بالصور: هندسة الطُرق الرومانية في فلسطين – إيهاب سليم

بواسطة قراءة 5036
بالصور: هندسة الطُرق الرومانية في فلسطين – إيهاب سليم
بالصور: هندسة الطُرق الرومانية في فلسطين – إيهاب سليم

إيهاب سليم – السويد :

لا شك أن الكولوسيوم أو ما يُعرف باسم المدرج الفلافي وسط مدينة روما , يُعد أحد أهم الانجازات المُدهشة للحضارة الرومانية في تلك الحقبة , لكن لحضارة روما القديمة انجازات أخرى دامت أطول فترة وتركت بصماتها على مجريات الأحداث التاريخية , ومنها الطُرق الرومانية .

لم تنقل الطرق الرومانية البضائع والجنود فحسب , فقد استُخدمت هذه الطرق كوسيلة لنقل المُفكرون والحرفيون والسائحون والممثلون والمصارعون , وكذلك لنقل الأفكار والتأثيرات الفنية والعقائد الفلسفية والدينية , حسبما يوضح الاختصاصي في دراسة النقوش , رومولو أ.ستاتشولي .

في الماضي , اعتُبرت الطرق الرومانية روائع هندسية , فقد بنى الرومان على مرّ القرون شبكة طرق حسنة التنظيم بلغَ طولها في نهاية المطاف أكثر من 80,000 كيلومتر في أكثر من 30 بلداً , حيث امتدت من بريطانيا غرباً حتى ضفتي دجلة والفرات ووصلت شمالاً حتى أسبانيا , وكذلك شمالي أفريقيا .

كانَ الطريق الأبياوي أول طريق عام مُهم بناه الرومان , وقد ربطَ هذا الطريق الذي دُعي "أم الطُرق" روما ببرنديزيوم "برنديزي اليوم" , وهي مرفأ أعتُبرَ بوابة الشرق , سمي هذا الطريق بأسم أبيُس كلوديوس سايكُس , الرسمي الروماني الذي أبدأه حولي سنة 312 ق . م .

بالإضافة إلى ذلك تفرعَ من روما أيضاً طريقا سالاريا وفلامينيا اللذان اتجها شرقاً نحو البحر الأدرياتيكي , وبذلك سهّلا بلوغ منطقة البلقان فضلاً عن منطقتي الراين والدانوب , أما طريق أريليا فقد أمتدَ شمالاً نحو بلاد الغال وشبه الجزيرة الأيبيرية , في حين ربطَ طريق أوستيا روما بمدينة أوستيا , التي اعتبرها الرومان أفضل مرفأ للإبحار إلى أفريقيا ومنها .

ولعبت الطُرق دوراً مهما في حياة الرومان حتى قبل أن يبدأوا هم أنفسهم بشق الطرق , فقد نشأت عاصمتهم حيث التقت الطرق القديمة عند المخاضة الوحيدة على المجرى الأدنى لنهر التيبر , وتُخبر المراجع القديمة أن الرومان بدأوا بتقليد القرطاجيّين , ساعين إلى تحسين الطرق القديمة التي بُنيت قبل ظهورهم , ولكن يُرجح أن الرومان تعلّموا شق الطرق في الواقع من الأتروسكيين .

علاوة على ذلك , كانت هذه المنطقة تضُم قبل ظهور الرومان العديد من الدروب المُستعملة بكثرة , وربما استخدمت هذه الدروب لنقل المواشي من مرعى إلى آخر , غير أن السفر على الطرق القديمة كان صعباً , اذ أنها كانت مُغبرة صيفاً ومُوحلة شتاءً , وفوق هذه الطرق بنى الرومان طرقهم .

وقد صُممت الطرق الرومانية بإتقان وبُنيت لتكون عملية جميلة , وتدوم طويلاً , وكان الطريق الروماني عادة يربط بين نقطتين عبر أقصر مسار مُمكن , مما يُفسّر لماذا امتدت أجزاء كبيرة من الطرق الرومانية في خطوط مُستقيمة , ولكن وجبَ في الكثير من الأحيان أن يتبع الطريق تضاريس المنطقة التي يمر فيها , ففي المناطق التي تكثر فيها الجبال والهضاب , اختارَ المهندسون الرومان حيثما أمكن الجانب المُشمس من الجبل وشقّوا الطريق عند مُنتصف المُنحدرات , وكانَ هذا الأسلوب يُخفف من مشقات السفر التي يسببها الطقس المتردي .

تعددت أساليب الرومان في بناء الطرق, كما أظهرت الحفريات الأثرية , فقد حددوا أولاً مسار الطريق , وهذه كانت مُهمة المسّاحين , وبعد ذلك قامَ الجنود , العمال و"العبيد" , بعمل شق الطريق المضني , فكانوا يحفرون خندقين متوازيين تفصلهما مسافة لا تقل عن 2,5 متر تقريباً , وقد وصلت هذه المسافة في الغالب إلى 4 أمتار واتسعت أكثر عند المُنعطفات , وفي بعض الأحيان بلغ عُرض الطريق عند انتهاء العمل 10 أمتار , بما فيها الممرّان المُخصصان للمشاة على الجانبين .

وبعد ذلك , كانَ التراب بين الخندقين يُزال إلى أن يصل الحفارون إلى قاعدة صلبة , ثم يملأون الحفرة بين الخندقين بثلاث أو أربع طبقات من مواد مُختلفة , فيضعون أولاً طبقة من الحجارة الكبيرة أو الدبش يضيفون فوقها الحصى أو الحجارة المُسطحة المُثبتة معاً بالأسمنت , واخيراً كانوا يضعون طبقة من الحصى أو قطع الحجارة ويرصّونها , ليُجيب المثل الروماني القديم "كُل الطُرق تؤدي إلى روما" .

وبصرف النظر عن تحسين الصحة العامة والصرف الصحي والطب والتعليم والري ونظام المياه العذبة والحمامات والنظام العام , عملَ الرومان على تحسين البنية التحتية ولاسيما في فلسطين , فقد اتسعت البلاد بالشوارع لاستيعاب المزيد من المُشاة والعربات والحيوانات , وربطت هذه الطُرق الرومانية المُدن الفلسطينية والمناطق المجاورة بمدينة القُدس , ليكون المثل "كُل الطُرق تؤدي إلى القدس" .

وما أثار أعجاب القدماء هو الطرق الرومانية المرصوفة بالحجارة , فقد كانَ سطح هذه الطرق عبارة عن حجارة مُسطحة كبيرة أخذت عادة من الصخور المحلية , وجعلَ الرومان هذه الطرق محدوبة قليلاً عند الوسط , مما سهّلَ جريان مياه الأمطار من وسط الطريق , فساهم إسلوب البناء هذا في دوام الطرق وبقاء بعضها إلى يومنا هذا .

 

إيهاب سليم

السويد

30/9/2011

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  

 

 

 

 

 

 

 

  "حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"