القرار
أصاب اللاجئين الفلسطينيين بصدمة، حيث لم يفهموا المبرر الحقيقي له، لا سيما أنهم
يعانون من صعوبة المعيشة وغياب فرص العمل في ظل اقتصاد منهار واضطرابات متكررة،
فبحكم أنهم الفئة الأضعف في البلاد فكل حاكم يخلع منهم بعض المميزات ليثبت لشعبه
أنه جاء لحل الأزمات الاقتصادية.
وبلغ عدد الفلسطينيين في العراق
سابقاً نحو 40 ألفاً، غالبيتهم لجؤوا إلى البلاد عام 1948، لكن بعد الاحتلال
الأميركي عام 2003 قتل منهم مئات على يد القوات الأميركية وميليشيات عراقية، كما
اعتقل مئات آخرون على يد القوات الأميركية والحكومية العراقية، تحت ذرائع مختلفة،
ومات عدد غير قليل منهم داخل السجون.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحدّ، إذ
أُخطر الآلاف منهم بالرحيل من العراق برسائل تهديد أرسلتها الميليشيات، وحوصر
الآلاف منهم، وغالبيتهم من النساء والأطفال بين عامي 2005 و2007 عند الحدود
العراقية- السورية والحدود العراقية- الأردنية، إذ رفضت دمشق وعمّان استقبالهم،
كما رفضت بغداد إعادتهم مجدداً إليها، وتوفي عدد كبير منهم قبل أن تتبرع دول
أجنبية، غالبيتها من أميركا اللاتينية، باستقبالهم برعاية من الأمم المتحدة، ما
أدى إلى تراجع عددهم إلى نحو 6 آلاف لاجئ فقط كعدد كلي من أصل 40 ألفاً.
وضع مأساوي وحكومات العراق تجرد
الفلسطينيين من مزاياهم تدريجيًا
القرار الصادم وضع الفلسطينيين في
مأزق، حيث يبلغ البدل المقدم من المفوضية 300 دولار أميركي شهريًا، أي ما يعادل
320 ألف دينار عراقي، وهو مبلغ صعب الحصول عليه شهريًا في ظل أوضاع اقتصادية شديدة
الصعوبة على أصحاب البلاد أنفسهم وليس الضيوف أو اللاجئين، خاصة أن الحكومة
العراقية تحاول خلق حلول للأزمات الاقتصادية المتلاحقة، مما اضطرها لاتخاذ إجراءات
خطيرة وصفها البعض بغير الإنسانية ضد الفلسطينيين في العراق، من بينها حجب البطاقة
الغذائية الشهرية عن الفلسطينيين، والتي تمثل عصب معيشة العائلة في العراق، وكذلك
منع الحقوق التقاعدية للفلسطيني المتوفى، وحرمان ورثته من امتيازاته.
فضلاً عن قرارات أخرى تتعلق
بالطلاب، والتنافس على الوظائف والخدمات، وإعادة فرض رسوم الصحة والتعليم والخدمات
المختلفة على الفلسطينيين، بعدما كانوا معفيين منها، فضلاً عن حرمانهم من التقدم
بطلبات للحصول على سكن ضمن المشاريع الحكومية.
وحرمانهم من القانون (21) الخاص
بتعويض ضحايا العمليات الإرهابية والأخطاء العسكرية التي ارتكبتها القوات
الأميركية خلال احتلالها للعراق أو القوات العراقية، وهو ما يعني مضاعفة الصعوبات
التي يعاني منها آلاف الفلسطينيين في العراق.
«فلسطينيو العراق».. لا تعترف بهم "أونروا"
ولا تريدهم حكومات العراق
الفلسطينيون في العراق لا يخضعون
لتعريف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" فالوكالة لا
تعتبرهم ضمن مناطق عملها، ونظرًا للاضطرابات السياسية الشديدة وتغير نظام الحكم،
أصبح هناك التباس شديد في اعتباريتهم القانونية، فلم يعد تعريفهم كلاجئين معترفاً
به من قبل الحكومات المتعاقبة على العراق، رغم أن القانون العراقي رقم 202 ينص على
أن للفلسطينيين حقوقًا مثل المواطنين العراقيين، وتشمل الامتيازات وحقوق المواطنة
كاملة، كالعمل في الدوائر الحكومية والتعليم والصحة والإعفاء الضريبي، إلى حين
تحرير بلده وعودته إليها".
