كان القارب، الذي انطلق من ليبيا وهو يحمل ما يقرب من 500 طالب
لجوء من إريتريا، على بعد نصف ميل فقط من ساحل لامبيدوسا عندما اشتعلت فيه النيران
وغرق. وحتى الآن، انتشلت السلطات الإيطالية أكثر من 350 جثة من المياه.
وقد عجلت هذه الكارثة بإجراء الكثير من النقاش حول ما ينبغي على
الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه عمله لمنع المزيد من الخسائر في أرواح
المهاجرين في عرض البحر، حتى أثناء تزايد عدد القتلى في البحر الأبيض المتوسط، حيث
لقي عشرات اللاجئين السوريين والفلسطينيين حتفهم في 11 اكتوبر عندما انقلب قارب
آخر بين مالطا ولامبيدوسا.
ومقارنة مع العام الماضي، شهد عام 2013 زيادة ملحوظة في أعداد
المهاجرين الذين يحاولون عبور البحر الى إيطاليا ومالطا. في حين وصل حوالي 15,000
مهاجر وطالب لجوء إلى الدولتين الواقعتين جنوب البحر الأبيض المتوسط في عام 2012،
وفقاً للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، نجح أكثر من 32,000 في
الوصول إليهما حتى الآن هذا العام. ومع ذلك، فإن هذا الارتفاع في أعداد المهاجرين
الذين يسلكون ما يسمى بطريق وسط البحر الأبيض المتوسط - الذي عادة ما تبدأ الرحلة
فيه من ليبيا، ولكنها قد تشمل أيضاً أولئك القادمين من مصر والساحل التركي - ليس
غير مسبوق. ففي أعقاب انهيار الأنظمة الحاكمة في تونس وليبيا في عام 2011، لجأ
60,000 مهاجر إلى السفر عبر هذا الطريق، ووصل معظمهم إلى لامبيدوسا.
وتشير تقديرات الموقع الايطالي على الإنترنت "حصن أوروبا"، الذي يتتبع حالات الوفاة في أوساط المهاجرين،
إلى مصرع ما يقرب من 20,000 شخص حاولوا اختراق الحدود الأوروبية منذ عام 1988،
توفيت الغالبية العظمى منهم في عرض البحر.
المسؤوليات غير واضحة
وقد ركزت معظم المناقشات منذ وقوع المآسي الأخيرة على زيادة قدرات
البحث والإنقاذ. واقترحت سيسيليا مالمستروم مفوضة الشؤون الداخلية في الاتحاد الأوروبي
توسيع دور وكالة فرونتكس التي تتولى مراقبة حدود الاتحاد الأوروبي من تنسيق
الدوريات قبالة السواحل الإيطالية في الوقت الحالي إلى تغطية منطقة البحر الأبيض
المتوسط بالكامل. ويمكن أن تزيل مثل هذه الخطوة الغموض الحالي بشأن تحديد البلدان
التي تعتبر مسؤولة عن إنقاذ القوارب المعرضة للمحن والمناطق التي يجب أن ينزل إليها ركاب هذه القوارب.
لكن الدول الست الأعضاء التي تمتلك سواحل على البحر الأبيض المتوسط أبدت بالفعل
معارضتها للائحة المقترحة التي ستحكم العمليات التي تتولى فرونتكس تنسيقها، بحجة
أن القوانين الدولية تحدد بالفعل طرق التعامل مع مثل هذه الأمور.
وقال كريس بوليت، أحد كبار مسؤولي الشؤون القانونية والسياسية في
المجلس الأوروبي المعني باللاجئين والمنفيين (ECRE) الذي يتخذ من بروكسل مقراً له، أن "آفاق تبنيه في المستقبل
القريب محدودة للغاية. فليس هناك مؤشر حقيقي على أن هذه ستكون لحظة حاسمة" .
في الوقت نفسه، وافق البرلمان الأوروبي لتوه على تنفيذ برنامج جديد
يستخدم تقنية متطورة لمراقبة الحدود يسمى نظام مراقبة الحدود الأوروبية
(Eurosur). وسيقوم هذا البرنامج بتنفيذ نظام
لرصد الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي وتقاسم المعلومات بين مختلف وكالات أمن
الحدود الوطنية. ومن المقرر أن يتم إطلاق نظام مراقبة الحدود الأوروبية، الذي يمكن
استخدامه أيضاً لتحديد قوارب المهاجرين التي تتعرض لمحنة بسرعة أكبر، في شهر
ديسمبر القادم، وفقاً لمالمستروم.
ومع ذلك، أشار فيليب أمارال من خدمة اللاجئين اليسوعية (JRS) في أوروبا إلى أن نظام مراقبة الحدود الأوروبية كان قيد الإعداد
لعدة سنوات، أي قبل وقوع المأساة الأخيرة في لامبيدوسا بفترة طويلة. وأضاف في حوار
مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن "الركيزة الأساسية الحقيقية لهذا
النظام هي تشديد الرقابة على الحدود ومنع الهجرة غير النظامية، كما أن هناك
تركيزاً كبيراً على استخدام صور الأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار" .
