وأبنائها، بالمحافظة على حياد الفلسطينيين ومنع توريطهم في الأزمة السورية، بل ساهمت بعض تلك القيادات في توريط المخيمات وجعلها ساحات للقتال بإعلانها مواقف منحازة إلى جانب طرف في الصراع. وساهم ذلك التقصير في تعزيز الموقف السلبي من منظمة التحرير بكونها ممثلاً شرعياً ووحيدا للشعب الفلسطيني، جراء تراجع دورها في مخيمات الشتات بانتقال كل مؤسساتها إلى الداخل وإهمال أوضاع اللاجئين، وترتب عليه ظهور اتجاهات في أوساط اللاجئين تتحدث عن ضرورة خلق أطر تمثيلية لملء فراغ انسحاب مؤسسات منظمة التحرير وتحجيم دورها لحساب مؤسسات السلطة، وللحفاظ على حق العودة الذي أصبح مادة للمساومة والمقايضة في مفاوضات الحقبة الأوسلوية.

وصورة اللاجئين الفلسطينيين في سورية، باختلاف في التفاصيل فقط، نسخة مكبرة عن مأساة أشقائهم اللاجئين الفلسطينيين في العراق، الذين ارتكبت بحقهم مجازر مروعة تحت أنظار جنود الاحتلال الأميركي، ولم يُحاسَب عليها الفاعلون رغم افتضاح هويتهم للجميع.

وبتنامي احتمالات انتقال تداعيات الأزمة السورية إلى دول الجوار، يخشى من توسيع جغرافيا توريط اللاجئين الفلسطينيين في الأزمة بنقلها إلى لبنان، بإدخال المخيمات الفلسطينية هناك على خط الانقسام اللبناني- اللبناني إزاء الأزمة، وفي الحالة اللبنانية لن يعوز من يودون توريط الفلسطينيين ألف سبب وسبب، بتحميلهم وزر صراعات إقليمية وجدت ضالتها بالتعليق على مشجب القضية الفلسطينية.

وفي الأردن يكابد اللاجئون الفلسطينيون، والأردنيون من أصل فلسطيني، تبعات مزمنة لاتهامات بالتوطين والوطن البديل، وصراع هويات مفتعل في جانبه الأعظم، يُستغل لإشعال تناقضات مجتمعية تغطي على صراع المكونات السياسية، في هروب نحو الخلف من استحقاق التغيير و"الديمقراطية" ومأسسة التعددية والحريات العامة والنهوض بالمجتمع المحلي.

لقد لعبت بعض القوى الإقليمية دوراً مدمراً للقضية الفلسطينية، من خلال مشاريع تذويب وشطب الهوية والشخصية الوطنية الفلسطينية المستقلة، وكانت المحطة المفصلية ونقطة الانطلاق لهذه المشاريع  "مؤتمر أريحا" الذي عقد عام  1949، واليوم تلعب قوى إقليمية دوراً جديداً في السياق ذاته، بتدمير مجتمع اللجوء الفلسطيني والقضاء على هويته باستهداف رمزية المخيم، الذي نهضت على أكتاف أبنائه في ستينيات القرن الماضي دعائم مشروع تحرري فلسطيني، انتزع العديد من المكاسب الإستراتيجية، كانت أول ثمارها تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية وجيش التحرير الفلسطيني عام 1964، وانطلاق العمل الفدائي في الأول من كانون الثاني/يناير 1965، مما أعاد تعريف القضية الفلسطينية بما هي قضية تحرر وطني، وحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال أسوة بكل الشعوب الأخرى، التي قاومت الاستعمار والاحتلال ونالت استقلالها. وفعل ذلك بالتراكم معادلة جديدة في الفهم الرسمي العربي للصراع مع "إسرائيل"، تقوم على إقرار الرسميات العربية بخصوصية الدور الذي يجب أن ينهض به الفلسطينيون في مقاومة الاحتلال، وحقهم في تقرير مصيرهم، والإمساك بناصية قضيتهم، دون وصاية أو استلاب، تتخذ هذه الأيام أشكالاً أكثر مكراً وأشد قسوة.

المخيم كان المحطة الأولى للمأساة ما بعد النكبة الوطنية الكبرى وذاكرتها المتجددة، وكان المحطة الأولى والحاضنة المستمرة للمشروع الوطني التحريري الفلسطيني، ولهذا فإن تفكيك بنيته المجتمعية استهداف لقضية الشعب الفلسطيني وهويته الوطنية، استكمالا لمشاريع شطب فلسطين من الجغرافيا.

 

المصدر : وكالة أنباء موسكو بتصرف موقع فلسطينيو العراق

12/5/2013