نشرت عدة مؤسسات حقوقية تقاريراً حول أوضاع اللاجئين في العالم ضمن ما يسمى يوم اللاجئ العالمي والذي يصادف العشرين من حزيران, وقد أجمعت في معظمها على أن اللاجئ الفلسطيني هو أكثر المتضررين وأشدهم بؤساً وشقاء منذ نكبته عام 48 واغتصاب أرضه وما تلاها من نكبات إلى يومنا هذا سواء في غزة وولادة المخيمات .
على أنقاض المنازل التي دمرها الاحتلال خلال عدوانه على القطاع , إلى نكبة فلسطينيي العراق منذ العدوان الأمريكي الغاشم على العراق. أثرت في هذا اليوم أن أسلط الضوء على الفلسطينيين الأحياء الأموات, وأن أنفض الغبار عن معاناتهم الممتدة منذ أكثر من ثلاث سنوات , من خلال شواهد مستوحاة من صميم العذابات والقهر.
يحيى يوسف "أبو يوسف" في العقد السادس من عمره شهد النكبة الأولى واليوم شاهد على نكبة فلسطينيي العراق , هو رئيس لجنة مخيم التنف الصحراوي بين الحدود السورية العراقية المقام هناك في الصحراء منذ شهر أيار من العام 2006 , تحدث أبو يوسف عن معاناة مايقارب (797) لاجئاً فلسطينياً يعانون ظروفاً مأساوية وبيئة صحراوية مقفرة تفتقد لأبسط مقومات الحياة إلا أنهم استطاعوا التغلب عليها والتكيف معها.
يقول أبو يوسف:" نحن في الوقت الراهن نعيش حياة ولا يمكن تسميتها حياة لأننا نكاد أن ننتهي في هذه الصحراء الصعبة نعاني أوضاعاً مزرية وصعبة ومعاناتنا تتفاقم يوماً بعد يوم, وقد غادر المخيم خلال ثلاث سنوات ماضية قرابة 350 لاجئاً استضافتهم تشيلي والسويد وسويسرا وحالياً النرويج وافقت على استضافة مجموعة من اللاجئين سينقلون إليها خلال الشهرين القادمين".
وأضاف:" إننا اليوم في مخيم التنف الصحراوي ننتظر بفارغ الصبر أن تنتهي مأساتنا مع هذا المخيم وأن تستضيفنا الدول على أراضيها فالحياة هنا لا تطاق , نحن نعيش مع الأفاعي والعقارب والحشرات وهذا الجو الحار اللاهب في الصيف, تعرضنا للحرائق والتي راحت ضحيتها لاجئة وعدد من الإصابات, وللأعاصير والفيضانات , أطفالنا دهستهم السيارات على الطريق الدولية بغداد دمشق مما أدى إلى وفاتهم, نساؤنا تلد في الصحراء".
وعن الوضع الصحي فقد أكد أبو يوسف على وجود حالات مرضية حرجة في المخيم وخاصة من الأطفال والنساء وكبار السن يحتاجون للرعاية الصحية الملائمة وبعيداً عن الصحراء التي تشكل سبباً رئيسياً في الكثير من الأمراض لديهم, مشيراً أن ملف العلاج الصحي يقع على عاتق جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في سورية.
أما التعليم فأشار إلى وجود مدرسة في المخيم من مرحلة الحضانة وحتى الإعدادية وتشرف عليها الأنوروا ويبلغ عدد الطلاب 160 طالباً ويدرس فيها معلمون من أهل المخيم.
وفيما يتعلق بقضية الحوار الفلسطيني, تمنى أبو يوسف من قلبه للمتحاورين في القاهرة النجاح في مساعيهم لتحقيق الوحدة الوطنية, لكي لا تكون للعدو الصهيوني فرصة في تصفية القضية الفلسطينية والسيطرة على بقية فلسطين , وأن الاحتلال لن يعطي الفلسطينيين حقوقهم بالمفاوضات و إنما بالسلاح , وهو يسعى لزرع التفرقة بين الفلسطينيين لأنه المستفيد من ذلك, داعياً في الوقت نفسه بأن يكون الحوار عقلانياً ومفيداً يخدم الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج.
أبو يوسف أكد على حقه بالعودة إلى قريته التي هجر منها عام 1948 فهو لن يتنازل عنها مهما بعدت المسافة بينه وبين أرضه, فإن لم يعد هو فأبناؤه الذين يزرع في قلوبهم وأفئدتهم الحنين إلى قريته حتماً سيعودون يوماً.
