ج17: القائد العراقي عمر علي يستقبل اللاجئين
دراسات في القضية الفلسطينية
حيفا وأسرار سقوطها وصمود جبع عين غزال اجزم
حلقه ( 17 )
القائد العراقي البـــــطل عمر علي يستقبل اللاجئين في عارة وعرعرة ويبكي لحال الأمة ..
الملكة عاليه والوصي عبد الإله وجهاً لوجه أمام النكبة
وجموع أبناء فلسطين تتدفق على مدينة جنين ..
نزحت جموع اللاجئين الفلسطينيين من قرى اجزم عين غزال جبع وعوائل من قرى قريبة أخرى معظمهم من النساء والأطفال والشيوخ والمسنين والمرضى والأولاد .. نزحوا نزوح قسري اضطراري إجباري منظم ومبرمج من قبل الإدارة البريطانية والحركة الصهيونية وعصاباتها الاجراميه المسلحة , مع تواطؤ بعض الحكومات والقيادات العربية ( الرسمية ) ..؟
هاجر هؤلاء وأهل تلك القرى وقسم كبير من الرجال التحق بفوج الكرمل الذي رأسه الضابط العراقي ( مصطفى عبد الجبار ) ليقاتل هذا الفوج ضمن قوات الجيش العراقي .. وآخرون رجال اضطروا للنزوح بعد الهدنة وبعد النكبة .. لنفاذ السلاح والذخيرة .. لنفاذ مقومات المقاومة والصمود .. غادر هؤلاء قراهم وسط القصف المدفعي المتكرر والمستمر .. هنا وهناك .. على امتداد ارض الوطن .. قصف ملعون بري وبحري وجوي عشوائي .. منهمر يقتل الإنسان والبشر .. يحرق الجماد والشجر .. تلك الجموع البائسة .. والمواكب الحزينة .. سارت مشياً على الأقدام بملابسها دون الاستطاعة او التمكن من جلب أي شيء أو حمل أي متاع ..ولو يعرفون ان الفراق والغربة ستطول لأخذوا معهم ما خف وزنه وغلا ثمنه .. ان وجد .. يسيرون مرغمين .. حفاة .. عراة .. فوق الصخور والأشواك .. وفي العراء والمسالك الوعرة والجبال والأحراش .. جمعوا بين ليلهم ونهارهم بشكل متواصل من السير والإنهاك ليقطعوا مسافة 20 كم ..!؟ما ذنب هؤلاء!؟ من الماسي التي حصلت كثيرة ولو كل فلسطيني قص لنا قصة هجرته ونزوحه وما تتخللها من متاعب ومصائب واحزان لحصلنا على موسوعة كاملة موثقة من عدة مجلدات لما حصل لهذا الشعب المجاهد الشجاع .. الصابر .. المبتلى .. المرابط ...
حملت لنا نزوح وقصص هؤلاء الكثير من الماسي والمناظر الموجعة .. كتب مؤلف ( عين غزال .. بلد الكفاح ) الأستاذ محمد راجح جدعان حول مأساة الهجرة وفي صفحة ( 230 ) قائلاً :-
(لندع عبد الحفيظ يتابع سرد وقائع الرحيل في تلك ألليله المهولة ، وما علينا الا ان نقتطف من مخطوطته ( قصة حياتي ) ما نرى فيه رسماً ملوناً لتلك الأحداث لكي نبين ما كان علية الناس من لغط وهم وتحسر وكرب وفوضى يندر ان تأتي بمثلها الأيام :
استمر أهل القرية المنسحبون يسيرون على غير هدى في ظلام دامس وشديد لا يرى فيه المرء من مسافة بضعة أمتار ، ثم اخذوا يتفرقون عن بعضهم البعض وكل امرئ حائر في نفسه وهمومه .. والتقيت بأخوتي فاستئنسنا ببعض ، لكن عمة كانت لي كانت تسوق دابة يمتطيها بعض الأطفال ضلت الطريق ، فبينما كذلك اذ بصوت نسائي يناديني باسمى فأسرعت جهة الصوت فاذا هي تسوق الدابة وعليها خرج مجدول من القش في طرفية طفلان هما أولاد أخي يوسف الذي أضاعهم ولم يعد يعرف عنهم شيئاً ، فلما ناديت أجابتني جواباً يفتت الأكباد .. وقع في نفسي موقع السهم ثم تأملتها فإذا هي تمشي في الظلام الدامس حافية القدمين بين الحجارة ، تلهب قدميها النار والأشواك والطفلان يتصايحان من الذعر والخوف ، الخرج ساعة يميل يمنة ، وتارة يميل بهم يسرى .. وهم يبكون من الخوف .. فأوقفت البهيمة وأصلحت الحمولة وشددت حزامها المرتخي .. ) .
