ايهاب سليم-السويد:
تتحمل اوربا سياسيا العبأ الاكبر تجاه اللاجئيين الفلسطينيين بصورة عامة واللاجئيين الفلسطينيين على اراضيها بصورة خاصة، قد تختلف الاراء السياسية بخصوص ذلك لكن ستصب في نهاية المطاف على تحميل الطرف السياسي الاوربي المسؤولية الكبرى في نكبة عام 1948 بما فيها المحرقة الصهيونية الاشكينازية في فلسطين ومعادات الكنعانية، هنا لا مجاملة في الحق ولا اهداف سيئة في ابداء هذا الراي الذي قد ينزعج منه بعض الفصائل المرتبطين باجنده دولية ومفاوضات سرية وعلنية.
سينطلق البعض بالقول ان هذه الفصائل لم تتخلى عن اللاجئيين الفلسطينيين (1948)، لكن في واقع الامر هناك تقصير ومساومة واضحة طفت على السطح جراء استهتار وتقاعس بعض الفصائل المسؤولة في التعامل مع قضية اللاجئيين الفلسطينيين في العراق بعد الغزو الامريكي عام 2003 واستهدافهم بواسطة الميليشيات الاجرامية باوامر مباشرة من قبل اجهزة استخبارات خارجية بين ذلك البلد والكيان بهدف دفع فاتورة دفاعهم البطولي في قضاء حيفا عام 1948 وما لحقها من دعم العمليات المسلحة والفصائل الفلسطينية بالانفس والمال ضد الكيان الصهيوني ومرفقاته في الخارج خلال الفترة الممتدة ما بين 1965-2002 (350 شهيدا فلسطينيا من العراق خلال هذه الفترة فقط مسجلين في سجلات م ت ف رغم قلة عددهم الذي لم يزد عن 15 الف لاجيء فلسطيني انذاك)، ومشاركتهم في الحروب للدفاع عن جنوب لبنان والعراق بحروبه الكبرى الثلاث، اضافة الى تجاهل هذه الفصائل قرار الكنيست الاخير بخصوص مصادرة املاك اللاجئيين سواء من منهم بداخل الخط الاخضر ام خارجه بل ولم نسمع منهم تصريحات او بيانات نارية معتادين على قراءتها وسماعها حينما يتعلق الامر بالخلاف الفلسطيني الداخلي! نعتب عتب الاحبة على الحبيب لتصحيح الخطا قبل ان يتخلى شعبهم عنهم باتجاه البديل.
اللاجئون الفلسطينيون في العراق نموذج نادر بعد اللاجئيين الفلسطينيين في الكويت عام 1991، الفارق بين هذه القضية وتلك ان اللاجئيين الفلسطينيين في العراق جُلهم الاكبر من قرى اجزم وجبع وعين غزال والصرفند والفريديس وعين حوض وام الزينات وصفورية الخ اي قضاء حيفا والناصره مع بعض المدن والقرى الاخرى داخل فلسطين الجريحة حيث تمسكوا بالهوية الفلسطينية ويحملون وثائق سفر فلسطينية وجوازات سلطة فلسطينية (000) بمكرمة بطولية من الرئيس الشهيد ياسر عرفات باعتبارهم ذو سجل بطولي خالد واقعين تحت مطرقة النكبة الثانية في العراق ومتمسكين بالهوية الفلسطينية العربية بما تحمله من مسؤولية شخصية وجماعية مرتبطة بقدسية التراب الفلسطيني كاملا اضافة الى انهم لم يتلقوا دعما من وكالة الغوث (الانروا) اطلاقا منذ تاسيسها ما ادى الى سهولة تشريدهم على الحدود العراقية السورية لغاية اليوم والحدود العراقية الاردنية انذاك وغيرها من المخيمات الحالية العالقة بين ذرات تراب الصحراء وحرارة الصيف وبرد الشتاء ما بين رفض هذه الدولة العربية او تلك احتضانهم باستثناء تحمل بعض الدول الاوربية استيعابهم لاسباب (انسانية) مع الشكر والتقدير رغم ان قضيتهم (سياسية) متعلقة بالقرار 194 الصادر من الامم المتحدة عام 1948 الخاص بحق العودة والتعويض، بالنسبة لاهلنا اللاجئيين الفلسطينيين في الكويت فقد كان العراق والاردن حاضنة لهم باعتبارهم فلسطينيين يحملون جوازات سفر اردنية، النكبة هي نكبة بالتاكيد في الاثر النفسي والمادي والاجتماعي اصابت غالبية الشعب الفلسطيني ولاجئيه دون اطلاق مسميات الا لتبيان الواقع المرير الذي تمر به القضية الفلسطينية واللاجئيين الفلسطينيين عامة.