غيداء ذات الخمس سنوات طفلة في مجمع البلديات الفلسطيني في بغداد تتحدث عن قصتها ورفيقاتها وأحلامهن بحياة أمنة بعيدة عن القتل والقصف والذعر, تحلم بالذهاب إلى مدينة الألعاب لكنها لا تستطيع من جهة فقر العائلة ومن جهة أخرى الفلتان الأمني في العراق والذي حصد أرواح المئات من الفلسطينيين, وهذا سبب امتناعها عن الذهاب إلى المدرسة أيضاً.
نادر طفلٌ أخر من البلديات, عانت والدته ما عانته لتأمين علاج له خارج العراق, طرقت الأبواب لكنها لم تفتح إلا بعد أن فارق نادر الحياة. أم عامر لاجئة من مخيم التنف ودعت روحها جسدها بعد مرض عضال أصيبت به نتيجة للوضع الصحراوي , بسمتها لم تكن تفارق وجهها وفي أصعب الخطوب , لم تذرف الدموع إلا مرة واحدة عندما غدت غير قادرة على الحركة بعد شلل أطرافها الأربعة.
محمد ست سنوات دهسته سيارة على طريق بغداد دمشق سحقت أقدامه النحيلة بالأرض, والوالد الحزين يحضن بين ذراعيه ابنه وهو يصرخ أنقذني يا أبي , لكن الأب المصدوم لا يستطيع فعل شيء له حتى فارقت روحه جسده البريء.
محمد أخر سنة ونصف يعيش أيامه هذه وحيداً يفتقد حنان الأم , نعم الأم التي فارقته في حريق خيمتهم في التنف أثناء نومهم مفترشين الأرض ملتحفين السماء , توفيت الأم و تفحم جسدها, محمد يبكي أماً له لكنه عوض بجدة مريضة تسهر الليالي عليه.
الحاجة خيزران في الثمانينات , قضت عمرها جله في النكبات , هي اليوم تعيش في صحراء مخيم التنف تعاني الأمرين, أثقلت همتها السنون وأضعفت عزيمتها الخطوب , تحتاج للعلاج والرعاية الصحية لكن هيهات أن تدرك ذلك.
تقول أم خالد في السبعينات " أعيش اليوم وحيدة مع ابنتي, أولادي وبناتي كل واحد منهم في بلد, بعد أن كنا نعيش تحت سقف واحد أصبح كل واحد منا في مكان , إني مشتاقة لأن أضم أولادي وبناتي وأحفادي إلى صدري بعد سنوات طويلة من الفراق.
" إن ما أصابنا من محن ومآسي جعلتنا جميعاً في خندق واحد, أعادت المأساة الألفة والمحبة إلى قلوب أفراد العائلة بعد سنوات من القطيعة وربما هذه هي الحسنة الوحيدة لمأساتنا في العراق" هكذا قالت فاطمة.
نداء في العشرينات , زهرة في مخيم الوليد حالفها الحظ بأن تقبل الدنمارك استضافتها بعد أن أوصدت الأبواب العربية أمامها بالرغم من أنها تعرضت لإصابة خطيرة بعد احتراق خيمتها حيث أجبرت أن تدخل إحدى الدول العربية بجواز مزور فقط للعلاج.
يوسف سبع سنوات يتحدث كناطق باسم الطفولة المعذبة في العراق :" لقد اختطفت المليشيات والدي في بغداد وقتلته , هذا ما أصاب المئات من الأطفال الفلسطينيين في العراق, لقد قتلوا أبائنا ومثلوا بجثثهم لما كل هذا إلا يحق لنا أن نعيش مع أبائنا مثل أي طفل في العالم".
أطفال كثر خاطرت عائلاتهم بهم لتهريبهم بطرق غير نظامية من العراق إلى خارجه , نذكر هنا الأب الذي مات غرقاً مع ابنتيه الشابتين في البحر بين تركيا وقبرص , ولا زال التهجير مستمراً.
إيهاب تيم شاب فلسطيني في الثلاثينات ولاجئ في مخيم الهول في مدينة الحسكة شمال شرق سورية , أقيم هذا المخيم في شهر أيار 2006 بعد موافقة سورية على استضافتهم بعد شهرين قضاها اللاجئون عالقين عند الحدود الأردنية العراقية لا تسمح الأردن لهم بالالتحاق باللاجئين في مخيم الرويشد داخل حدود الأردن , حتى دخلوا سورية بالتنسيق بين حكومة إسماعيل هنية والقيادة السورية.
هذا المخيم الذي تحيط به الأسلاك الشائكة من كل جانب وله باب واحد عليه حرس أمني ويخضع لإدارة تابعة للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين ويحتاج اللاجئون لتصريح بمغادرته.