من ضمن ماسي الهجرة والنزوح والسير في الظلمات والرعب والتعب والشوك .. التي عشتها شخصياً عمري ثلاثة سنوات اقل أكثر قليلاً لا ادري .. وكنت بديناً .. أتعثر في السير مع أهلي لصغر سني .. وبسبب وعورة المسالك والغابات والجبال وتارة تحملني أمي فأثقل عليها .. لأنها تحمل الرضيعة رشيدة وتمسك بأخي او بأخوتي علي واحمد وحمدان .. ولا نعرف مصير أبانا .. تسير أمي وهي حيرى بي . فمر من قربنا ( رجل كبير من دار الفهيد جزاه الله كل الخير ) يمتطي دابة فشفق على أمي واركبني معه مسافة بحدود 100 متر ليخفف عنها .. ولما أنزلني عدت لوالدتي للوراء لمتابعة حملي فانزعجت أمي وضربتني على هذا الفعل العفوي ..
وامرأة فلسطينية معاها بنتان لا تقوى على حملهما من شدة المأساة واللحاق مع الآخرين .. رمت أو تركت إحدى ابنتيها .. حتى يسر الله سبحانه وتعالى لها ابن الحلال ليجلبها معه واللحاق بالناس .. وهذا أكله الضبع .. وأخر نهشته الكلاب .. وتلك امرأة طول الطريق وأطفالها يصرخون من الم الجوع .. مأساة مروعة مهولة تفتت الأكباد .. تعرض لها هذا الشعب النبيل الصابر .. واصلت الجموع الحزينة العزلاء مسيرة الآلام والحزن والهجرة .. حتى وصلوا إلى قرية عارة وعرعرة .. فيها قطعات عسكرية للجيش العراقي .. فتنفس اللاجئون الصعداء .. وكان في استقبالهم الضابط العراقي القائد الغيور البطل ( عمر علي رحمه الله ) فأحسن استقبالهم وأكرمهم وواساهم ، وكان هذا القائد الشهم قد أحس وشم رائحة المؤامرة على هذه البلاد المقدسة وشعبها العربي المسلم وقال لهم وكأنه يريد ان يواسيهم :- اه من الذين ظلمونا .. اه من الذين ظلمونا ..
يا شباب .. لقد جاهدتم حق جهاد فنلتم بذلك المجد والفخار ، غير إننا لا نريد ان تتجهوا بوجوهكم جهة المشرق ، ولكن نريد ان تحولوها الى جهة المغرب .. صوب عين غزال .. جبع .. اجزم .. لكي نستعيدها من المغتصبين .. اعتبرت جموع النازحين هذه الكلمات الرقيقة والمواسية بمثابة اعتذار رسمي عربي .. عما حصل ويحصل ، وعما أخفقت به الجيوش العربية السبعة في ضرورة ردع عصابات الصهاينة المسلحة وطردهم الى بلادهم وأوطانهم التي أتوا منها .. اجل ان الخلل والمشكلة في الحكام والملوك وبعض القادة .. أما الجندي العربي .. أما الضابط العربي فقد قاتل .. وقاوم .. وقام بواجبه قدر المستطاع .. بما يمليه علية شرف العسكرية والواجب والضمير والأخلاق ..