ووفق المفوضية الأممية لشؤون
اللاجئين؛ فإنّ عدد اللاجئين الفلسطينيين في العراق يبلغ نحو 8000 لاجئ، من أصل ما
يفوق الـ 270 ألفاً من طالبي اللجوء واللاجئين المسجلين لدى المفوضية. وكانت
الحكومة العراقية قد قضت في وقتٍ سابق، بحسب وثيقة مصدقة من قبل الرئيس العراقي
السابق، فؤاد معصوم، خلال العامين (2014- 2018)، بتجريد الفلسطينيين المقيمين في
العراق من الحقوق والامتيازات الممنوحة لهم منذ عام 1948
وبموجب بروتوكول كزابلانكا، خلال
عام 1965، الذي أقره وزراء خارجية الدول العربية بخصوص معاملة اللاجئين
الفلسطينيين؛ تلتزم الحكومة العراقية بمنح اللاجئين الفلسطينيين الحقّ في العمل،
والدخول والخروج متى اقتضت مصلحتهم لذلك، ومنح الفلسطينيين المقيمين وثائق سفر
يتمّ إصدارها وتجديدها لهم دون تأخير.
هل قرر العالم التكاتف ضدنا
ليقتلونا ببطء
يقول ياسر خالد (44 عاماً) فلسطيني
يعيش في بغداد، نعلم أن لا أحد يريدنا على أرضه، ولكن أين نذهب، الأرض ضاقت علينا
بما رحبت، ولا نعلم كيف نعيش، كنت قبل أعوام من الغزو الأميركي للعراق كانت حياتنا
مستقرة إلى حد كبير، فنعيش مثلما يعيش العراقيون، ولكن مع الغزو وما تلاه من قتل
وتهجير وتهديدات بالقتل بدأت حياتنا تتحول لجحيم، وكل عام يمر نتفاجأ فيه بكارثة
جديدة تحل على رؤوسنا.
وأضاف خالد، الآن لا يوجد عمل لنا،
ولا يوجد مواد تموينية، ولا بدل إيجار سكني، فنحن محرومون من العمل والمال والسكن
والتعليم والصحة، فأي حياة تلك، متسائلًا: "هل قرر العالم أن يتكاتف ضدنا
ليقتلوننا ببطء".
عشنا في العراق في السراء
والضراء.. والآن سنترك لنموت جوعًا؟
في السياق نفسه، يقول فارس
إسماعيل، 42 عاما، الوضع أصبح شديد الصعوبة، وكأننا ننتظر قراراً نهائياً بإعدامنا
بدلًا من العذاب المتصل، أعمل الآن بائعا متجولا، منذ أن جئت للعراق في صباي
اعتبرتها وطني، ومع احتلالها لم أفكر رغم وجود فرصة في مغادرتها، فالعراق وطن أعيش
فيه في السراء والضراء، ولكن العراق الآن هو مَن يرفضني، وتساءل: "هل بضعة
آلاف فلسطيني هم مَن يرهقون ميزانية الدولة العراقية؟"
وتابع إسماعيل، يسألني أطفالي أين
وطننا، لماذا لا يريدنا أحد هل نحن سيئون؟ هل يعاقبنا الله على احتلال الصهاينة
أراضينا؟، لا أجد جواباً لأسئلته البريئة، وأعده أن نتظاهر ولن نتركهم يقتلوننا
جوعًا، ولا أعرف إلى متى سنستطيع الصمود أمام هذا الكم الرهيب من الصعوبات التي
تستحيل معها الحياة.
المصدر
: العرب مباشر
3/7/1441
27/2/2020