سألتني عجوز عراقية
مهجرة الى ايران : هل اعضاء الحكومة والبرلمان يأكلون لحم الخنزير؟
كتب : باسل الربيعي
يوم السبت 5 ديسمبر
الجاري ، اعلن مجلس النواب العراقي رفضه مشروع قانون اللاجئين وقرر إعادته إلى
الحكومة، في ما ابدي أعضاء في المجلس “مخاوفهم” من تجنيس الأجانب. وذكرت الدائرة الإعلامية في مجلس النواب في
بيان صحفي، أن “المجلس صوت بالرفض من حيث المبدأ على مشروع قانون اللاجئين وإعادته
الى الحكومة”.
وتنص المادة (14) من
مسودة مشروع القانون، على أن للوزير احتساب مدة اللجوء التي يقضيها اللاجئ في
جمهورية العراق التي تزيد على عشر سنوات إقامة متصلة لأغراض التجنيس بالجنسية
العراقية ويعد قبول لجوئه دخولا مشروعا الى العراق.
وأثار عرض قانون
اللاجئين في البرلمان الذي يهدف إلى وضع آلية للتعامل مع هذه الطلبات موجة غضب من
قبل عدد من النواب الذين اعتبروا أن “فقراته ملغمة وتتيح تجنيس الأجانب بعد
إقامتهم في العراق لمدة عشر سنوات”.
وقرأنا لاحقا نبأ
استضافة لجنة العمل والشؤون الاجتماعية والهجرة والمهجرين برئاسة النائب ، رعد
الدهلكي ، السفير الفلسطيني في العراق ، احمد عقل ، ومستشار القنصل والمستشار
الاعلامي ، لمناقشة قانون الاجانب . وقيل انه تم خلال الاستضافة التي عقدت في مقر
لجنة العمل مناقشة تعديل قانون الاجانب وتعديل المادة 52 من القانون ووضع صيغة
تتناسب مع اقامة اللاجئين الفلسطينيين و”الحصول على الحقوق المشروعة” وفق القانون
، وطلب رئيس لجنة العمل رعد الدهلكي من الوفد تقديم تقرير حول القانون واعداد
الفلسطينيين الموجودين في العراق لعقد ورشة عمل بهذا الشأن لتعديل القانون ورفعه
الى رئاسة مجلس الوزراء لقراءته قراءة اولى.
هذه الخطوات “الشريفة
والانسانية” جدا ، ذكرتني بامرأة عراقية عجوز هجرها نظام صدام حسين مع عائلتها في
مطلع ثمانينيات القرن الماضي ، مع افراد عائلتها ، واعدم عددا من ابنائها وصادر
الاموال المنقولة وغير المنقولة للعائلة ، وهي تقاسي حاليا في ايران من شضيف العيش
والظروف الاقتصادية البائسة والاشد ايلاما انها تخشى ان تباغتها المنية وتفارق
الحياة وتأخذ معها الى القبر حسرة العودة الى وطنها ورؤية مدينتها وبيتها وجيرانها
واحبتها
.
هذه العجوز تتابع
مايحصل في العراق من فساد واختلاس وسرقات ومحاصصات ، وما شاء الله من “طمطملي
واطمطملك” ، ومع ذلك فهي لاتبدو معنية كثيرا بهذه الامور وتفكر بمعاناتها ، لذلك
سألتني “يمه هذوله اللي بالحكومة والنواب يأكلون لحم الخنزير؟”.
اصبت بالحيرة والذهول
من هذا السؤال ، وقلت لها “ربما بعضهم يتناول لحم الخنزير ففي البرلمان والحكومة
افراد ليسوا على الديانة الاسلامية وبعض المحسوبين على الدين الاسلامي لايتوروعون
ايضا عن فعل المحرمات والموبقات، لكن لم تسألين هذا السؤال؟”.
فقالت “يقولون ان من
يأكل لحم الخزير يتعرض للاصابة ببعض الامراض الجسدية الى جانب امراض نفسية
واخلاقية ، ويؤكد بعض علماء الدين ان هذا اللحم الذي حرمه الله سبحانه وتعالى في
كتابه الكريم ، يذهب بالغيرة ويقضي على العفة والمروءة وحتى انه يتسبب بضعف الذاكرة.
وانني اذ سألتك هذا السؤال لاننا ومنذ نحو 4 عقود وقعنا ضحية لاكبر وابشع وافظع
جريمة عرفها تاريخ العراق الحديث ، لكن السلطات في العراق اهملتنا تماما ولم تعمل
على جبران خواطرنا وتعويضنا بالشكل اللائق والمناسب بما يمكننا من العودة الى
العراق وتوفير حياة حرة كريمة لنا ولاطفالنا واحفادنا على ارض وطننا الذي ضحينا
لاجله الكثير وسفكت على ترابه دماء الالاف من ابنائنا ظلما وجورا”.