غادرت هذه الجموع .. عارة وعرعرة .. مستمرة في هذه الهجرة القاسية فمروا بقرية أو مدينة اللجون .. وكان هناك مع المهاجرين شيخ جليل وعالم كفيف خريج الأزهر من اجزم مع تلك الجموع .. فتوفي في الطريق عند اللجون وهناك الأهالي عرفوا قيمة هذا الإنسان فأكرموه في الإسراع في دفنه رحمه الله .. انه الشيخ طه الخديش طيب الله ثراه .. ثم مروا في قرية يعبد فوصلوا إلى مدينة جنين حيث مقر قيادة الجيش العراقي في مدرسة وثانوية جنين للبنات ، وصل الناس وهم في حال لا يحسدون عليها .. عطشى منهكون وحالهم كأنه يوم المحشر .. من هول الصدمة والجريمة والنكبة .. وسط ازيز الرصاص الذي لا ينقطع وقصف المدافع المدوية وأجواء الرعب والحرب .. والدماء والدمار والقتل التي تسمع وتحدث بين الحين والأخر .. حلت هذه الجموع في جنين سكنت في بعض الجوامع والمدارس والحدائق واللاجئون في حيرة من أمرهم يتدفقون على جنين .. تلك النسوة تولول .. وتلك الصبايا يبكين بصوت خافت من الحياء .. وأخر ينشد أشعار الحزن والشجون .. والتغني بالأهل والوطن .. وأخر غاضب يدخن سيجارة عقب أخرى .. بشكل متواصل .. وأخر يصيح نريد السلاح .. نريد ان نستشهد في أرضنا .. وأخر يقول أموت ولا أغادر ..وأخر يسب على الحكام ..وأخر يكيل الشتائم والسباب في الذي كان السبب ويضع المسئولية واللوم على عاتق الملوك والقادة العرب .. وآخرون كانوا قد تطوعوا في فوج جيش الكر مل .. وهناك أصوات الأطفال التي لا تنقطع من الجهد والإعياء والجوع والحزن والهلع .. الذي أصابهم وحل بهم .. وأخر يبحث عن رصاصات لبندقيته القديمة ليسددها للغاصب الدخيل .. ومجموعة من الرجال والشيوخ ذهبت جانباً لأداء الصلوات ( قصر وجمع ) وبصلاة الجماعة وفرد .. ووسط هذا الجو الخانق .. وهذه الجلبة انبرى احد الرجال الذي عرف عنه بالتدين والوعي والورع قائلاً ناصحاً إخوته امام عدد منهم على مقربة من الجيش العراقي قرب احد الجوامع في جنين مخففاً عنهم هول الصدمة وشدة المأساة مبيناً لهم الحل :- يا أخوة .. ان الحل لهذا الذي حدث بنا وضرورة مجابهة المعتدي الآثم الباغي والانتصار علية .. هو لا بد من الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى .. لنراجع حساباتنا وأنفسنا وأوضاعنا .. لان للنصر عوامل وأسباب .. وللهزيمة كذلك عوامل وأسباب .. ارجعوا إلى ربكم ولنعود إلى الله سبحانه وتعالى عودة نصوحة جميلة .. عودة قريبه جادة .. وان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم . بعدها إذا أخذنا بالأسباب كما فعل أبو عبيدة وخالد وعمر ونورالدين وصلاح الدين والظاهر وبيبيرس وقطز .. بعدها سوف يكون النصر لنا لنعيد أولا حساباتنا .. ونراجع انفسنا .. وحالة واقعنا وأوضاعنا .. ونعود إلى الله .. عودة كريمة.
ولكن الناس في تلك الحالة في إعياء وإنهاك وجوع وصدمة وذهول .. في حالة قلق وحيرة من أمرهم .. حسبنا الله ونعم الوكيل .. حسبنا الله ونعم الوكيل .. حسبنا الله ونعم الوكيل ..