الدافع لهذا المقال هو كثرة شكاوي اهلنا اللاجئيين الفلسطينيين سواء من هم في العراق او الصحراء او داخل اوربا، بهدف التوضيح لهم ولغيرهم من اهلنا للحصول على ادنى حقوقهم اضع باختصار الحقائق التالية:
اولا:مؤتمر بازل في سويسرا عقد عام 1897 اي قبل (المحرقة النازية) التي استهدفت الغجر واليهود واقليات اخرى في اوربا بعدة عقود، المؤتمر كان يهدف لاقامة ما يسمى وطن قومي لليهود في فلسطين لاهداف استعمارية بحتة ولاسيما ان الساسة الاوربيين حينذاك يدركون قبل غيرهم وفي نصوص العهد الجديد (الانجيل) وخرائطه ان مملكة اسرائيل انشئت في نابلس ومملكة يهودا انشئت في الخليل اي لا حق لهم دينيا في اقامة هذا الوطن في اي بقعة غير تلك البقع بالنسبة لراي الانجليين (راجع خرائط العهد الجديد)، اشير ايضا الى العهد القديم (التوراة) الذي يؤكد لغاية اليوم ان العرب الكنعانيين سكنوا قبل ظهور الديانة اليهودية في المنطقة الممتدة من صيدا الى غزة على طول الساحل لذلك لا حق لوجود الوطن القومي من وجه نظر اليهود ولاسيما اليهود الارثوذكس-ناطوري كارتا- وقضية الطرد (راجع سفر التكوين).
ثانيا:(المحرقة النازية) في عهد ادولف هتلر جاءت كسيارة اسعاف تلاعب في عداد الكيلومترات التي قطعتها بهدف منح الصهاينة وطن قومي لهم في فلسطين بموافقة اوربية بقرار التقسيم 181 الصادر عام 1947، للحق بعض الدول الاوربية لم تشارك في هذه القضية باعتبار ان فلسطين غير معنية بقضية (المحرقة) مع خالص الشكر والتقدير لها، في الحقيقة الساسة الاوربيين انذاك اللذين شاركوا في منح ارض ليست ملكهم كانوا يريدون التخلص من الصهيونية من على اراضيهم ولاسيما ان معتنقي الفكر الصهيوني هم تجار سلاح ومخدرات وارواح سببوا حروب وكوارث وهزات داخل اوربا، وهو ما يفسر اشتعال الشرق الاوسط بالحروب والفتن والدمار والانهيار منذ هجرتهم الى فلسطين عام 1948 بينما خلدت اوربا في سلام وامن وطمئنية بعد ذلك العام.
ثالثا:يتحمل الساسة الاوربيين مسؤولية نكبة عام 1948 ولاسيما مثلا ان قرية عين غزال (مستعمرة عين ايالا) وقرية اجزم (مستعمرة كيرم مهرال) في قضاء حيفا يقطنها مستوطنيين اشكيناز قدموا من قلب اوربا (التشكيك) الى معسكر التدريب البريطاني في قبرص ثم وصلوا بحرا الى ميناء حيفا ليعيشوا على بعد 2 كم من المقبرة الجماعية في حارة الجامع بعين غزال، بينما قرية جبع (مستعمرة جيفا كرمل) يقطنها مستوطنيين سفرديم قدموا من المغرب وتركيا لاسباب مالية بعد النكبة عام 1948 وجُلهم من الحردريم، نذكرها كي نكون منصفين في توزيع اصول وانساب المستوطنيين كي لا يضيع الحق مستقبلا.
رابعا:تبنت الادارة الامريكية رسميا منذ عام 1948 مشروع وجود (اسرائيل) في فلسطين وربطت علاقتها مع هذا الكيان ستراتيجيا، بالتالي ادى ذلك الى انحسار الدور الاوربي لتكون العبارة الصحيحة للمعادلة الان هي امريكا في فلسطين مع بعض المتطرفين السياسيين المتنفذين في اوربا.