واضافت “ارى ان
الغيرة والمروءة والانسانية ماتت في قلوب المسؤولين العراقيين ، لذلك اعتقد انهم
يأكلون لحم الخنزير ، ولا اخفيك يا – يمه – ان بعضهم انذل واخس من الخنزير ، وذلك
لطبيعة المعاملة التي عاملونا بها حين حاول البعض منا استعادة وثائقه الثبوتية او
استرجاع امواله المنقولة وغير المنقولة التي صادرتها حكومة صدام ، فبالاضافة الى
التعنيف والاهانات والتسويف والمماطلة والرشاوى التي كانوا يجبروننا على دفعها لهم
لتمشية معاملاتنا، واجهنا امورا غريبة حينما طالبنا باستعادة اموالنا غير المنقولة
، اذ اجبروا بعضنا على دفع غرامات مالية كبيرة مقابل السماح لهم باسترداد هذه
الاموال كما نحن ملزمون الان بتوكيل محام ليتولى امر ملفاتنا في القضاء والجميع
يعرف التكاليف الباهضة لهؤلاء المحامين ، في حين ان الحكومة العراقية السابقة هي
التي صادرت اموالنا والحكومة الحالية ملزمة قانونا باعادة هذه الاموال لنا
وتعويضنا عن الاضرار المحتملة التي لحقت بها الى جانب تعويض المتملكين الحاليين
لها”.
وتابعت بألم “هل تعلم
يا – ابني – حتى ان الحكومة لم تساعدنا في العثور على رفات شهدائنا ، وهذا الامر
يدمي قلوبنا ، فانا كم اتمنى ان اعثر على رفات ابنائي الشهداء وان ادفنهم في مقبرة
وادي السلام على ان يتوسطهم قبر لي ارقد فيه حين “يأخذ الله امانته” ، وهذه اعظم
امنية عندي ، والحكومة كان باستطاعتها من خلال فريق متخصص بفحوص الـ D.N.A ، استخراج رفاة الشهداء في
مقبرة نقرة السلمان ومقبرة الكرخ المعروفة باسم مقبرة محمد السكران ، وغيرها من
المقابر الجماعية واجراء تلك الاختبارات عليها ومقارنتها مع الحوامض النووية
للاحياء من ذوي الشهداء، وحتى ان الحكومات منذ سقوط الطاغية صدام وليومنا هذا لم
تكلف نفسها عناء البحث عن الافراد المسؤولين في تلك الفترة عن السجون والاعدامات
والتحقيق معهم عن اماكن دفن الضحايا المغدورين ، وهو اجراء يسير لانها تمتلك سجلات
كل المسؤولين عن السجون وتعطيهم اليوم رواتب تقاعدية بكل تأكيد”.
وكشفت لي هذه الام
المكلومة المظلومة ، ان الحكومة خصصت للمهجرين العراقيين مبلغ 10 ملايين دينار من
لجنة المادة 140 ، و4 ملايين دينار من وزارة الهجرة والمهجرين مع قطعة ارض ، مشددة
على ان “عددا قليلا من المهجرين حصلوا على هذه العطايا المخجلة ، فأسألك بالله يا
– وليدي – كيف تستطيع عائلة مهجرة مكونة من عدة افراد ان تعود الى العراق وان تبدأ
حياة جديدة بمثل هذه المنح التي لم يحصل عليها الكثير تحت ذرائع حكومية مختلفة
تتصدرها ذريعة “عدم وجود موازانة” او الدولة تعاني من ازمة اقتصادية ومالية”.