في هذه الأجواء الصاخبة والغير طبيعية .. وجو الحرب وأصوات القنابل والجلبة والأصوات العالية هنا وهناك ..كانت الملكة عالية وأخيها الوصي عبد الإله قد زارا جبهة الحرب في جنين مقر قيادة الجيش العراقي في فلسطين ووسط هذا الجمع والازدحام هال الملكة عالية ما تسمعه من أصوات المدافع وأزيز الرصاص وهدير الطائرات .. فدهشت لذلك فسألت الوصي عبد الإله :- عبد الإله .. ما هذا الذي اسمعه .. !؟ ما الذي حدث !؟ (هذا شنو )..؟ فأجابها عبد الإله مخفياًً عنها الأمر قائلاً لها لا يوجد شيء ..( ماكو شي ) .. قالت له مستفسرة : وهذا الصوت الذي اسمعه ..؟ أجابها : انها مناورات عسكرية .!!.
فسكتت الملكة على مضض وكأنها غير مقتنعة ولا تزال تسمع صوت جلبة وترى حالة فوضى .. واللاجئون او النازحون المهاجرون الفلسطينيون قسم كبير منهم ملتف حول الملكة وأمام عبد الإله وقادة الجيش في حالة ذهول وغضب ..ثم تكررت واستمرت تلك الأصوات .. حتى أيقنت الملكة عالية بنفسها أيقنت هي حقيقة تلك الحالة وتلك الأصوات ، حالات تجمع هؤلاء وهول المأساة وعرفت أيضا ان هناك أمر خطير غير طبيعي ما يجري من حولها مخفياً عنها على الساحة وفي الوطن الجريح ، فالتفتت إلى اخيها الوصي عبد الإله معاتبه له قائله : لماذا أقول لك ما الأمر ..؟ تقول لي إنها مناورات حربية .. ، إنها مأساة حقيقية .. ما ذنب هؤلاء الأخوة الفلسطينيون ..، ان الحكومات العربية مسؤولة عما يحدث . ، ومسؤولة عن هؤلاء ،ويقال ان إحدى النساء الفلسطينيات اقتربت من عبد الإله وسبت وشتمت الحكام والملوك العرب أمامه بشكل جرئ وبحدة ، فقال لها مواسياً حقك .. حقك .. ، وبينما كانت الملكة عالية وسط هذه الجموع يقف معها بقربها الوصي عبد الإله وكبار قادة الجيش العراقي ، تأثرت الملكة عالية لحالة هؤلاء الأخوة الأشقاء .. وان المعركة طويلة لم تنتهي بعد وان العراق بلد عربي اسلامي .. وهو جزء من الحالة العربية ، وجزء من أطراف الصراع ضد الصهيونية ومؤامراتها ..
بينما الملكة عالية في حالة اهتمام بشؤون هؤلاء المهاجرون فقالت لهم مواسية انتم ضيوف علي .. ضيوف على العراق .. العراق بلدكم ، ثم أشارت الى من يحسن القراءة والكتابة ليسجل أسماء المهاجرين الراغبين بالهجرة نحو العراق الشقيق ، فأشار الفلسطينيون على المناضل ( عبد إسماعيل الخواجا ) رحمه الله فهو يقرأ ويكتب ليسجل أسماء تلك الجموع مؤكده ان العراق بلد مضياف ، وواسع ويحتاج للأيدي العاملة .. فقررت استضافة تلك الجموع المهاجرة المتواجدة في جنين ريثما تعود الأمور إلى مجراها الطبيعي ومسارها الصحيح وتعود الامة إلى الله سبحانه وتعالى والى رشدها قائله لهم :- انتم ضيوف علينا .. ضيوف عندنا .. في العراق .. وهناك ثار احد أبناء فلسطين في جو عاطفي غاضب متسائلاً : وكيف نغادر أرضنا ووطننا ..؟ أجابه احد الضباط بأدب وحسن نية وأمل ، بعد أسبوعين سوف تعودون الى فلسطين .. هذه الكلمة اللطيفة الحلوة قالها أكثر من ضابط وعسكري عراقي .. وعربي .. في جبهات القتال في حرب فلسطين 1948 م .. انه التأمل .. انه الأمل .. انه الحقيقة التي غابت ...