وأضاف أن "المنتج الثانوي يمكن أن يكون إنقاذ المزيد من
الأرواح في عرض البحر، ولكنه لا يرسم خطوطاً واضحة تحدد البلدان المسؤولة عن قوارب
المهاجرين التي تواجه محنة، ونحن نعتقد أنها فرصة ضائعة".
كما عبر أمارال عن أسفه لحقيقة أن لوائح نظام مراقبة الحدود
الأوروبية لا تشمل صيغة من شأنها أن تعفي ربابنة السفن من المسؤولية الجنائية عند
إنقاذ قوارب المهاجرين. وأكد أن ربابنة السفن "في إيطاليا، يترددون كثيراً
قبل إنقاذ السفن التي تتعرض لمحنة لأنهم يخشون، وهم محقون في ذلك، التعرض
للمحاكمة" بتهمة مساعدة الهجرة غير الشرعية.
وتجدر الإشارة إلى أن ضمان عدم محاكمة ربابنة السفن بتهمة تسهيل
تهريب المهاجرين مدرج على قائمة تشمل 10 تدابير عاجلة تدعو المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى تبنيها لمنع المزيد من الخسائر في الأرواح وزيادة تقاسم
الأعباء بين جميع بلدان الاتحاد الأوروبي.
وقال المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنطونيو غوتيريس
في بيان أصدره يوم 12
أكتوبر: "من المخزي أن نشهد غرق المئات من المهاجرين واللاجئين الذين لا
يدركون خطورة ما يفعلون على حدود أوروبا." كما أعرب عن القلق بصفة خاصة من أن
طالبي اللجوء السوريين كانوا من بين ضحايا مآسي القوارب الأخيرة، قائلاً:
"لقد فروا من الرصاص والقنابل ليلقوا حتفهم حتى من قبل أن يتمكنوا من طلب
اللجوء" .
وفي غياب أي اتفاق على مستوى الاتحاد الأوروبي حول كيفية التعامل
مع الهجرة غير النظامية عبر البحر الأبيض المتوسط، أعلنت إيطاليا في 14 أكتوبر
أنها سترفع كثافة تواجدها الجوي والبحري بمعدل ثلاثة أضعاف في جنوب البحر الأبيض
المتوسط بغرض الاستجابة بشكل أفضل لاحتمال تحطم السفن. وفي اليوم التالي، أشارت
السلطات الإيطالية إلى إنقاذ 370 مهاجراً من ثلاثة قوارب في المياه الواقعة بين
ليبيا وصقلية.
من جانبه، رحب أمارال بهذه الخطوة التي اتخذتها إيطاليا، لكنه شدد
على ضرورة تقاسم مسؤولية البحث والإنقاذ مع الدول الأعضاء الأخرى، مؤكداً أن
"الغرض الأساسي من الاتحاد الأوروبي هو التضامن، ولذلك لا يمكن إلقاء كل
المسؤولية على عاتق إيطاليا ومالطا، بل ينبغي على البلدان الأخرى أن تقديم العون
والمساعدة" .
الحاجة إلى توفير خيارات الهجرة القانونية
وقد ضمت مفوضة الاتحاد الأوروبي مالمستروم صوتها إلى صوت منظمات
حقوق المهاجرين التي ترى أنه على المدى الطويل، الطريقة الوحيدة لإثناء المهاجرين
وطالبي اللجوء عن دفع المال للمهربين لنقلهم عبر البحر الأبيض المتوسط في سفن
متهالكة هي توفير المزيد من السبل القانونية التي تتيح لهم دخول أوروبا.
مع ذلك، أكد بوليت من المجلس الأوروبي المعني باللاجئين والمنفيين
عدم وجود أي استعداد يذكر لدى الدول الأعضاء حتى للانخراط في نقاش حول فتح القنوات
القانونية لذوي المهارات المتدنية من المهاجرين وطالبي اللجوء لدخول أوروبا. وأضاف
أن "هذا نهج ينم عن نفاق شديد في الوقت الراهن" .
"إن النقاش كله يتركز الآن على زيادة قدرات البحث والإنقاذ ومحاولة
منع الهجرة غير النظامية. إنه يركز بشدة على أعراض المشكلة، بدلاً من معالجة
أسبابها الجذرية. ولا توجد مناقشات تذكر حول الطريقة التي من المفترض أن يلجأ
إليها هؤلاء الناس لدخول أوروبا" ، كما أوضح بوليت.
واتفق معه أمارال في هذا الرأي قائلاً: "هناك بالتأكيد حاجة
إلى توفير قناة [قانونية]، خصوصاً لطالبي اللجوء، ولكن في الوقت الراهن، لا توجد
إرادة سياسية لفتح أبواب أوروبا، والرأي العام السائد أبعد ما يكون عن ذلك" .
المصدر : شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين(
مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية
(أوتشا)
18/10/2013