واردفت قائلا ” يمه
ان الحكومة العراقية المقبورة والحالية ، دفعت تعويضات مجزية للكويت ولذوي الافراد
الكويتيين الذين اعتقلهم جيش صدام حين غزا الكويت ومن ثم قام بتفصيتهم جسديا كما
فعل من نحو 20 الف من ابناء العوائل العراقية المهجرة ، ولذلك اتساءل لماذا
لاتعاملنا الحكومة على اقل تقدير مثلما عاملت الكويتيين ، خصوصا وان محكمة
الجنايات العراقية العليا ومجلس النواب ومجلس الوزراء والرئاسة متمثلة آنذاك
بالفقيد جلال الطالباني ، صدقوا على اعتبارنا ضحايا ابادة جماعية ، ونشروا هذا
القرار والاعتراف المرقم 6 لعام 2012 في جريدة الوقائع العراقية المرقمة 4231 في
27 /2 / 2012 ، واعتبر القرار ، ان (ما تعرض له الكرد الفيليين وبالاستناد الى
قرار محكمة الجنايات العراقية العليا ، جريمة ابادة جماعية بكل مايعنيه هذا
التكييف من معنى) وطبعا –
ياوليدي – ان الكرد
الفيليين شكلوا الاكثرية بين المهجرين ، لكن كان ضمن المهجرين شرائح عراقية اخرى ،
تعمد نظام صدام حسين تغييب ذكرهم عن المجتمع العراقي ، وهم العراقيون الناطقون
بالفارسية ، فمثلما في العراق من يتكلم بالعربية والكردية والتركمانية واللغات
الاخرى فهناك مهجرون عراقيون كان اجدادهم يتحدثون بالفارسية ، وقد ولدوا وعاشوا هم
وآباؤهم وحتى اجدادهم في العراق ،مثل سائر المهجرين ، حتى انهم ادوا خدمة العلم
ولم يكونوا مصنفين على اساس انهم اجانب والا لما كان النظام يسمح لهم بأداء خدمة
العلم
“.
وفي ختام حديثها الذي
تخللته موجات من البكاء ، تمزق قلب الصخر ، قالت ان لدى المهجرين العراقيين مجموعة
من المطالب ، والحكومة العراقية ملزمة بتنفيذها ، لافتة الى ان “هذه الجريمة
لاتسقط بالتقادم ونحن نتطلع لان تتظافر جهود الخيرين من ابناء العوائل العراقية
المهجرة ، ولاسيما الذين لديهم تخصص بالشؤون القانونية ، الى رفع شكوى الى محكمة
الجنايات العراقية العليا او المحاكم الدولية ، لمقاضاة الحكومة العراقية من اجل
الزامها بدفع تعويضات مالية مجزية للمهجرين تتناسب وحجم الجريمة التي راحوا ضحية
لها ، الى جانب تسهيل امورهم الادارية والمطالبات المتعلقة باموالهم المنقولة وغير
المنقولة”. وسلمتني هذه العجوز قائمة بمطالباتهم ، ووعدتها بنشرها في مقال آخر .
والذي ذكرني بكلام
هذه العجوز المظلومة ، هو النشاط الحكومي والبرلماني المحموم الرامي الى معالجة
امور الاجانب المقيمين في العراق ، واخذت اتساءل مع نفسي ، هل ان هؤلاء المسؤولين
“ومنهم من يمثلون القوى الاسلامية التي كانت في ايران ابان المعارضة ، وهم الاكثر
معرفة بما عاناه المهجرون العراقيون من مأساة ، اثناء التهجير وما بعده ، وقد شيد
هؤلاء (قادة القوى الاسلامية) كياناتهم السياسية والاعلامية والجهادية على اكتاف
المهجرين” ، واقعا ياكلون لحم الخنزير بحيث ماتت ضمائرهم واسودت قلوبهم وباتوا بلا
غيرة ومروءة ولا حتى شرف ، لكونهم انشغلوا عن امة المهجرين المظلومين اما بفسادهم
ومحاصصاتهم ومنافعهم الشخصية والفئوية ، او بالسعي لتوفير سبل الراحة للاجانب .
وانا بدوري اتساءل ،
هل اهتمت حكومة مصطفى الكاظمي بالمهجرين العراقيين كما تهتم اليوم باللاجئين
الاجانب؟ وهل زار رعد الدهلكي المهجرين العراقيين الذين مازال البعض منهم في
المخيمات في ايران ، او استضاف وفدا منهم للاستماع اليه وهو يحكي عن الايام
السوداء العجاف التي مرت عليهم خلال جريمة يعجز القلم عن وصف ابعادها المأساوية؟
حسبنا الله عليهم ،
انه نعم المولى ونعم الوكيل ، وما من شك ان العزيز الجبار سينتقم منهم شر انتقام
وسيجدون انفسهم يوما ما يعانون من نفس جنس معاناة المهجرين العراقيين المظلومين ،
فسنة الله في الارض ان الانسان يعاقب بنفس جنس ما عاقب به او تعامل به مع الاخرين
، وحينها لاينفع الندم ، ونموذج على ذلك صدام المقبور وازلامه ، الذي مازال ماثلا
امام العيان ، اذ عُلِقوا بنفس الحبال التي عَلَّقوا بها ضحاياهم الابرياء.