نشرت صحيفة " هولير " الكردية اليومية التي تصدر في أربيل في عددها 1325 بتاريخ 3/5/2012 اللقاء الذي أجرته مع أيمن الشعبان الخبير بشأن اللاجئين الفلسطينيين في العراق، حيث أدار الحوار هيمن بابان رحيم، وفيما يلي نص الحوار:
بعد 2003 ماذا و كم بقى من فلسطينيي العراق في البلد؟ و إلى أين ذهبوا؟
بداية أشكر صحيفة هولير اي على هذا اللقاء، وإتاحة المجال لتوضيح كثير من الحقائق الغائبة المتعلقة بفلسطينيي العراق.
بعد احتلال العراق عام 2003، تعرض الوجود الفلسطيني لاضطهاد وظلم وانتهاكات متنوعة؛ من قتل وتهديد وخطف وتعذيب وتشريد وإهانات وتحريضات طائفية عبر وسائل إعلام مختلفة، كل ذلك أدى لحصول عمليات شتات وهجرات جديدة متكررة لأماكن مجهولة، وأسست العديد من المخيمات الصحراوية كمخيم رويشد داخل الأراضي الأردنية ومخيم الكرامة بين الحدين العراقي-الأردني، ومخيم التنف بين الحدين العراقي-السوري، ومخيم الوليد بالأراضي العراقية عند الحدود السورية ولا زال شاخصا لحد الآن، ومخيم الهول في المثلث السوري العراقي التركي بمحافظة الحسكة داخل الأراضي السورية، وقبل ذلك مخيم العودة في نادي حيفا الرياضي بمجمع البلديات.
بحسب إحصائية مفوضية شؤون اللاجئين عام 2003 كان عدد الفلسطينيين في العراق قرابة 25 ألف فلسطيني، تهجر غالبيتهم إلى قرابة 47 دولة معظمها أجنبية، ولم يتبق منهم الآن في العراق إلا 6000فلسطيني أي 20% فقط لو أخذنا بالاعتبار عامل النمو السكاني، ولا تزال أعداد كبيرة غير مستقرة وتعاني من ظلم وضيق من أنواع أخرى، فلا وضع قانوني ولا اهتمام إغاثي إنساني، وهنالك إهمال كبير من قبل المفوضية، فقرابة 2000فلسطيني يعانون في قبرص، وقرابة 3000 يعانون من عدم الاستقرار في سوريا، و200 لاجئ في مخيم الوليد، وعوائل في ماليزيا والهند وأندونيسيا والبرازيل وإيطاليا أيضا يعانون، وكل معاناته تختلف عن الآخر، لكن القاسم المشترك بينهم هي المعاناة وعدم الاستقرار!
كم عدد قتلى و جرحى و مختطفي الفلسطينيين في العراق؟ و من أكثر الجهات التي تطاولت على فلسطينيي العراق بعد 2003؟
لا توجد هنالك إحصائيات دقيقة بسبب الوضع المعقد والظروف القاسية التي مررنا بها بتلك الحقبة، لكن بحسب تتبعنا ورصدنا لكثير من الحالات، يقدر عدد الشهداء بإذن الله 300 والجرحى يتجاوزن 100 جريح، وكذلك المختطفون أكثر من 100 منهم من لاقى أشد أنواع التعذيب وتمت تصفيته، ومنهم من نجا بأعجوبة، وهذه الأرقام مقارنة مع عددنا القليل تعتبر كبيرة.
بحسب دراسة ميدانية قمنا بها للأعوام بين( 2003-2006) فإن الميليشيات الطائفية الموالية لإيران وغالبيتها ممثلة كأحزاب في الحكومة العراقية كميليشيا جيش المهدي، كان لها النصيب الأكبر في استهدافنا بنسبة 88%، ثم الأجهزة الأمنية الحكومية ثم قوات الاحتلال الأمريكي ثم حالات عشوائية، هذه كلها بنسبة 12%.
ما دور إيران و إسرائيل كلا على حده في ما لحق بالفلسطينيين في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين؟ وهل تتهمونهما بقتل الفلسطينيين؟
بطبيعة الحال كان للكيان الصهيوني دور كبير في العراق بعد احتلاله، وكانت العديد من المنظمات الصهيونية فعالة في بغداد كمنظمة دلتا، والوجود الفلسطيني في العراق كونه منذ عام 1948 يحرص اليهود على تصفيتهم بشتى الوسائل من قتل وتشريد وتهجير جديد وتضيق، لتصفية حقنا بالعودة لأرضنا وإضعاف مطالبتنا بذلك من خلال إشغالنا بوضعنا القانوني والإنساني وأن نعيش حياة غير مستقرة، أضف لذلك أن آبائنا وأجدادنا تهجروا عنوة من قراهم بعد الهدنة الثانية في صيف عام 48 وهذه إدانة كبيرة لهذا الكيان الغاصب وخرق فاضح لهم، فلا نشك في ضلوعهم بطريق أو آخر بما حصل لنا من فواجع.
