أفاقت السيدة ( مغلوبة على أمرها ) ,, من نومها فَزِعَةً مُرتَعِدة ,, تكتسح أطرافها رعشة شديدة ,, وتجتاح بدنها سخونة ,, تصل لدرجة الغليان ,, مثل حمة الحصبة ,, التي غَزَت جسد وليدها ,, حين أصيب بها ,, فصار مثل قدر ماء يغلي ,, أو سطح صفيحٍ ساخن ,, وكانت سخونة بدنه ,, يعجز ( المحرار ) عن قياسها ,, جاعلةً من جسده الغض ,, كورقة شجرٍ صفراء جفت ,, ثواني وتسقط عن غصنها ,, أو مثل رمانة أنفرطت حباتها ,, لينساب دبق عسلها ,, مبللاَ جبينه بقطرات تعرقه اللزج ...
لذا جاهدة لتتخلص من هذه الرعشة ,, وأبعاد البرودة التي غزت أطرافها ,, وأطفاء النار التي شبت ببدنها ,, بتكوير نصفها السفلي ,, نحو نصفها العلوي ,, حتى كاد أن يلتصق بصدرها ... ,, متخذتً شكل جنين في رحم أمه ,, ولكن من دون جدوى ...
أنصتت لذلك الصوت ,, الذي تناها لمسامعها ,, من دون أن تجروء على فتح عينيها ,, وبعد أن أيقنت بأن مصدره ,, يخرج من تحت لحاف زوجها السيد ( مش مهم ) ,, فتحت أحد عينيها ,, لتباعد بحذر أجساد أولادها ,, المندسين من كل جانب بين ثنايا ثوبها ,, لأنهم على هذه الهيئة ,, لو قدر لأحدٍ رؤيتهم ,, لحسبهم جميعاً مثل دجاجة ,, وقد أندس عشراً من فراخها بين ريشها ,, مختبئين طلباً للدفء ,, أو هربا من عدو ما ...
صارت تحبو بأتجاهه بحذر شديد ,, خوفاً ان ترتطم بطرف واحداً منهم ,, فيفيق وعندها سيترتب عليها ,, أبقاءه بين يديها ,, وجعل أحضانها سريراً له ,, من دون أخوته حتى الصباح ,, وذلك يعتبر عندها أنحيازاً ,, بل خيانه لأولادها أجمعين ,, وأن كانوا كلهم نائمين ,, لأنها آثرت أحداهم ,, نائماً بأحضانها دون الأخرين ...
فبعدما تمكنت من تجاوزهم جميعاً ,, ومن دون أن ترتطم بأيٍ منهم ,, وما أن رفعت اللحاف عن زوجها ,, صدمها ما رأت ,, كان حضرة السيد ( مش مهم ) غارقاً بعرقهِ ,, حتى أنها كادت أن تلمس البلل ,, الذي أصاب أطراف فراشه ,, وكانت شفتاه تتراقصان ,, مثل طفلين فرحين بنهاية اليوم الدراسي ,, وراحا يعدوان بخفة وهم في طريق عودتهما الى منزلهما ...
