الفلسطينيون في العراق: الواقع والمآل

بواسطة قراءة 9037
الفلسطينيون في العراق: الواقع والمآل
الفلسطينيون في العراق: الواقع والمآل

دراسة بقلم: طارق حمّود

الأمين العام لتجمع العودة الفلسطيني واجب

لا تزال صورة المشهد الفلسطيني في العراق مغيبةً إلى حدٍ كبير رغم كل القتل والخطف والتعذيب والحصار المفروض عليهم منذ سقوط النظام عام 2003، وربما يعزى ذلك إلى ضعف الإعلام العربي عموماً، وضياع صورة المشهد وسط حالة الفوضى العارمة التي تعم أرجاء العراق، ثم أن قلة الوثائق التاريخية التي تؤرخ للوجود الفلسطيني في العراق قد ساهمت نوعاً ما في تغييب صورتهم عن واجهة الإعلام.

ونحاول في هذه العجالة أن نورد تسلسلاً تاريخياً يحكي وجود الفلسطينيين في العراق ووضعهم القانوني، خصوصاً في ظل الحملات المسعورة التي يتعرضون لها بحجة أنهم حلفاء النظام السابق وأن صدام كان يغدق عليهم من نعمه، الأمر الذي تثبت الوقائع والقوانين المتخذة في عهد الأنظمة السابقة عكسه.

من أين هم؟ وكيف جاءوا إلى العراق؟

ينحدر الفلسطينيون المتواجدون في العراق من قرى مثلث الكرمل (إجزم، عين غزال، جبع، قضاء حيفا والقرى المحيطة بها، الصرفند، المزار، عارة، عرارة، الطنطورة، الطيرة، كفر لام، عتليت، أم الزينات، أم الفحم وعين الحوض)، حيث استعصت قرى مثلث الكرمل على العصابات الصهيونية لمدة ثلاثة أشهر بعد سقوط مدينة حيفا، وفي الوقت الذي كانت فيه منطقة مثلث (جنين، طولكرم، نابلس) مسرح عمليات الجيش العراقي أي على تخوم قضاء حيفا، وبفعل الصمود والمقاومة التي شهدتها منطقة مثلث الكرمل (إجزم، جبع، عين غزال) ضد العصابات الصهيونية واستعصائها عليها، كان من الطبيعي أن يتم التواصل والتنسيق بين سكان هذه القرى والجيش العراقي المتاخم لهم في جنين، حتى أن الجيش العراقي كان يدرب المقاومين على استخدام أجهزة اللاسلكي التي غنموها أو أخذوها من الجيش العراقي.

ومن دون الدخول في تفاصيل سقوط مثلث الكرمل، فقد نزح سكانه وبعض سكان القرى المحيطة في سيلٍ من البشر باتجاه مدينة جنين حيث الجيش العراقي، وبعد أن استولى الجيش العراقي على مدينة جنين، قام عبد الأله الوصي على عرش العراق والملكة عالية ملكة العراق آنذاك بزيارة لمدينة جنين لتفقد وحدات الجيش العراقي هناك، ورأوا بأعينهم ما آل إليه وضع الفلسطينيين المهجرين من قرى مثلث الكرمل، وأثنائها قام قائد القوات العراقية بوصف مشهد الشجاعة والصمود الذي صمده أبناء هذه القرى وتعاونهم مع الجيش العراقي، أمام هذا المشهد المؤلم أمرت الملكة عالية والأمير عبد الأله بأن يتم نقل هؤلاء اللاجئين ليحلوا ضيوفاً على الحكومة العراقية والشعب العراقي، وبالفعل نقلت عائلات اللاجئين باستثناء الشباب القادر على حمل السلاح في شهر آب من عام 1948 بواسطة آليات الجيش العراقي عبر الأردن، فيما شكل الجيش العراقي من الشباب الباقين (فوج الكرمل) ليقاتل تحت أمرة الجيش العراقي، ثم التحق أفراد هذا الفوج بعائلاتهم بعد انقضاء الحرب بعد أن استصدروا جوازات سفر أردنية ليتمكنوا من دخول العراق.

