فالمشروع بعد إتمام الصيام: الفرح
بذلك؛ لانتهاء العمل، وبقاء الأجر والأمل، وفي الحديث (للصائم فرحتان، فرحةٌ عند
فِطره...) الحديث.
قلت: فكيف إذا
انتهى من صيام شهره؟!
وقال الله: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ
اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس:
58].
ويقول الله: ﴿ وَلِتُكْمِلُوا
الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ
تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 185].
وعن
عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ - يعني يوم أن لعب الحبشة في المسجد -: (لَتَعْلَمُ يَهُودُ
أَنَّ فِي دِينِنَا فُسْحَةً؛ إِنِّي أُرْسِلْتُ بِحَنِيفِيَّةٍ سَمْحَةٍ)"
رواه أحمد وصححه الألباني في "صحيح الجامع".
وهذه
سنَّة الله، تقسيم الأزمنة والأيام، فالذي شرع الصيام والقيام، وحث على
الخشوع والبكاء، شرع أيضاً: الفرح بالعيد والغيد، والسرور والحبور، والتوسعة على
العيال، فلمَ نلزم أنفسنا حالاً واحدة؟!
وهل ثبت عن سيد الخلق، عليه الصلاة والسلام، ملازمة
الحزن على فراقه؟
فهديُه أكمل الهدي، ولا يعلى عليه،
فلنلزم غرزه، ولنتبع هديه، ومداخل الشيطان كثيرة!
وإذا كان
الحزن على رمضان، حزناً طبيعياً جبلِّياً، لفراق المألوف، ودون كلفة وتكلف، فهذا
لا بأس به، وهو وارد على النفس لا محالة، كفراق عزيز، أو نزوح حبيب، مثلاً.
قال ابن
رجب - رحمه الله -: "كيف لا تجري للمؤمن على فراق رمضان دموعُ، وهو لا يدري
هل بقي له في عمره إليهِ رجوع"؟ (لطائف المعارف: ١/ ٢١٧).
أمّا أن يستمر الحزن، ويُتعبد الله بذلك، فهذا مخالف لما أمر الله به من الفرحة في العيد، والعيد يقتضي الفرح، وقد فرح فيه المعلم الأول، والعابد الأواب عليه الصلاة والسلام، وكان قبله بيوم صائماً قائماً، وحياته كلها قيام، فيكفيك - أخي - ما كفاه، وإلا فَـ (إنما يأكل الذئبُ من الغنمِ القاصية)، فإياك ثم إياك؟
وأنت مأجورٌ على فرحتك فيه - أفرحك
اللهُ بطاعته - (والحزن غير مطلوبٍ، لا شرعاً ولا عقلاً ولا عرفاً).. فافهم حكمة
الباري.
وقال الحافظ ابن حجر - ر حمه الله -: "إِظْهَار السُّرُورِ فِي
الْأَعْيَادِ.. مِنْ شِعَارِ الدِّينِ". (فتح
الباري: ٢/ ٤٤٣).
وقال الشيخ عبدالله الجبرين:
وعلى كل حال؛ فلا مانع من الجمع بين الفرح
بإكمال شهر رمضان والفرح بالعيد، وهو ما وفق فيه العبد للأعمال الصالحة، وبين
الحزن على رمضان وهو
الحزن على الأوقات التي تكون فاضلة والأعمال فيها مضاعفة.
والخلاصة: أن الحزن يكون لفراق ما في رمضان من
العبادات، وكثير القربات من قيام وصيام، وصدقة وبر وغيرها من الأعمال التي تجتمع
في هذا الشهر الفضيل.
والفرح
يكون بانتهائنا من أداء ما علينا من تكليف، وقضاء الصيام والقيام، وانتظار الأجر
من الكريم سبحانه في الدنيا والآخرة.
ونرجو أن
يكون الله تقبل منا ما عملنا من أعمال صالحة - على قِلّتها - في هذا الشهر المبارك.
وأختم مقالي بأبيات أعجبتني عن الحزن الطبيعي الجبلي على
فراق رمضان:
قال قائلها:
بكتِ القلوبُ على وداعك حرقةً كيف
العيونُ إذا رحلتَ ستفعلُ
فعساكَ ربي قد قبلت صيامنا وعساكَ كُلَّ قيامنا تتقبل
ُ
إن كانَ هذا العامَ أعطى مهلةً هل يا تُرى في كُلِّ عامٍ يُمهِلُ؟
لا يستوي من كان يعملُ مخلصاً هوَ
والذي في شهره لا يعملُ
رمضانُ لا تمضي وفينا غافلٌ ما كان يرجو
الله أو يتذلَّلُ
رمضانُ لا أدري أعمري ينقضي في قادم
الأيامِ أم نتقابل
أســأل الله أن يكون خَتم ربنا لي
ولكم شهرنا هذا بذنب مغفور، وسعي مشكور، وعمل متقبل مبرور.
المصدر : شبكة الألوكة