عندما يسألك المواطن العراقي البسيط سؤالاً لا ابسط
منه: الله شافوه بالعين لو بالعقل؟ وبهذا العقل و المنطق ما كنا نحاول ونكتب عنه
منذ بداية المرحلة الانتخابية هذه. و جاءت احداث الأنبار لتؤكد للشعب العراقي
حقيقة من يقف معه و من يقف ضده و هذا الامر هو الذي دعاني لأكتب مقالة قبل اكثر من
سنة، جادلت فيها (أنه الارهاب ، قالوا مطالب شعب).
ان أحداث الأنبار على كل مآسيها وشهدائها و صعوبة
تقبلها من الشعب العراقي انما تقول الحقيقة وتؤكد لنا اليوم من يقف مع العراق
حقيقة بإيمان راسخ ومن يقف على الضد من مصالح الشعب العراقي، ليس بين
السياسيين او النواب او المتعلمين او المثقفين فقط بل وحتى بين كتاب السياسة
وعلى كل مستوياتهم في كل طبقات الشعب العراقي. فبماذا اشارت لنا احداث الانبار
وتؤكده؟
أكدت لنا أحداث الأنبار
أن الشعب العراقي رقم صعب عصي على التفرقة والانقسام بكل مكوناته قوميا و طائفيا و
دينيا مع كل الاغراءات (المادية و القومية والطائفية) التي يلوِّح بها من قبل
عملاء الخارج و ممثلوه. كما و تؤكد احداث الانبار ان قيادة حكومته الرشيدة قد نجحت
بعدم الانجراف وراء كل المغريات والوعود الزائفة و المطالبات الخادعة، و حتى الاتهامات
الباطلة، وذلك بعدم دخول الجيش العراقي مدن الانبار عسكريا لتتحول المشكلة كما كان
مخطط لها كما تحدث اليوم في سورية وفي مصر والسودان الجنوبي، و غيرها من البلدان
العربية. لا نعرف شعباً عانى مثلما عانى الشعب العراقي منذ سيطرة الطغمة البعثية
المجرمة و فلول ارهابها و ازلامها القدماء و الجدد، و لا نعرف عن شعب عانى من
الارهاب الداخلي و الخارجي مثل معاناة هذا الشعب. فاتضحت كل خيوط المؤامرة من خلال
احداث الانبار. فمثلا يعرف شعب الانبار اليوم من يقف معه، و من خذله، بل استغلوا
مشكلته بلائمة قذرة استغلت سياسيا لمصالحهم الخاصة حزبيا و طائفيا و ماليا، و من
الامراء الانفصاليين كالنجيفي و زمرته.
و اكدت احداث الانبار
كذلك فأسقطت كل الادعاءات الزائفة كشعارات حكومة الشراكة و حكومة الائتلافات
وديمقراطية الاقليات وتغليب وتضخيم حقوقها على حقوق الاكثرية النيابية. فنرى اليوم
إصطفاف كريم اخذ يظهر للعلن من قبل اشخاص لا شك في وطنيتهم، اخذوا يتحدون منذ الآن
لتشكيل كتلة الاكثرية النيابية الديمقراطية من كل الاطراف العابرة للقوميات
والطوائف والاديان، ليشكلوا الحكومة الجديدة، حكومة الأغلبية البرلمانية وليست
حكومة الشراكة، وأن تكون على اسس علمية صحيحة منتخبة من الشعب، وليست مختارة
من قبل مراهقين معممين، و لا من قبل ازلام مستبعثين و انتهازيين، ولا من
بقايا سيدهم بريمر، و لا من الطوابير الخمسية المرتبطة بالارهاب السعودي، و
بمؤامرات المخابرات الاجنبية، ولا حتى بمن ورث المقام فاستفحل على شعبه وعلى من
ورثه حتى .
اكثر من سنة، و احداث
الانبار تكشف ما لم يتمكن من كشفه الكثير منا عن ازدواجية المواقف وانتهازية
الاتحادات و سفاهة المتفلسفين والمتثاقفين.
فمثلا قالت اليوم
النائب البجاري عن العراقية في تصريح صحفي صادر عن مكتبها: ان ” جميع
المؤشرات تؤكد ان الجيش العراقي عازم على اقتحام مدينة الفلوجة من خلال قطع جميع
وسائل الاتصالات الهاتفية والانترنيت، ما خلق جوا مقلقا للجميع بشأن ما يجري من
عمليات عسكرية في مدينة الفلوجة”. أليس هذا التصريح من أجل حماية الإرهابيين؟.