الوضع القانوني:

بعد وصول اللاجئين الفلسطينيين إلى العراق عام 1948 أصبح هؤلاء تحت ولاية وزارة الدفاع العراقية حيث تم توزيع سكنهم في المقرات الحكومية التي لا تستخدم عادةً في فترة العطلة الصيفية مثل دار المعلمين وكليات الجامعة، ومع انتهاء العطلة الصيفية تم توزيعهم على مناطق مختلفة من العراق بين البصرة وبغداد والموصل في معسكرات وأندية تتبع للحكومة، وكان لهم مخصصات من الطعام والغذاء بشكل يومي كباقي قطع الجيش العراقي، إذ كانوا يعتبرون جزءاً من قطع الجيش في هذه الناحية، وبقي الحال هكذا حتى عام 1950 حيث انتقلت ولايتهم إلى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ضمن مديرية خاصة سميت مديرية شؤون اللاجئين الفلسطينيين في العراق، حيث أعيد توزيع سكن الفلسطينيين وفق نظام السكن الجماعي في الملاجئ التي تفتقر لأدنى متطلبات الرعاية الصحية، ومع تشكيل وكالة الإغاثة الدولية (الأنروا) كان الفلسطينيون في العراق مشمولين برعايتها، إلا أن الأنروا لم تمارس مهامها في العراق إلا لأشهر قليلة خرج بعد ذلك العراق من مناطق عمليات الأنروا بطلب من الحكومة العراقية وبموجب إتفاقية بين الحكومة العراقية والأنروا بأن تقوم الحكومة العراقية برعاية شؤون اللاجئين الفلسطينيين في العراق مقابل إعفاء العراق من أي التزام مالي للأمم المتحدة بهذا الخصوص، وفعلاً خرج الفلسطينيون في العراق من ولاية الأنروا، وفي هذه الأثناء خصصت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل العراقية مبلغ 160 ألف دينار كميزانية لمديرية شؤون اللاجئين الفلسطينيين، وكانت مخصصات الأفراد: 100 فلس للكبير، و50 فلس للصغير يومياً، إلا أن هذه المخصصات بدل أن تزيد مع الزمن كانت تنقص بسبب ثبات الميزانية وازدياد عدد الفلسطينيين، فلم تزدد الميزانية المخصصة للمديرية بين أعوام 1955 و 1973 سوى 50 ألف دينار فقط في الوقت الذي زاد فيه أعداد الفلسطينيين في هذه الفترة أربعة أضعاف تقريباً من (3500 إلى 14000)، ومع ذلك لم يكن جميع الفلسطينيين في العراق مشمولين برعاية مديرية شؤون اللاجئين فقد كان لهذه المديرية شروطها في تسجيل الفلسطينيين مثل: أن يكون من بلد محتل عام 1948، وأن يكون دخل العراق وأقام فيه قبل 25\9\1958، ولغرض لمّ الشمل، أجازت الوزارة ضم الزوجة إلى زوجها المسجل قبل عام 1961 ولا يجوز العكس أي ضم الزوج إلى زوجته.

وبالعودة لموضوع المساعدات فقد كانت هذه المساعدات أداة ابتزاز بيد المديرية تقطعها متى شاءت بصلاحية قرار من مديرها فقط. ثم تقلص دور هذه المديرية وبدأت تقطع المعونات عن كل من يعمل أو يحصل على أي مصدر رزق إلى أن انتهى دورها من ناحية المساعدات لتقتصر على دور السجلات والتعاملات الورقية الخاصة بالفلسطينيين.

هذا من ناحية ولاية ورعاية الفلسطينيين في العراق أما من ناحية القوانين الصادرة بحقهم فقد بقي وضعهم القانون ضبابياً قابلاً للتأويل بألف تفسير حتى صدور القرار الشهير 202 عام 2001، ففي عام 1961 صدر قرار مرقم بـ26 ينظم عملية منح الفلسطينيين في العراق وثائق سفر خاصة ويحدد مدة صلاحيتها، وفي عام 1964 صدر قرار بمعاملة الفلسطيني معاملة العراقي في الوظائف الحكومية من حيث الرواتب والعلاوات، لكن الفلسطيني استثني بموجب هذا القرار من حصوله على امتياز الخدمة التقاعدية بحجة أن ذلك قد يدفعه للتمسك بالبقاء في العراق والتفريط بحق العودة، ومنح الفلسطيني المنتهية خدمته راتب شهر واحد عن كل سنة من خدمته، وفي العام 1965 صدر قرار بشطب كلمة (اللاجئين) من وثائق السفر.