فراودتها فكرة ,, أنه يعاني من نوبة ,, من نوبات داء السكري ,, لكن سرعان ما تبخرت ,, هذه الفكرة السيئة من رأسها ,, لتعشعش برأسها فكرة أسوء منها ,, لأنها سمعته يدمدم بكلمات ,, تخرج من فمه متعثرة وغير مترابطة ,, على شكل حروف متقطعة وغير مفهومة ,, ليعقبها بكلمات أخرى مبهمة تماماً ,, كان ذلك يكفي لتبرر فعلتها ,, بوضع أذنيها بالقربِ من فمه ,, لتسترق السمع لما يقول ,, لعلها تستوضح الأمر ,, فلما تمكنت بعد جهد كبير ,, من أن تستجمع منها كلمات ,, كأنها لذلك الرجل الذي أستوقفه بالأمس ,, وهو في طريق عودته الى بيته ,, يا رجل يا مش مهم ,, أبشرك بأنك ستصبح رجل مهم ومهم جداً ؟؟ .. وأنك ستتزوج عليها ؟؟ ... وأن كانت هذه الكلمات ,, عبارة عن هذيان نائم أو جُمل متنافرة ومتفرقة ,, لكن وقع سماعها كان كفيلاً ,, لتشعل فيها روح الأنوثة المجروحة ,, وكافياً لتستجمع ما تبقى عندها ,, من قوة بعد كل هذا العمر ,, ولتهزه من كتفيه وهي تصرخ ,, ( شششو بتقول ,, عززز ,, عزززين ,, ثلاثة ) قوم أبن عمي ,, قوم قبل ما ( أكد عبي ) ,, وأصحي بهذا الليل الأموات ,, من أهلي وأهلك قبل الأحياء ,, قوم أبن عمي قوم ,, الظاهر أنا نايمه ,, على أذاني كل هِاي السنين ,, فز السيد ( مش مهم ) على صوت صراخها ,, منتفضاً من فعل هزها لأكتافه ,, ومذهولاً فزعاً من جحوض عينيها ,, ليتمتم بكلمات خنقها ,, ذلك الحلم أو الكابوس ,, الذي رأه في منامه ,, وقبل أن يفتح عينيه قائلاً ...
خير يا بنت عمي ,, ردت عليه ,, ومن أين سيأتي الخير ,, ( للمسعدات ) الاًتي مثلي يا نور العين ,, أصحى أنت لأريك من أين سيأتيك الخير يا أبن عمي ...نهض السيد ( مش مهم ) ,, حتى استقام بنصفه العلوي على السرير قائلاً ,, أبنة عمي يستر على عرضك أستري علينا ,, أذهبي وناوليني كأس ماء ,, لأن العطش يكاد يقتلني ,, وبعدها أفهميني ما بك ,, وما هو الذي حَوًلَكِ ,, الى نَمِرَه فقدت صغارها تواً بمعركة خاسرة ,, مع قطيع من الضباع المستأسدة ,, قالت السيدة ( مغلوبة على أمرها ) ,, بعدما جلبت له الماء ,, وقولها له ولأول مرة منذُ زواجهما ( خُذ أشرب ) ,, عامدةً متعمدة ,, عدم قول ما أعتادت قوله له سابقاً ,, أتفضل أبن ,, عمي .. مطرح ميسري يمري ...
أحكي ما الذي ذهب بك عند أم حسين ,, قال فزعاً مين هاي أم حسين ,, قالت لا تعرفها ,, أنها جارتنا ملكة الفتح بالفناجين ,, قال الله هداك أنا لا رحت ولا أتيت ,, ولم أرى أم حسين هذه ,, ولا أم حسنين ,, قالت حلو أبن عمي ,, كنا بأم حسين صرنا بأم حسنين ,, الأن أريدك تحكي لي عن الأثنتين ,, همس بسره قائلاً ( علكه وعلكتها يا كاسم ) ,, سمعته رغم همسه لتقول له ,, (( خير أن شاء الله ,, مين هذا كاسم الثالث ,, كنت بواحدة وصرت بأثنتين وجاء هذا الثالث ,, الله يستر من الجايين )) ...
هنا أمسك بها من كتفيها ,, محاولاً أن يدنيها اليه ,, لكي لا يسمعها الأولاد ,, أو أحدً من جيرانهم ,, لكنها فرت من بين يديه ,, بسرعة البرق لتفلت من مسكته ,, لتتعثر بطرف ثوبها ,, لتفقد توازنها بعدما ألتوت قدمها ,, لتتهاوى على الأرض ...
وفجأةً أجهشت بالبكاء ,, لترد بكلمات وكأنها تحدث نفسها ,, يا خسارة تعبك وصبرك كل هذه السنين ,, التي ليس لها حظ مع زوجها لا تتعب ولا تشقى ,, صح المثل الذي يقول ,, (( لا أتأمني للزلمي ,, قبل ما تطبخي له الملوخية ,, على زر ماجي ,, ويقولك قبل ما يذوقها ,, عاشت أديك ,, أكلتك اليوم شو حاطه لحمة فيها ولا جاجة )) / الله يرحمك يمه / حِكم ...