أليس هذا التصريح صفاقة حمقاء وهي تمثل المنطقة ولا تعترف بما تدعو له القيادات
الميدانية في المنطقة التي تقف صفا واحدا مع الجيش و في وقت يقف الجيش و ان عن بعد
ليحمي من انتخبها بالامس و جعلها ذو شأن؟
و احداث الانبار تشير
لنا بوضوح لماذا اخذ النجيفي معه أنس التكريتي (ذراع مخابرات الأخوان
المسلمين في أوربا) الذي لا يحمل أية صفة رسمية في الدولة العراقية، اثناء زيارته
الى واشنطن وعلى رأس وفد عراقي الاسبوع الماضي؟. هل اخذه معه ليتوسط عند
الامريكان ليعودوا الى العراق بجيوشهم؟ ام ليزيدوا من عدد اعضاء المخابرات
في العراق، ام ليعقدوا صلح بينهم و بين القادة الفلسطينيين ليستوطنوا ارض الانبار
كمساهمة منهم في حل القضية الفلسطينية؟؟
كذلك كشفت لنا احداث
الانبار اطماع الاطفال المعممين وحلمهم بمنصب المرجعية الشيعية العظمى في
اقليم الجنوب و الوسط عند تكوينه بعد تمزيق العراق لينصب نفسه والياً في
دويلة (ولاية الفقيه). وهذا هو السبب الذي دعى عمار الحكيم الى تسليح
(انبارنا الصامدة) ليسهل عملية الانفصال وتسهل تكوين اقليمهم، ومن ثم لتشكيل اقليم
الوسط باسم (إمارة الحكيم )، وآخر أقليم الجنوب باسم (إمارة الصدر) على
غرار مملكة السعودية الوهابية. ومن ثم إمارة أل مسعود في كردستان، و ال النجيفي في
المحافظات الغربية. إنها أحلام العصافير. وحقاً ما قاله الشاعر:
إن الزرازير لما طار طائرها….
توهمت أنها صارت شواهينا
رب ضارة
نافعة، الشعوب تتعلم من اخطائها. فمع كل التحفظ والاسف على كل احداث الانبار
(الضارة)، الا انها كشفت للشعب العراقي من هم العراقيون الأصلاء، و من هم اعداء
العراق. وهذه ( الترجية) لن تنزع من الآذان الا بعد الانتخابات القادمة
انشاء الله.
كما و علمت احداث
الانبار كثيراً من الناس معنى الوحدة الوطنية وكيف يتجمعوا ويوحدوا كلمتهم عندما
يتعرض الوطن للخطر، و لا ضير أن يختلفوا في بعض الاراء في تشكيل كتلة خيرة
كبيرة، و من بين هؤلاء الاشراف عراقيون حقيقيون ستتشكل منهم تجمعات خيرة عابرة
للتجمعات الطائفية والمليشياتية القديمة.
فمن خلال نظرة حيادية
ثاقبة، و واسعة لوضع الشعب العراقي اليوم نرى تحسناً كبيراً طرأ على
وضع شريحة واسعة من العراقيين في المأكل و الملبس و الخدمات، و نرى كثير من الفرح
على سيمائهم في النظرات الباسمة التي افتقدوها خلال عشرات السنين من حكم
البعث الفاشي، سنوات العجاف والحروب والدمار والحصار. لا ندعي أن ليس وضع العراقي
مثالي، و لا هو على اكمل ما يرام و لم تلبى بعد اكثر طموحات الشعب، لكن من الانصاف
كذلك ملاحظة التغيير نحو الأفضل الذي حصل في العراق، التغيير الذي اجبر
اصحاب المناحات ودموع التماسيح والشكوى الدائمة على الوضع العراقي، اجبرهم
الوضع الحالي ان ينحوا منحى آخر بتغيير الاتجاه الحقيقي للواقع الى اتجاه تخويفي
سوداوي تشاؤمي موهوم لا يوجد إلى في مخيلاتهم المريضة، مثل التخويف من التدخل
الامريكي، او الايراني او الاسرائيلي. كليشيهات مفبركة مسبقا أدمنوا عليها، نعرفها
و يعرف الشعب العراقي اكثر منا مدى زيفها. لكنه في نفس الوقت اخذت تتجمع
شخصيات وطنية وكيانات سياسية تعيد أصطفافها لتأتلف في صف واحد كبير لتحقيق
الديمقراطية الحقيقة، و هي التجمع لتشكيل حكومة الاكثرية النيابية
.
عبدالصاحب الناصر
لندن في 03/02/2014
المصدر : موقع عراق القانون
3/2/2014