تنفس فلسطينيو العراق الصعداء عند سماعهم خبر زيارة رئيس سلطة رام الله محمود عباس إلى بغداد، إذ لطالما انتظروا زيارة مسؤول فلسطيني ليطرح مشاكلهم على الحكومة العراقية، وليحصل لهم ولو على الحد الأدنى من العيش الكريم.
رغم الضخّ الإعلامي الذي صاحب الزيارة، إلا أن الإعلام لم يولِ اهتماماً للزيارة من زاوية أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في العراق سوى بعض اللمحات هنا وهناك.
الغريب أن الرئيس جاء ليدعم عودة العراق إلى الحضن العربي وهذا جيد، لكنه لم يدعم عودة شعبه إلى الحضن الفلسطيني، وتركه ومضى ومضت معه أحلام شعبه بزيارة مقتضبة قصيرة، حتى إنه لم يطلب لقاء أحد من أبناء شعبه في مثل هذه الزيارة التاريخية، واكتفى بالسفير الفلسطيني في بغداد، رغم أن زيارته هذه تأتي بعد محنة كبيرة أصابت اللاجئين الفلسطينيين في العراق.
نحن لا نملك السجاد الأحمر، يا سيادة الزائر.. ولا بروتوكولات اللقاءات الرسمية.. ولا نملك حتى أدوات عزف النشيد الوطني.
ولكن لا تنسَ أننا قدمنا ما هو أغلى من هذا، قدمنا أرواحنا وأبناءنا وأموالنا خدمةً لقضيتنا. ونعتز بهذا ونفتخر، والتاريخ يشهد على ما قدمه فلسطينيو العراق من شهداء، والتاريخ يشهد على كل من عاصر النضال الفلسطيني ومراحله لغاية الآن.
نحن لا نطلب من أحد أن يثيبنا على ما قدمنا من واجب لقضيتنا.. لكننا بقدر ما نؤكد ارتباطنا بقضيتنا، فإننا لا نقبل أن تتركنا وتمضي دون سؤال تاركاً وراءك الآلاف من أبناء شعبك عرضة لقوانين غريبة ولمعاملات عجيبة من دون التأكيد لمن التقيت بهم أن هناك من يسأل عن الفلسطينيين الباقين في العراق الذين انخفض عددهم إلى الثلث من دون أن يسأل أحد عن السبب، المئات من الشهداء والمفقودين والمعتقلين، جثث اختفت، وجثث اشتُريت بالمال من المشرحة لتُدفن، وأناسٌ قتلوا من دون أن يعلموا سبب قتلهم.. فيا ليتك اجتمعت بشعبك لتسمع منه معاناته، بدلاً من زيارة القصور المحميات السياسية والأمنية..
إننا نعتبر عدم السؤال عنا هو عدم اعتراف بنا ودفع بعملية إبعاد الفلسطينيين عن وطنهم ضمن صفقات سياسية هدفها تحقيق خطوة تجاه ملامح الوضع النهائي لاتفاقيات مدريد وأوسلو وواي ريفر وخريطة الطريق وأنابوليس.
يا سيادة الزائر.. هل تعلم ؟ :
1- إن الحكومة العراقية تطبّق علينا الآن قانون اللاجئين السياسيين الرقم 51 لسنة 1971 متجاوزة بذلك الجامعة العربية وتعليماتها بخصوص اللاجئين الفلسطينيين الموجودين في الدول العربية المضيفة، ومعروف ما سيضيفه تطبيق هذا القانون إلى الوجود الفلسطيني في العراق من تعقيدات حياتية ستدفع به إلى الهجرة نحو الدول البعيدة لينسى قضيته. فهل هذا ما تريد؟ .
2- تثبيت ملفنا لدى وزارة أمنية رغم أن وجودنا في العراق هو وضع إنساني خاص، والغريب أن النظام السابق هو من أحال ملفنا على وزارة أمنية، وبالعادة فإن مرحلة ما بعد سقوط النظام السابق شهدت عودة إلى قوانين ما قبل النظام السابق، فلماذا تجاوزوا هذا الأمر بالنسبة إلى الفلسطينيين!؟ أليس لأجل التضييق عليهم ومن ثم دفعهم للرحيل إلى المجهول؟ فهل هذا ما تريد؟ .
3- على الرغم من صدور هوية جديدة «بطاقة تعريف» تطلّب إصدارها أخذ بصمة العين والبصمة العشرية لأصابع اليد وإجراءات معقدة، إلا أن المعاملات الرسمية تتطلب كتاب تأييد من وزارة المهاجرين والمهجرين إضافة إلى كتاب تأييد من وزارة الداخلية /مديرية الإقامة. أليس هذا للتضييق عليهم في المعاملات الرسمية لـ«تطفيشهم»، فهل هذا ما تريد؟ .
الآن زاد الأمر تعقيداً، فها أنت تحطّ الرحال في شمال العراق، في أربيل، لتعقد مباحثات مع المسؤولين الأكراد هناك في زيارة مثيرة للجدل عدّها الأكراد اعترافاً عربياً بإقليم كردستان.. من جديد تضعنا القيادة الفلسطينية عرضة لردات فعل من أطراف عراقية ترفض الاعتراف بهذا الإقليم، ولعلنا نستذكر قضية الكويت وخطأ القيادة الفلسطينية فيه.
ما يعنينا في هذه الزيارة كفلسطينيين في العراق هو ما تسرب من أنباء عن طلب الرئيس الفلسطيني استقبال عدد من الفلسطينيين في شمال العراق، وهذا الطلب يثير تساؤلات خطيرة عن زيارة الرئيس إلى العراق (بغداد – اربيل):
1- لماذا كانت زيارة بغداد قصيرة جداً ومقتضبة؟ .
2- ماذا دار من حوار بخصوص اللاجئين الفلسطينيين في العراق مع الحكومة العراقية في بغداد ليطلب من القادة الأكراد أن يستقبلوا اللاجئين الفلسطينيين في شمال العراق، هل كان الكلام ساخناً وغير مطمئن إلى هذا الحد.
3- هل طرح استقبال اللاجئين الفلسطينيين من العراق فقط أم استقدام لاجئين فلسطينيين من دول أخرى، في صفقة لإنهاء ملف العودة لمفاوضات الوضع النهائي.
4- هل موضوع القنصلية الفلسطينية يستوجب أن يطرحه «رئيس السلطة» بنفسه. ألا يكفي موفد عنه؟.
يا سيادة «الرئيس».. بعيداً عن كل التعقيدات والحسابات السياسية أقول لك: إن ما أراده الشعب الفلسطيني في العراق هو كلمتان فقط «العيش بكرامة» فهذا ما بقي لنا.
أما استطعت أن تقف معنا حتى في هذا؟! .
محمد المحمدي- بغداد