بعد حرب حزيران عام 1967 قام وزير الشؤون الاجتماعية والعمل (أحمد الحبوبي) بزيارة للملاجئ التي يسكنها الفلسطينيون وهاله ما رأى من البؤس الذي يعيشه الفلسطينيون، ونورد نص الرسالة التي رفعها لمجلس الوزراء العراقي آنذاك:

"قمت بزيارة للملاجئ التي يسكنها إخواننا الفلسطينيين فهالني ما رأيت ولا أبالغ لو شبهتها بقبور يسكنها أحياء. فهي لا تختلف عنها من قريب أو بعيد، فليس للشمس مكان فيها أو منفذ إليها، كما أن الهواء النقي مطرود منها، بناؤها قديم متآكل يتهدد أرواح ساكنيها فيعيشون في قلق دائم وخوف مقيم، إن الغرفة الواحدة التي مساحتها 3م×3.25م تسكنها عائلة يتراوح أفرادها بين 7-12 نسمة، وهي محل للطبخ ولغسيل الملابس والصحون والاستحمام والنوم والأكل وهي بنفس الوقت ساحة للعب الأطفال، وليس هناك حاجزا أو فاصل بين عائلة وأخرى وفي هذا ما فيه من خطورة ومحاذير ومشاكل تنجم من اختلاط الفتيات بالفتيان فضلا عما يتهدد الصحة من احتمال انتشار الأمراض والأوبئة خاصة وأن النظافة في هكذا أماكن تكاد تكون معدومة، إن المشكلة أكبر من أن توصف وكما يقول المثل (ليس السامع كمن رأى). إن الإنسان في هذه الأماكن يفقد آدميته وتستحيل حياته إلى ما يشبه حياة الحيوان، أقول ذلك وكلي ألم وأنا موقن أن مجلسكم الموقر سيولي هذه المشكلة العناية اللازمة لإنقاذ هؤلاء المساكين من الحالة المزرية التي يعيشونها وقد دب اليأس في نفوسهم وباتوا في ريب حتى من الأمل في إنقاذهم مما هم فيه فاستسلموا لليأس. ولا أكتمكم مدى المرارة التي رافقتني وأنا أرقب نظرات الأطفال والنساء والشيوخ وقد شحبت وجوههم وغاضت نضارتها وهي ترمقني بعتب محض ولسان حالهم يقول (أهكذا يعيش العائدون؟".

كانت هذه الرسالة قنبلة فعلاً كما سماها الحقوقي العربي هيثم مناع في تقريره حول الفلسطينيين في العراق، على إثرها اتخذت الحكومة العراقية قرار 1 لسنة 1968 تتضمن توصيات بتخصيص أراضي للفلسطينيين مع سلف لمواد بناء، وجرى إصدار تعليمات خاصة بالفلسطينيين تتضمن إعانات نقدية منتظمة.

لكن لم يقدر لهذا القرار أن يخرج عن إطار التوصية، فقد جاء انقلاب حزب البعث في تموز ( يوليو) 1968، إلا أن مجلس قيادة الثورة قد أصدر القرار رقم 366 المتخذ بجلسته المنعقد ة بتاريخ 17\8\1969 والذي عالج في نصه قضايا أهمها:

-إنشاء مجمعات سكنيه شعبيه على غرار مدينة السلام يتوفر فيها كافة الشروط الصحية (كمجموعات سكنيه متكاملة الخدمات) وتبقى هذه الدور ملك للدولة يتمتع الفلسطيني بمنفعتها مادام موجوداً في العراق ولا يحق له شراء الأراضي والبناء وطلب السلف التعاونية والعقارية.
-
مساواة الفلسطينيين بالعراقيين عند التعيين والترفيع والتقاعد على أن يبقى مشروطاً بالإنهاء في حال عودتهم إلى ديارهم.

ولم يسمح لهم مع ذلك بالترشح لمجلس الإدارة حتى عام 1971 حيث سمح للفلسطينيين بالتدرج الوظيفي حتى منصب مدير عام.

في عام 1980 صدر قرار مجلس قيادة الثورة رقم 215 والذي يحق بموجبه تملك الفلسطيني المقيم إقامة دائمة دار للسكن بعد التدقيق وأخذ موافقة وزارة الداخلية والموافقات الأمنية اللازمة، على أن تسجل الدار التي اشتراها الفلسطيني المقيم باسم وزارة المالية.

وفي عام 1983 صدر قرار يوجب على الفلسطيني استصدار موافقة المؤسسة العامة للعمل والتدريب المهني عند عمله أو انتقاله لعمل آخر حتى ضمن القطاع الخاص، وهددت التعليمات كل من يخالفها بحمله على مغادرة البلاد ومنع دخوله مستقبلاً.

في عام 1987 صدر قرار من مجلس قيادة الثورة السابق رقم 936 والذي يحق بموجبه للفلسطيني المقيم إقامة دائمة تملك قطعة أرض سكنيه أو دار سكنيه أو قطعة أرض زراعية.