كي نكون منصفين للاخوة لادراك الواقع نقول ان عملية طرد اي فلسطيني من لاجيء 48 من اوربا باتجاه البلد العربي الذي قدم منه يعتبر مخالفة للقانون الدولي ولاسيما قرار الامم المتحدة المرقم 194 الصادر عام 1948 الخاص بحق العودة الى القرية والمدينة التي تهجر منها اللاجيء لذلك لا عيب ولا خجل ولا توجس من الزام القانون الاوربي بتطبيق هذا القرار الاممي ان ارادو طرد اللاجيء الفلسطيني من اراضيهم فهذا قانون ملزمين على تطبيقه في ادنى حال تجاه معالجة قضية اللاجئيين الفلسطينيين وتسهيل مهمة منحهم الاقامة الدائمية او المؤقتة وتخفيف العبأ الواقع عليهم منذ النكبة، رغم ما قيل الا انه من الانصاف القول ان وضع اللاجيء الفلسطيني افضل بكثير من غيره في اوربا حيث تتعامل اوربا بانسانية كاملة تجاه هذا الملف الحساس وتحسب الى اوربا وليس ضدها اما وضع المقيم فهو يعيش بتوافق تام مع حملة الجنسية الاوربية الاصلية في ظل توازن قانوني ليس له نظيره في الحقوق والواجبات، واهمس في اذن المشتكين ايضا بالقول: لو عشنا خمسين عاما في اوربا لن نستطيع من امتلاك مسكن يقيك ويقي عائلتك ويوافق عاداتك وتقاليدك وعادات وتقاليد العائلة مثل فلسطين بشعبها العربي الشجاع البطولي وترابنا الطاهر الذي في ذمتنا الى يوم الدين، الصهيونية المادية غادرت اوربا تجاه فلسطين للتجارة بالوطن العربي بمعزل عن الدين والقيم والمباديء ولو عثرت على ما تريده في اوربا لما غادرتها فنحن اهل الحق وليس هم واقترب اليوم كثيرا لبيان الحقيقة دوليا وسيسمعون وسيصححون خلط الماضي بعد ان لدغتهم الافعى، اما الجنسية الاجنبية فهي مرفوضة مع تقديم الاحترام والاعتزاز لجميع الجنسيات الاوربية وشعوبهم الكريمة المسالمة التي تربطنا معهم علاقات حميمة وطيدة، فالجواز الفلسطيني بما يواجهه من مصاعب في البلدان العربية ومخابراتها المرتبطة بستراتيجية صهيونية تنصب في خليج واحد الا انه يبقى مقدس ولا يقل تقدسية عن ذرات تراب بلدنا الحبيب، فالجنسية التي لن تكتب اصلنا وتصادر جوازنا الفلسطيني وتجردنا من ثيابنا قانونيا لتعيدنا الى نقطة الصفر غير ملزمين بها ولا هم ملزمين بمنحنا اياها طالما ان اهدافها سياسية بحتة منها الرغبة والطموح والتلهف لزيارة فلسطين بتاشيرة اعتراف سياحية من قاتل اجدادنا او زيارة البلدان العربية اثر عراقيلهم للزيارة بالجواز الفلسطيني مع شديد الاسف، لذلك فادنى الحق للاجئيين الفلسطينيين حاليا هو منحهم الاقامات الدائمية في اوربا والجميع متاكد من عدالة القانون الاوربي في ذلك اما بالنسبة لاهلنا في العراق خاصة فليس لهم خيار سوى الاتصال بالسفارات الاوربية بصورة جماعية طالبين اللجوء من الاهوال والكوارث التي يعيشونها ولاسيما انهم واقعين حاليا ضمن اتفاقية جنيف الرابعة والمعاهدات والقوانيين الدولية بما تُحمل الجانب الامريكي المسؤولية الكاملة عن استشهاد اكثر من 273 فلسطينيا وجرح واصابة وتشريد الالاف وكان الله بعونهم وعون اهلنا في كل مكان.
خَـفّـفِ الـــوَطْء مـــا أظُـــنّ أدِيـــمَ الأرْضِ إلاّ مِـــــنْ هَـــــذِهِ الأجْــســـادِ
وقَـبـيــحٌ بــنَــا وإنْ قَــــدُمَ الــعَـــهْدُ هَـــــوَانُ الآبَــــــاءِ والأجْــــــدادِ
سِــرْ إنِ اسْطَـعـتَ فــي الـهَــوَاءِ رُوَيـــداًلا اخْـتِـيـالاً عَــلــى رُفَــــاتِ الـعِـبــادِ
رُبّ لَـحْـدٍ قَـــدْ صَـــارَ لَـحْــداً مـــراراًضَـاحِــكٍ مِــــنْ تَــزَاحُــمِ الأضْــــدادِ
وَدَفِــيــنٍ عَــلــى بَـقـايــا دَفِــيـــنٍفـــي طَــويــلِ الأزْمــــانِ وَالآبــــاءِ
فـاسْــألِ الفَـرْقَـدَيـنِ عَــمّــنْ أحَــسّــامِـــنْ قَـبـيـلٍ وآنـســا مـــن بــــلادِ
كَــــمْ أقــامَــا عــلــى زَوالِ نَــهــارٍوَأنــــارا لِـمُـدْلِــجٍ فــــي سَـــــوَادِ
تَــعَــبُ كُـلّـهــا الـحَـيــاةُ فَــمــا أعْجَــبُ إلاّ مِـــنْ راغـــبٍ فـــي ازْديـــادِ
إنّ حُـزْنـاً فــي سـاعـةِ الـمَــوْتِ أضْـعَــافُ سُـــرُورٍ فـــي ســاعَــةِ الـمـيــلادِ
خُــلِــقَ الــنّــاسُ لـلـبَـقَـاءِ فـضَـلّــتْأُمّــــــةٌ يَـحْـسَـبُـونَـهُـمْ لـلـنّــفــادِ
إنّــمــا يُـنْـقَـلُـونَ مِــــنْ دارِ أعْــمــالٍ إلـــــى دارِ شِــقْـــوَةٍ أو رَشَــــــادِ
ضَـجْـعَـةُ الـمَــوْتِ رَقْـــدَةٌ يُـسـتـريـحُ الجِـسْـمُ فيـهـا والـعَـيـشُ مِـثــلُ الـسّـهـاد
الشاعر ابو العلاء المعري
سنعود بدون جوازات ان شاء الله
28-08-2009
"حقوق النشر محفوظة لموقع "فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"