للدكتور عباس مذهب مرتب حول
يهود الدول العربية، ويمكن أن نقرأ ذلك في كتابه “الصهيونية – بداية ونهاية”
(1977)، وتظهر خلاصة فكرته أيضاً في مقال نشره في 7 نيسان 2012 في وكالة “معاً”
للأنباء الفلسطينية، تحت عنوان “يهود العراق”، الذين يرى فيهم نموذجاً لما جرى
ليهود الدول العربية.
بزعم
عباس، تطلعت الحركة الصهيونية بأن تبني دولة يهودية أشكنازية ذات طابع
غربي–أوروبي، ولهذا لم ترغب بجلب يهود الدول العربية إلى "إسرائيل".
ولكنها اضطرت إلى أن تغير نهجها، لما لم يأتِ اليهود من أوروبا بجموعهم، وكذا بسبب
الحاجة الملحة، في أعقاب هرب العرب، للأيادي العاملة التي تعمل في المهن التي
يحتقرها يهود أولمرت. ولكن، على حد قول عباس، فإن يهود الدول العربية لم يرغبوا في
الهجرة إلى "إسرائيل" لأنهم كانوا يستمتعون بالحياة في بلدانهم،
وأقنعتهم الحركة الصهيونية بالهجرة من خلال تخويفهم بوسائل عنيفة، مثل إلقاء
القنابل في أوساطهم في الكنس والمحلات التجارية.
لقد
احتل الشرخ الطائفي – الأشكنازي – السفرادي مكاناً محترماً في كتابات عباس وهو
يقتبس بتوسع عن كتاب بار موشيه “خروج العراق” (1972)، وصف المعاناة التي اجتازها
يهود العراق حين وصلوا إلى البلاد واغتراب المؤسسة "الإسرائيلية" تجاههم.
وشهد
عباس أمام عائلة بار موشيه على أنه بكى حين قرأ الكتاب الذي ذكره بقصة حياته
وبمعاناة الفلسطينيين، وقال، في شبه ضحك: “لي ولكم قصة مع الأشكناز”. وهو يسعى الآن
لأن يطبع كتاب بار موشيه من جديد وينشره في الدول العربية التي يجري معها الحساب
على تشجيعها خروج اليهود وعلى مساعدتها –بذلك- الحركة الصهيونية في تحقيق أهدافها.
“الصندوق
التأسيسي” العربي
من
خلال كتب ذكريات الكُتّاب من أصل عراقي عن حياتهم هناك وعن شكل استيعابهم في
البلاد، يرغب عباس في تعزيز الرواية التي تقول أن ليس لليهود صلة ببلاد
"إسرائيل"، وإن يهود الدول العربية استغلهم اليهود الأشكناز الذين ليسوا
أبناء ذات الشعب. وعليه، يقترح عباس على الدول العربية في الكتيب الذي كتبه
(“مطلوب صندوق تأسيسي عربي”، 1982، والطبعة الثانية في 2011) لإقامة “صندوق
تأسيسي” عربي يمول عودة اليهود إليها. وهو يعرض هذا العمل كواحد من الكفاحات
الفلسطينية. وهو يؤمن بأن هكذا تصل الصهيونية إلى منتهاها.
لقد
حظيت أفكار عباس مؤخراً بتأكيد ومديح من موفق مطر، كاتب الرأي في “الحياة
الجديدة”، الصحيفة الرسمية في السلطة الفلسطينية، فنشر في 5 وفي 8
"أيلول" 2019 مقالاً من جزأين، عنوانه يشبه عنوان الكتيب الذي نشره
عباس. ويكرر مطر فكرة عباس حول السبيل الذي جيء به اليهود من الدول العربية، ويشير
إلى أنه إذا كان الفلسطينيون هم الضحية الأولى للحركة الصهيونية، فإن يهود الدول
العربية هم الضحية الثانية.
ويضيف
مطر بأن “العرب اليهود الشرقيين والسفراديين” (هكذا يسمي اليهود من الدول العربية)
أسكنتهم المؤسسة الأشكنازية في مناطق الجبهة كي يكونوا لحماً للمدافع، وبعد أن
أدركوا بأن حياتهم أصبحت جحيماً وأنهم في واقع الأمر ضحية الحركة الصهيونية، فإنهم
يريدون الهرب من "إسرائيل" والعودة إلى بلدانهم الأصلية. مثل عباس، مطر
أيضاً يدعو إلى إقامة صندوق تأسيسي عربي يساعد اليهود العرب، التي لم تنجح كل خطط
التحويل الصهيونية في تغييرهم للعودة إلى بلدانهم، إلى جذورهم وثقافتهم وتحريرهم من
“قيود الدولة الإمبريالية العنصرية التي استغلتهم”.