لكن في عام 1989 صدر قرار يوقف العمل بالقرار 215 الصادر عام 1980 والقرار 936 لعام 1987 لمدة خمس سنوات، وفي نهاية المدة صدر قرار في 7\3\1994 عن مجلس قيادة الثورة رقم 23 ينص على: (يوقف العمل بالقوانين والقرارات التي تجيز تملك غير العراقي العقار أو استثمار أمواله في الشركات داخل العراق، وكل ما من شأنه التملك أو الاستثمار في أي وجه كان)، وبهذا عومل الفلسطيني الذي يقبع في العراق منذ أكثر من أربعة عقود والمؤيد بقرارات سابقة معاملة الأجنبي الذي جاء العراق منذ أيام، وبهذا القرار أصبح الفلسطينيون في العراق عرضة لأي إجراء تعسفي، وأصبح وضعهم القانوني في العراق عرضةً لتأويلات أصغر موظفٍ حكومي، وأصبح لا يحق للفلسطيني تملك ولو خط هاتف، بقي الحال هكذا حتى صدر القرار 202 عن مجلس قيادة الثورة في جلسته المنعقدة بتاريخ 12\9\2001 والذي نص: (يعامل الفلسطيني المقيم إقامة دائمة في العراق معاملة العراقي في جميع الحقوق والواجبات باستثناء الحق في الحصول على الجنسية العراقية). كان هذا القرار الذي جاء بعد سبع سنوات على القرار 23 لعام 1994 وبشكل غير قابل للتأويل لوضوح القرار بشكل كبير، إلا أن الفلسطينيون في العراق لم يقدر لهم أن يتمتعوا بأول امتيازٍ قانوني واضح لهم منذ عام 1948، فبعد عامين فقط سقطت بغداد وسقط معها هذا القرار لتحل مكانه قرارات الطائفية والعنصرية، وبعد كل هذه القوانين التي كانت ألعوبة النظام ظلّ الفلسطينيون في العراق بعد سقوط النظام متهمين بأكبر فرية بتاريخ شتاتهم بأنهم حلفاء النظام السابق الذي ظلمهم وظلم أبناء العراق معهم.

الفلسطينيون في العراق بعد السقوط:

كل ما قلناه سابقاً من حيفٍ وظلمٍ للفلسطينيين في العراق في ظل القوانين الضبابية والتي غدت شطرنج مجلس الثورة يحرك بها أينما يريد ووفق ما يريد بما يتطابق مع سياسته الإعلامية لم يغفر للفلسطينيين عند بعض المتعصبين الذين اتهموهم أنهم عملاء النظام السابق، وأصبح وضع الفلسطينيين في العراق على أسوأ حال يعيشه فلسطينيٌ لاجئ في العالم أجمع، وننوه أنه مع بداية هذه المرحلة قام الأستاذ هيثم مناع مشكوراً بإعداد تقرير حول أوضاع الفلسطينيين في العراق وقد لخص بموضوعية الشقاء الذي يعيشه الفلسطينيون في العراق قبل سقوط النظام ومع بدايته، واليوم ندعوه ليرى الأوضاع التي آلت إليها أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في العراق من خطفٍ وقتلٍ وتعذيبٍ وتمثيلٍ بالجثث، وحرمان من التجول والرعب الذي يعيشه هؤلاء، فلم يعد يهمهم أوضاع السكن الذي يعيشون فيه وحجم المعونات المقدمة لهم، كل ما يحتاجونه هو النجاة بأطفالهم من مليشيا الحقد والإجرام التي تستهدفهم، وبهذا الإطار لا يمكن أن نعتبر أن وضع الفلسطينيين في العراق هو جزءٌ من حالة الفوضى العارمة التي تعم العراق، لأن الفلسطينيين في العراق يُستهدفون بأعيانهم والتهديدات التي تصلهم تسمي أشخاصهم وتركز على كفاءاتهم، وكل ذلك تحت أكبر كذبةٍ يُتهم بها هؤلاء الذين تقل نسبتهم في مجموع الشعب العراقي عن 1% تحت ذريعة أنهم حلفاء النظام السابق.