أما إيران فنقول وبكل يقين أنها تتحمل وزر كبير وسوف يكون ما حصل لنا في العراق وصمة عار عليها إلى يوم الدين، فميليشياتها وأذرعها في العراق هم من ارتكب أفظع الجرائم والمجازر بحقنا، ما أدى لتهجيرنا وتشرذمنا وتشتيتنا في بقاع الأرض بعيدا عن أرضنا الحبيبة فلسطين، كما أن إيران لها مشروع صفوي فارسي للهيمنة على المنطقة وهدفهم الأول بغداد، ولما كان الوجود الفلسطيني على قلة عدده بقوميته العربية ومذهبه السني كان لابد من تصفية هذا الوجود ليحلو لإيران وأتباعها في المنطقة تنفيذ هذا المخطط الذي وصلوا فيه مراحل لا يمكن تجاهلها.
وعليه وبشكل واضح إيران ضالعة في قتلنا وتشريدنا، والصهاينة بطريق أو بآخر كذلك.
يقال أن الفلسطينيين المقيمين في العراق شاركوا صدام حسين حروبه ضد شعبه لذا كان أغلبية الفلسطينيين ينعمون بما هم كانوا عليه؟
هنالك عدة إشكاليات ومغالطات لابد الوقوف عليها في هذا السؤال المليء بالألغام!!
بتقديري جيش كالجيش العراقي بوقته وكذلك الأجهزة الأمنية بمختلف أصنافها، لا تتوقف ولا يمكن منطقيا أو عقلا حاجتها لجالية قليلة كالفلسطينيين، فنحن عددنا قليل مقارنة مع عدد إخواننا العراقيين، أضف إلى ذلك أننا ضيوف على جميع مكونات الشعب العراقي، فعن أي حروب شاركنا فيها ونحن بهذا العدد؟!
فمن ادعى ذلك فعليه بالأدلة والبراهين والوثائق بالأسماء والتواريخ، وكما قيل: الدعاوى إذا لم تقم عليها البينات فأصحابها أدعياء، فهي مجرد ادعاءات لا أساس لها من الصحة.
هنالك إشكالية أخرى تعلق بأذهان كثير من العراقيين بل حتى غيرهم، وهي أنهم يعتقدون أن أعداد اللاجئين الفلسطينيين في العراق كبيرة تتجاوز النصف مليون أو المليون أو 300 ألف كأقل تقدير، وهذا ما دفعهم لإشاعة هذه الأقاويل باعتبارهم قوة وثقل ديمغرافي، وبالتالي تأثيرهم في الساحة العسكرية والسياسية، والأرقام تدل خلاف ذلك فينبغي التنبه لهذه الإشكالية.
هنالك مغالطة كبرى يبني عليها الكثير أشياء خيالية وغير واقعية؛ وهي أن الفلسطيني مرفه ومنعم في فترات النظام السابق، وهذا ما تنفيه الحقائق والوقائع والحالة المزرية التي كان يعيشها الفلسطيني آنذاك.
فعن أي امتيازات يتحدثون وآخر عشر سنوات قبل الاحتلال لا يحق للفلسطيني تملك عقار ولا فتح حساب في البنك ولا تسجيل سيارة باسمه ولا حتى خط هاتف أرضي!! وقبل ذلك منذ عام 1948 ولحد هذه اللحظة لم تحل مشكلة سكن الفلسطينيين التي تتحملها الحكومات العراقية المتعاقبة لأنها رفضت تكفل الأنروا بذلك، ولا زال الفلسطينيون يعيشون حياة مزرية بائسة، ونعطي مثالا واحدا عندما زار وزير العمل السابق أحمد الحبوبي عام 1967 مجمع الزعفرانية ورفع تقريرا لمجلس الوزراء قال فيه: هالني ما رأيت حيث شاهدت قبور يسكنها أحياء !وهل تعلمون أن هذا المجمع لا زال قائما لحد هذه اللحظة؟!!