احضر قادة وضباط الجيش العراقي ( اللوريات ) وأجروا لوريات أهلية أخرى لنقل اللاجئين الفلسطينيين إلى العراق بناء على طلب وأمر وتوجيهات واستضافة الملكة عالية والوصي عبد الإله ، وتوجيهات نوري السعيد وكبار قادة الجيش العراقي في جنين وفي وزارة الدفاع العراقية في بغداد .
وصل هؤلاء اللاجئون لبغداد بعد أيام من السفر والمسير الطويل الشاق الذي بلغ عدة أيام ووزعتهم الحكومة العراقية ، ممثله بوزارة الدفاع ، وزعتهم في بغداد وفي معسكر الشعيبة بالبصرة وفي مدينة الموصل وسنجار وفي مدارس بغداد وغيرها .. وقد تكفل الجيش العراقي بالإنفاق على أبناء فلسطين اللاجئين الفلسطينيين ورعايتهم والاهتمام بهم , والإنفاق عليهم من مسئولية وتخصيصات وزارة الدفاع العراقية التي أمنت لهم الطعام ( القصعة ) حالهم حال عناصر الجيش العراقي ، تؤمن لهم الطعام بشكل قصعات وبالقدور الكبيرة ، وأمنت سكناهم الوقتي في المساجد والجامعات والمدارس والنوادي وفي معسكر المحاويل في الحلة ايضاً .. استمر هذا الحال حتى أواخر عام 1950 م .
بعدها ( وهذه المعلومة الصغيرة يقفز فوقها جميع المؤرخون والباحثون ) بعدها تم نقل ملف أمر اللاجئين الفلسطينيين من وزارة الدفاع إلى وزارة الشؤون الاجتماعية وتحديداً الى ( مديرية الخدمات الاجتماعية ) بل وحصراً في قسم شؤون الفلسطينيين في هذه المديرية يديره عدد من الموظفين الذي يشغلون غرفتان أو ثلاث . وفي إحدى السنين في أوائل الستينات كان مكان ، ( مديرية الخدمات الاجتماعية ) كان في باب المعظم مقابل القسم الداخلي للطلبة تقريباً . واستمر هذا الحال من عام 1951 م إلى أوائل السبعينات حينها تم استحداث بناية خاصة مستقلة أطلق عليها ( إدارة شؤون الفلسطينيين ) ضمن وزارة الشؤون كانت مرة في البتاوين قرب الباب الشرقي ومرة عند شارع المشجر ( السعدون ) ومرة مقابل سينما النصر حينما كانت وزارة الشؤون في ساحة الخلاني ببغداد ثم في ساحة الوثبة والتي احرق قسم من طوابقها في عام 2003 م .
عدد الاجئيين الفلسطينيين في العراق : اختلف العديد من الباحثين في الشأن الفلسطيني حول عدد اللاجئين الفلسطينيين إلى العراق في أواخر عام 1948 م وأول عام 1949 م.