يقول إيهاب" وضعنا في مخيم الهول سيء ومتدهور ولم يتحسن منذ أن وطأت أقدامنا أرضه , أوضعنا المعيشية والخدماتية تزداد تعاسة وشقاء, فقد توفي طفل عمره ثلاثة أشهر قبل أسبوعين من بين عشرة أطفال أصيبوا بإسهال نتيجة المياه والخضراوات الملوثة وطفلة توفيت نتيجة الإهمال الطبي في المخيم فالطبيب لا يتواجد في المخيم إلا لدقائق رغم أنه مطالب بالبقاء ليوم كامل".
وأشار إيهاب إلى أن المخيم قد شهد في الفترة الأخيرة تحركات من خلال إعادة توطين لعائلات فلسطينية في السويد والدنمارك وفرنسا, وهناك دول ستستضيف مجموعات أخرى من اللاجئين.
وأضاف": أننا330 لاجئاً نعيش حياة بائسة وتعيسة في هذا المخيم الصحراوي , نحن كشباب فلسطيني فقد مستقبلنا و أوقفنا دراستنا أصيب الكثير منا بأمراض نفسية ولم نعد نطيق هذه المعيشة , منازلنا غير صالحة للعيش , المياه غير نظيفة , لا نجد رعاية واهتمام من قبل إدارة المخيم والتي تتقاعس في تأمين احتياجياتنا الضرورية ولا يقدمون لنا أية مساعدات مادية حيث نجبر على بيع قسم من مساعداتنا لشراء ما ينقصنا".
وحول خطاب رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو حول دعوته لحل مشكلة اللاجئين بعيداً عن دولة "إسرائيل" , أشار إلى أن هذا الخطاب ليس له معنى وهو دلالة على أنهم لا يريدون السلام وعلى الجميع أن يعي ذلك بما فيهم الإدارة الأمريكية, وأن رغبته بالهجرة إلى أية دولة لا تلغي رغبته بالعيش في أرضه فلسطين , وأنه يرغب بحياة كريمة بعيداً عن الصحراء لحين العودة إلى فلسطين فهو لا يريد أن يبقى لاجئاً ليذكر في يوم واحد من العام يوم اللاجئ العالمي, و لايمكن لعشرة ملايين فلسطيني أن يصبحوا نكرة في المستقبل "هذا مستحيل".
ثامر مشينش لاجئ فلسطيني ورئيس رابطة فلسطينيي العراق يقول:" أن هذا اليوم هو رمز للجوء المتجدد للإنسان الفلسطيني في مطلع القرن 21, فاليوم يعيش الإنسان الفلسطيني في مخيمات صحراوية في التنف والوليد والهول لا تليق بالآدمية , وفي مخيمات غزة كذلك.
مشيراً إلى أن العديد من فلسطينيي العراق قد فرقتهم المسافات بعيداً عن وطنهم فلسطين إلى أكثر من خمسين دولة بالرغم من أن أعداهم لا تتجاوز 25 ألف لاجئ.
وناشد مشينش الدول العربية الشقيقة بأن تفتح الأبواب أمام الفلسطينيين بدلاً من أن يشتتوا في بقاع الأرض حيث لا توجد اليوم عائلة فلسطينية يعيش أفرادها في بلد واحد , متمنياً للاجئين الفلسطينيين والعراقيين وجميع اللاجئين في العالم أن تنتهي محنتهم وأن يعودوا إلى أوطانهم وأن ينعموا بالسلام والأمان , وأن يعود الفلسطينيون إلى فلسطين بعد تحريرها من المغتصبين الصهاينة.
كما حاولت جاهداً الاتصال بعدد من لاجئ مخيم الوليد الصحراوي المقام في صحراء الأنبار العراقية إلا أنني لم أوفق في ذلك جراء انعدام شبكة الاتصال, إلا أن هذا المخيم يعد من أسوء المخيمات من حيث الناحية البيئية والصحية والخدماتية والأمنية أيضاً إذ أنه خاضع لسيطرة القوات الأمنية العراقية والاحتلال الأمريكي اللذان يقتحمانه متى أرادا ذلك,ويقطن فيه قرابة1900 لاجئ.
إذاً هم الفلسطينيون الأحياء الأموات , الفلسطينيون الأوفر حظاً حتى في البؤس والشقاء , فمن خيمة في التنف إلى خيمة في قطاع غزة عنوان عريض نكبة تلو نكبة , لكن محال أن يضيع الحق فالنكبات وما يتمخض عنها ليست إلا دليلاً على أن هذا الشعب حي ولا يمكن أن يفرط في حقه بالعودة إلى فلسطين حتى وأن شتت إلى أقاصي الأرض.
22/6/2009
ماهر حجازي
كاتب صحفي
مسؤول الإعلام في رابطة فلسطينيي العراق
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"