فالامتيازات التي تشاع هنا وهناك، هي أكذوبة كأكذوبة أن الفلسطينيين باعوا أرضهم لليهود، وهذا ما تنفيه أبسط الحقائق والتاريخ والوقائع، فلا امتيازات ولا رفاهية عن غيره كانت لنا، لأننا عندما نقول امتيازات هذا يعني أنه تميز بأشياء قد حرم منها غيره، وهذا غير صحيح، وأنا أتمنى لأي جهة إعلامية الآن تزور أماكن سكن من تبقى من الفلسطينيين في منطقة الزعفرانية أو الحرية أو الطوبجي أو الأمين أو حتى البلديات ليعرفوا حقيقة تلك الامتيازات!! لكن نقول سابقا كنا نعيش بأمن وأمان نسبيين بحسب الحالة العامة للبلاد، وكنا بمنأى عن أي استهداف طائفي عنصري نوعا ما، هذا ما جعل الفلسطيني آنذاك يحس بشيء من الاطمئنان، الذي فقده بعد عام 2003.
هل تعتقدون بان قلة من الفلسطينيين شاركوا صدام حروبه ضد شعبه، وهل تعتبرونهم خونة؟
نحن كفلسطينيين ضيوف على جميع مكونات الشعب العراقي، ولم يكن وجودنا اختياريا في العراق بل كان اضطراريا لما تعرضنا له من تهجير وتشريد عن أرضنا فلسطين، وعليه يفترض أن لا نتدخل بشؤون البلد الداخلية مهما بلغت، لأننا غير معنيين بذلك ولا نشكل ثقلا فلنا همومنا وقضيتنا، فلا أعلم أن ذلك قد حصل إطلاقا.
ما رأيكم بالدولة الكردية و هل تؤيدونه؟
أعتقد أن الأكراد أحسنوا التصرف وتعاملوا بذكاء وحنكة، عندما كوَّنوا كيان قوي مستقل فأصبحوا رقما صعبا في المعادلة العراقية، على العكس من غيرهم، وكون هنالك قواسم مشتركة بيننا وبين إخواننا الكرد، وهي الدين والقضية والأصالة فنحن بطبيعة الحال نؤيد ذلك على أن لا يؤثر على أمن ووحدة واستقرار العراق وما يتعرض له من مخاطر، حتى أصبحت مناطقكم آمنة ومستقرة بخلاف محافظات العراق الأخرى.
كم عدد الكرد في فلسطين و ما دورهم في البلد؟
لا أعلم أن هنالك حاليا في فلسطين أكراد على غرار تجمعاتهم في العراق وسوريا وتركيا وإيران، لكن الكرد لهم جذور وتاريخ عريق لاسيما في الدولتين النورية والصلاحية أبان الحروب الصليبية امتد حتى الدولة العثمانية، وكان يسكن الكرد القادمين إلى القدس بعد فريضة الحج في حي الأزبكية، ومكث عدد منهم في القدس ونابلس والخليل وغيرها، حتى عرفت حارة الأكراد في القدس والتي تعرف اليوم بحارة الشرف.
وكان أعداد من العلماء والمجاهدين وطالبي جوار القدس والعباد يمكثون بها، وهنالك العديد من العوائل الفلسطينية الحالية يقال أن أصولهم من الكرد كعائلة الهشلمون وأبو خلف والبيطار ولزوم وأبو زعرور وغيرها من العوائل.
هل تتواجد إسرائيل و أجهزتها الإستخباراتية في العراق و إقليم كردستان؟ كيف و ما دلائلكم؟
عدة وسائل إعلام غربية وعربية تحدثت عن وجود نشاط للموساد الصهيوني في المناطق الكردية، لا سيما وأن شمال العراق منفتح وفيه نهضة تجارية وله ثقل سياسي واقتصادي كبير، أما في بغداد فهذا لا يخفى لأن الصهاينة هم وجه آخر للمحتل الأمريكي في العراق، فالكيان الصهيوني حريص على ديمومة واستمرار بقاءه محتلا مغتصبا لفلسطين، وهذا ما يجعله يستثمر أي ثغرة وفرصة بأي مكان في العالم، لا سيما في المنطقة لتحقيق ذلك، ويحافظ على الهيمنة الاقتصادية والإعلامية بل حتى السياسية والعسكرية، كما أن اليهود يعتبرون دولتهم ممتدة من النيل إلى الفرات.
ما موقف الحكومة العراقية تجاهكم؟
موقف سلبي للغاية، بل الحكومة العراقية الحالية بأجهزتها الأمنية ضالعة في كثير من الانتهاكات واستهداف الفلسطينيين، لاسيما مطلع هذا العام حصلت العديد من الاعتقالات العشوائية الغير مبررة، وتم اعتقال أشخاص أبرياء يتعرضون لأشد أنواع التعذيب للإدلاء باعترافات مفبركة، وهذا كله انعكس بشكل سيء على من تبقى من الفلسطينيين، في الوقت الذي كان ينبغي أن تتحمل الحكومة العراقية مسؤولياتها القانونية والأخلاقية وهذا لم يحصل.
المصدر: صحيفة هولير الكردية
العدد 1325
3/5/2012