هنا وبغفلة منها ,, أمسكها السيد ( مش مهم ) من رأسها بقوةٍ ,, وراح يعبث بشعر رأسها الذي زينه الشيب ,, قائلاً لها يا أبنة عمي ,, أنا لم أذهب الى ملكة خراب البيوت ,, عفواً أقصد ملكة قرأة الفنجان ,, أنت تعريفني لا أؤمن بتلك الخرافات ,, كما أن يومي يبدء ,, بالذهاب الى عملي ,, وينتهي بالعودة اليه ,, بعدها أقضي بقية النهار ,, وجزء من الليل بالقراءة ,, لأنني وكما تعرفين ,, أتخذت قراراً لا رجعة فيه ,, بأن أصبح كاتباً في كل المواقع ,, لكي يتصدر أسمي ,, صفحاتها ليل نهار ,, ويكون لي قراء ومعجبين ومعجباااا ... ؟؟ أقصد ومعلقين ,, ذلك يطنب علي ,, وذاك ينبش بتعليقاته قبور أجدادي ,, وكأني أنا من جاء بالغزاة الى العراق ,, أو كان سبباً في هزيمة ,, عام سبعة وستين ,, أو أنا من رافق جيوش العربان ,, عام ثمانية وأربعين ,, وكان السبب والمسبب ,, بتهجير أهلك وأهلنا أجمعين ,, بعدما بعت أرضنا , وقضبت ثمن ضياع فلسطين ...
أفيقي يا أبنة عمي ,, فلو خيروني في هذه الدنيا ,, بينك وبين ملكة جمال موزنبيق ,, أعلمي بأني سأختارها ,, ههه ,, أني أمزح ,, اكيد كنت سأختارك ,, أنك ليومنا هذا بنظري ,, ملكة جمال الكون ,, أضحكي يأم أولادي ,, فالدنيا تضحك علينا منذ سنين ,, سألتك بالله يا أبنة عمي ,, أن تتبسمي ولا تبكين ,, أنا لم ولن أنسى وقوفك الى جانبي ,, طيلة هذه السنين ,, وأنا ليس قليل الأصل لا سمح الله ,, لكي أنسى وقوفك جنب سريري ,, وأنت تذرفي سنين عمرك مع دموعك ,, حتى بللت دموعك وجهي ,, لأفيق وأنا بين الحياة والموت ,, وكأنك رششتِ عليّ ,, كما يقولون ماء الحياة ...
أبنة عمي صحيح أني كثير النسيان كما تعلمين ,, لكن فعلتي أنت هذا لي ,, عند رقودي في المستشفى ,, ولم يمضي عليه سوى يومين ,, بعد سماعها لهذه الكلمات ,, التي أطربتها فهدأت من روعها ,, بعدما بلعت غضبها , وقالت لعنة الله على الشيطان الرجيم ,, فتبسمت أبتسامة كبيرة ,, خالطها فرح أكبر ,, لأن وقع سحر كلماته ,, فك أسارير وجهها الحزين ,, وراحت تمسح حبات دموعها ,, التي بللت قميص زوجها ,,حان أمالت برأسها على كتفه ,, فقالت له أبن عمي ,, سأقوم لأعد لك الشاي والقهوة معاً ...
وما أن نهضت وخطت خطوة واحدة ,, حتى تذكرت أنه قال لها ,, في بداية أجابته على أسألتها ( علكه يا كاسم ) ,, لتقول له قل لي الأن ,, ما حكاية ( كاسم ) هذا الآخر يا أبن عمي ,, وماهو موضوع علقته ,, قال لها سأروي لك حكايته ,, مع عالم الكتابة في جميع المواقع ,, فهو كاتب ذو خبرة طويلة جداً ,, فقد مضى عليه بضعة أشهر في عالم الكتابة ,, ويا ليتك يا أبنة عمي تنسين , قالت ماذا قلت لم أسمعك جيداً ,, قال ياليتك دوماً لا تسمعين ,, عفواً أقصد أعدك بذلك ,, هذا أن كان هنالك في العمر بقية أن شاء الله ...
بقلم / جمــــال أبــو النســــــب
الولايات المتحدة الأمريكية / كاليفورنيا
21/8/2011
المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"