كما
يدعو مطر الدول العربية إلى إلغاء كل القوانين ضد اليهود وإعادة أملاكهم إليهم.
وشدد أن على الفلسطينيين أن يوثقوا العلاقات مع يهود الدول العربية كخطوة أولية
لإعادتهم، بل وأشار إلى أن السلطة الفلسطينية بدأت عمل ذلك في إطار لجنة التواصل
مع المجتمع "الإسرائيلي" التي تشكلت في 2012.
من
يقبل “الآخر”؟
على
رأس لجنة التواصل يقف محمد المدني، وبصفته مسؤولاً في السلطة استغل بطاقة الدخول
الـVIP للقاءات وزيارات لآلاف
"الإسرائيليين". وادعى المدني في مقابلاته مع الإعلام
"الإسرائيلي" بأن هدف اللقاءات هو مد الجسور بين المجتمع
"الإسرائيلي" والفلسطيني وإقناع "الإسرائيليين" بأن
"السلام هو مصلحة الطرفين وبالحاجة إلى حل الدولتين اللتين تعيشان الواحدة
إلى جانب الأخرى".
غير أن
محافل في جهاز الأمن تعتقد أن أهدافه مختلفة. فقد منع دخول المدني إلى
"إسرائيل" في 2016 بأمر من وزير الدفاع في حينه افيغدور ليبرمان بدعوى
أنه يقوم بنشاط سياسي تآمري في البلاد ويحاول بتكليف من عباس أن يقيم قوة سياسية
في "إسرائيل". في كراس نشرته اللجنة بالعبرية قبيل انتخابات "نيسان"
2019، شرحت سبب تصميم الفلسطينيين على مواصلة دفع الرواتب لـ"المخربين"
السجناء في "إسرائيل" وعائلات “الشهداء” ومواصلة التحريض في كتبهم
التعليمية.
واليوم،
كما أسلفنا، نقلت اللقاءات مع "الإسرائيليين" إلى المقاطعة في رام الله،
ووفقاً لصفحة اللجنة عبر “فيسبوك” بعنوان “فلسطين بالعبرية”، زارها في أثناء العام
2019 نحو 5 آلاف "إسرائيلي".
قبل
سنتين تلقيت رسالة كان يفترض أن تفرحني. قيل لي إن السلطة الفلسطينية معنية بشراء
200 نسخة من كتابي، بل ودعيت للقاء مع أبو مازن في رام الله. كتابي، “الصور التي
على الحائط”، والذي يصف حياة الجالية اليهودية في بغداد، نشر في مجلة بالعربية في
العراق. لم أستجب للعرض، حين عرفت أن هذه الجهات في السلطة لم تقرأ الكتاب. لم
أرغب في أن يزور الفلسطينيون هذا الكتاب الذي كتب انطلاقاً من اشتياقي لأبوي فيوسع
روايتهم أيضاً تجاه أبناء الجيل الثاني من يهود العراق ممن ولدوا في البلاد.
إن حل
النزاع يستدعي تنكراً فلسطينياً من هذه الرواية. فمثلما استوعبت
"إسرائيل" ودمجت في أوساطها اليهود من الدول العربية، من المهم أن
يستوعب الفلسطينيون ويدمجوا في أوساطهم اللاجئين، ممن يعيشون في مناطق السلطة
الفلسطينية، وألا "يخلدوا" لجوءهم. ومن أجل الحديث بـ"لغة السلام"، يجدر
بكل طرف من الطرفين أن يتعلم كيف يعترف بلغة وثقافة الآخر، مثلما قال عباس لعائلة
بار موشيه. وأهم من ذلك هو عدم الحديث بصوتين: من جهة ما العناق، ومن الجهة الأخرى
التنكر لصلة الشعب اليهودي ببلاده، والتحريض ضد "إسرائيل" والسعي إلى
تعميق الشروخ في المجتمع "الإسرائيلي".
بقلم: تسيونيت فتال
كوبرفاسر، مستشارة الشؤون الفلسطينية سابقاً في مكتب منسق أعمال حكومة الاحتلال في
المناطق.
صحيفة
"إسرائيل اليوم" 27/12/2019
ترجمة
"القدس العربي"