مع بداية سقوط يغداد لم يطرأ تغير ملموس على وضع الفلسطينيين في العراق في زمن مجلس الحكم وكذلك الأمر في فترة إياد علاوي الذي أرسل برسالة للسفارة الفلسطينية في بغداد يعلمهم فيها أن الفلسطيني في العراق سيعامل بموجب القرار رقم 202 لعام 2001، إلا أن الأمور تدهورت بشكلٍ مخيف في فترة حكومة الجعفري، حيث بدأت حملة تحريض منظمة ضد الوجود الفلسطيني في العراق عموماً و بغداد خصوصاً شاركت فيها أطراف ووسائل إعلام حكومية، وبدأ منها مسلسل الخطف والتعذيب والتمثيل بالجثث، ليصل عدد الشهداء من ضحايا التحريض إلى أكثر من 80 شهيداً ومئات الجرحى وأكثر من 60 معتقلاً حتى الآن دون تهمة، ناهيك عن الذين اعتقلوا وخرجوا وكان آخرهم الفلسطينيون الأربعة الذين ظهرت صورهم على قناة العراقية قبل حوالي أكثر من سنتين وعليهم آثار التعذيب ليعترفوا بمسؤوليتهم عن تفجير بغداد الجديدة تحت وطأة التعذيب، لكنهم خرجوا بعد ثلاث سنوات من التحقيق والتعذيب الذي كانت نتيجته أنهم أبرياء، ومن دون الدخول في تفاصيل عمليات القتل المنظم ضد الفلسطينيين في العراق والتي كان آخرها قتل 9 فلسطينيين وجرح العشرات بهجوم يوم الاثنين 26\6\2006م على سوق الخضار في منطقة البلديات من قبل مليشيات دعمتها مجموعة ترتدي زي مغاوير الداخلية وتركب سياراتها، أطلقت النار على الأطفال والشيوخ والنساء وقتلوا كل من صادفوه من الفلسطينيين من غير وجه حق ودون رقيبٍ أو حسيبٍ على هؤلاء المجرمين، ولكن يمكن تلخيص مشهد مأساة الفلسطينيين في العراق عندما نرى أنه لا تزال صورة المشهد الفلسطيني في العراق مغيبةً إلى حدٍ كبير رغم كل القتل والخطف والتعذيب والحصار المفروض عليهم منذ سقوط النظام عام 2003، وربما يعزى ذلك إلى ضعف الإعلام العربي عموماً، وضياع صورة المشهد وسط حالة الفوضى العارمة التي تعم أرجاء العراق، ثم أن قلة الوثائق التاريخية التي تؤرخ للوجود الفلسطيني في العراق قد ساهمت نوعاً ما في تغييب صورتهم عن واجهة الإعلام.

تحت ولاية من؟

أول دخول لمنظمة الأمم المتحدة من خلال المفوضية السامية لشؤون اللاجئين عام 2003 حين أجرت المنظمة إحصاءً للفلسطينيين في العراق وكانت النتيجة (23520) لاجئاً فلسطينياً في العراق، ثم قامت المفوضية بإيصال المعونات الغذائية للفلسطينيين المقيمين في الخيام في نادي حيفا، بعد أن أخرج هؤلاء من بيوتهم التي سكنوها لسنوات بعد سقوط النظام عندما هجم بعض الأهالي بحجة أن هذه البيوت لهم وأن النظام السابق قد تأجرها منهم بثمن زهيد للفلسطينيين، وأُخرج هؤلاء من تلك البيوت ليعودوا للخيام في نادي حيفا، بعد ذلك قامت المفوضية باستئجار بيوت لهم، وما تزال المفوضية تتابع أوضاع الفلسطينيين في مخيمات الرويشد والهول والتنف، في الوقت الذي تنصلت وكالة الأنروا من مسؤولياتها تجاه هؤلاء رغم كل ما يتعرض له الفلسطينيون سواء في مخيمات التهجير الثانية أو في داخل العراق.

أمام هذا المشهد المغيب أو الذي أريد له أن يغيّب، أصبحت وكالة الأنروا في حلًّ من اتفاقها مع الحكومة العراقية التي أخرجت الفلسطينيين في العراق من ولاية الأنروا عام 1958 ، إلى أين يسير هؤلاء الفلسطينيون في الوقت الذي لا يخضعون لولاية منظمة دولية ولا لحكومةٍ عربيةٍ أو غير عربية؟ ووطنهم فلسطين تنهش فيه الذئاب منذ عام 1948.

بضعة آلاف من مجمع البلديات والزعفرانية من الفلسطينيين قد شكلوا من هول القتل مخيمات في (الرويشد في الأردن، وطريبيل بين الحدود العراقية الأردنية، والهول شمال شرق سوريا، والتنف بين الحدود السورية العراقية، والله أعلم أين سيكون مخيم القادم) وبعبارة أبسط هذا هو مشهد لتشرد المشردين أصلاُ، نكبة أخرى تعيد نفسها في القرن الحادي والعشرين.

14/7/2008