اللاجئ الفلسطيني (رائد)، هو أحد الذين فروا من العراق بسبب عمليات القتل والإبادة البشرية للفلسطينيين التي شنتها مليشيات الصدر ، ومغاوير الداخلية العراقية، وعلوج الاحتلال الأمريكي.
رائد غادر العراق في رحلة شاقة مع زوجته وأطفاله، قاصدا الآمن والحياة بعيداً عن أزيز الرصاص وقذائف الهاون.. بعيداً عن مشاهد القتل والتمثيل بجثث الفلسطينيين.. بعيداً عن مشاعر الخوف والذعر من الاقتحامات المتكررة لمنازل الفلسطينيين .وصل رائد وأسرته إلى جزيرة لارنكا في قبرص اليونانية، ليحط رحاله فيها، و ليتفاجأ كغيره من اللاجئين الذين وصلوا لارنكا بمدى التسامح الذي أبداه القبارصة تجاه اللاجئين، بعد معرفتهم انهم فلسطينيون.
رائد الذي كان في أول أيامه في لارنكا دخل المشفى بقصد العلاج، وجلس بجانب امرأة قبرصية مسنة ينتظر دوره، فما كان من هذه القبرصية إلا أن سألته أنت عربي، فأجابها بأنه فلسطيني، فقالت له "فلسطين قبرص" نفس الشيء "أمريكا وإسرائيل وبريطانيا" نفس الشيء وذلك بلغة انكليزية ركيكة، وشعر رائد أن هذه المرآة تريد الحديث معه لكن لغتها الركيكة لم تسعفها في ذلك. رائد ظن ان ما جرى معه في المشفى ليست إلا حادثة عابرة، لكنها لم تكن كذلك فالحادثة تكررت معه يوميا وبأشكال مختلفة، وأقصد هذا التعاطف والتسامح الذي أبداه القبارصة تجاه الفلسطينيين النازحين من العراق.
لرائد جار يعمل جزار، فكلما ذهب رائد للشراء منه، لا يقبل هذا الجزار القبرصي أخذ ثمن اللحم الذي يشتريه رائد ويقول له "انت مثل أخي"!، رائد بدأ يشعر بالخجل من الذهاب إليه للشراء. مشاهد التعاطف والتسامح هذه، تتكرر كل يوم ومع مستويات مختلفة، بين اللاجئ والجار..والطبيب..والمحامي..والموظف...وذات يوم كان عدد من الشبان الفلسطينيين يلعبون الكرة على الشاطئ في "ماكنزي"، فانضم إليهم عدد من الشبان القبارصة، وبعد أيام عاد الشبان القبارصة وقد أصبحوا فريقا ودعوا الشبان الفلسطينيين للعب في ملعب كرة القدم في "فناروميني"، وقد نشأت بين الفريقين علاقات صداقة حميمة، وتجرى المباريات بينهم كل ثلاثة أو اربعة أيام.
هذه صور من مشاهد التسامح القبرصي تجاه اللاجئين الفلسطينيين من العراق، أما الحديث عن صور الجفاء العربي تجاه اللاجئين من العراق، فإني أخجل أن أذكرها، لكن لوضعكم في صورتها عسى أن لا تكونوا قد وقعتم فيها، أو أن تكونوا على حافة الوقوع فيها. صور الجفاء العربي للنازحين الفلسطينيين من العراق، تتمثل في الدرجة الأولى من خلال إغلاق الحدود أمامهم على خلاف الموقف القبرصي في هذا الاتجاه. وإن تمكن الفلسطيني من دخول أية دولة عربية، فلن يتمكن من أن يتفادى استغلاله وبأشكال عديدة منها المادية من خلال إيجارات المنازل المرتفعة، فما أن يعرف هذا الغريب "اللاجئ" أنه من العراق، حتى يبدأ الباعة وكل ضعفاء النفس بامتصاص "دمه"، وهذا الاستغلال يزيد من معاناته، ويحفزه للعودة للعراق رغم معرفته معنى العودة إلى جحيم العراق، لكن بنظره أرحم من ظلم الأخوة.
ومن صور الجفاء العربي، اعتقال الفلسطينيين في المطارات والسجون العربية، أو اعتقالهم في مخيمات صحراوية وتركهم فريسة للحيوانات المؤذية والوضع البيئي المتدهور.
في هذه الأثناء كم هي الأسر الفلسطينية المهجرة من العراق والتي تعيش في خوف ورعب من أن تقوم السلطات العربية بطردها من بلدها، لانتهاء مدة الإقامة أو لأي سبب آخر، وكم هي الأسر الفلسطينية التي تنام الآن في المطارات العربية. ولكم هذه الحادثة التي حصلت أمامي عندما حاولت امرأة عراقية أن تركب حافلة في إحدى الدول العربية، على الفور أجابها السائق بأنه يريد مبلغ معين وهو باهظ جداً فأجابته أنه كثير فقال لها "على كيفك في غيرك". أهذه أخلاق أمة الإسلام.. أيعقل أن يكون الأعجمي أكثر تسامحاً مع اللاجئ الفلسطيني.. والعربي لا يدخر جهداً في التضييق عليه.. هذه دعوة لكل الشرفاء من أبناء الأمة العربية والإسلامية أن لا ندخر جهدا لرفع المأساة والمعاناة عن أبناء شعبنا المهجر من العراق، الفلسطيني والعراقي على حد سواء.
ماهر حجازي
"حقوق النشر محفوظة لموقع "فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"