في مصدر لإدارة الخدمات الاجتماعية العراقية ( وهي جهة رسمية مختصة ) ذكر ان عدهم 3500 نسمة ، وفي مصدر الوثيقة الصادرة عن القائم بأعمال السفارة العراقية ببيروت عام 1948 م التي يخاطب بها وزير الخارجية العراقي في 19/2 /1949 م ان عددهم 3000 نسمة ، وذكر الباحث يونس دودين ( ماجستير ) حول عدد الفلسطينيين في العراق ذكر ان عددهم 3500 نسمة اعتماداً على مصدر الجهات الرسمية العراقية ، وذكر لي المرحوم شحادة الفرحات من اجزم الذي قابلته في مخيم اليرموك في دمشق عام 1988 م قال لي إني كنت مدير اللاجئين في الشعيبة (لكونه يقرأ ويكتب او خريج ابتدائية وعمل كموظف أداري في الشعيبة ) قال ان عددهم 4000 نسمة . سجلتهم بيدي وفي كل الأحوال ان هذه الأرقام كلها صحيحة ، ومتقاربة والتي هي بحدود 3000 – 4000 لاجئ فلسطيني لان الهجرة تواصلت لأواخر عام 1948 م وأول 1949 م أما من يقول عددهم 5000 نسمة فهذا بعيد عن الحقيقة استناداً إلى ما بينته من معلومات أعلاه وإذا كان عدد الفلسطينيين في العراق 5000 نسمه فهذا جائز في العام 1951 م و 1952 م .
وفي شهر نيسان 2003 م عند الاحتلال الأمريكي للعراق كان عدد الفلسطينيين بحدود 30 إلى 33 ألف نسمة فقط ، فيهم حملة الوثائق المصرية والجوازات الأردنية والعائدين من الكويت إضافة أو فضلاً عن فلسطينيو العراق وبعض الذين جاءوا للعراق بعد حرب حزيران 1967 م .
وفي إحصاء رسمي دولي قامت به إحدى أطراف الأمم المتحدة ( المفوضية ) برعاية الجهات الرسمية العراقية في شهر أيلول وتشرين الأول عام 2003 م كان عدد الفلسطينيين 23 ألف نسمة ما عدا أعداد بسيطة في الموصل والبصرة . وبعد ان تشتت وهاجر فلسطينيو العراق بأي وسيلة كانت بسبب العنف الطائفي الذي طالهم بقي في العراق في حدود 10 آلاف نسمة وفق تقديرات عام 2010 م . والجدير بالذكر ان معظم هؤلاء اللاجئين هم من قرى حيفا من الساحل مثل قرى اجزم ، جبع ، عين غزال ، المزار ، الطيرة ، والصرفند ، وعتليت ، ومدينة حيفا ..
تأسيس وكالة الغوث الدولية :-
في الخمسينات على اثر نكبة الفلسطينيين في أسوأ كارثة إنسانية تم تأسيس واستحداث دائرة وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ( الانروا ) والمنبثقة عن هيئة الأمم المتحدة وشكلت خصيصاً لرعاية وتأهيل اللاجئين الفلسطينيين والاهتمام بأحوالهم والتخفيف عن معاناتهم وقد تشكلت ميزانية هذه الوكالة من التزامات دول العالم الأعضاء ( من ضمنهم الدول العربية ) التي تدفع شهرياً مئات وآلاف الباونات الإسترليني لكي تستطيع النهوض بأعبائها . غير ان الحكومة العراقية لوضعها الاقتصادي والمادي الجيد ، وكبر مساحة العراق ، وقلة عدد اللاجئين الفلسطينيين في العراق لديها مقارنة مع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وسوريا والأردن قررت رفض دفع مبالغ التزاماتها المالية للوكالة مقابل ان تقوم هي بنفقات والتزام الخدمات وتأهيل ومساعدة اللاجئين الفلسطينيين بالنواحي السكنية والصحية والمعاشية والتعليمية والثقافية والاقتصادية كما ينبغي .
إذن أول هيئة أنشأتها الأمم المتحدة لتعني بشؤون اللاجئين في العالم كانت هيئة إغاثة اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة .
(United Nations Relit For Palestine Refugees )
وحل محلها في أواخر سنة 1950 م وكالة الأمم المتحدة للإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين
( United Nations Relit and works Agency unrwa )
العراق يرفض مساعدة الأمم المتحدة للاجئين ليقوم بالمهمة نيابة الحكومة العراقية ترفض مساعدة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين وتتعهد بالنفقات والإنفاق :
وثيقة سرية :- وهذه الوثيقة السرية من القائم بأعمال السفارة العراقية في بيروت يخاطب بها وزير الخارجية العراقية ويعلمه ان حكومة لبنان قد وقعت اتفاقيه مع الأمم المتحدة ووسيطها وممثليها ( الكونت برنا دونت ) في استيعاب ورعاية الفلسطينيين اللاجئين إلى لبنان وإسكانهم وإطعامهم على نفقة الأمم المتحدة .
القائم بأعمال سفارة العراق في بيروت يخبر وزيره بعدم ضرورة عقد اتفاق مماثل لان اللاجئين الفلسطينيين في العراق 3000 نسمة فقط . ( الوثيقة 234 ) الرقم 23 / 10 / 75 التاريخ آذار 1949 م الموضوع مساعدة اللاجئين / الملف 4844 / 311 الوثيقة 47 / 53 – المفوضية الملكية العراقية – بيروت .
سري / وزير الخارجية / الموضوع عقد اتفاق لمساعدة اللاجئين كتابكم المرقم 4/ 97 / 97 / 13 / 2512 / 75 وزارة الخارجية المؤرخ في 19 / 2 / 1949 م اتصلنا بمكتب وكيل الوسيط الدولي في بيروت فأحالنا على المستر ( ستانتن كفس ) رئيس لجنة إسعاف المهاجرين الفلسطينيين واطلعنا على رغبة الحكومة العراقية في عقد اتفاق مماثل الذي عقد في وزارة الخارجية اللبنانية والكونت ( برنادوت ) واطلعنا على صورته فقال اعتقد انه لا ضرورة لعقد هذه الاتفاقية لان موادها تختص بمساعدة الحكومة العاقدة لنقل وتأمين إيصال المواد الغذائية الى اللاجئين وحيث ان ادارتة لا تفكر في المستقبل القريب أو البعيد بإيصال إي مواد غذائية إلى اللاجئين في العراق لقلة عددهم ( في أب 1948 أذنت الحكومة العراقية بثلاثة ألاف لاجئ فلسطيني للإقامة في العراق بذلك أصبح عدد الفلسطينيين اللاجئين في العراق فيما بعد 8000 نسمه ) تضيف الوثيقة :- ( فأنه لا يرى ما يستدعي عقده إلا انه في حالة إصرار الحكومة العراقية فأنه مستعد لتوقيعها بالرغم من اعتقاده بأنتقاء الفائدة من ذلك ) ( القائم في الأعمال العراقية ، صورة من ألمفوضيه الملكية العراقية في دمشق ، للإطلاع ) . ( ملاحظة :- علماً ان برنادوت قتل في 17 أيلول 1948 معنى ورود اسمه ان الملحق العراقي يذكر اسمه على سبيل المثال ..)
الوجود الشرعي والقانوني للاجئين الفلسطينيين في العراق :-
أقلت آليات الجيش العراقي جموع اللاجئين الفلسطينيين بناء على أمر وطلب وتوجيه وقرار القيادة الملكية ( المتمثلة بالملكة عالية وأخيها عبد الإله الوصي على العرش ) والقيادة العسكرية للجيش العراقي متمثلة بقيادة الجيش العراقي في جنين وبغداد والحكومة العراقية المتمثلة بعدد من الساسة منهم نوري السعيد ، اللذين قرروا جميعاً استقدام واستضافة هؤلاء اللاجئين الفلسطينيين انطلاقاً من تحمل المسؤولية تجاه الأشقاء ومن موقف العراق منذ حرب عام 1948 والى ان تتحرر فلسطين بأذن الله ، أصبح وجودهم وجود رسمي وشرعي وقانوني وأنساني وطبيعي ونظمت لأجلهم القوانين اللازمة بذلك وتم الترحيب بوفادتهم .
المهاجرون والأنصار :-
لاقى الأخوة الفلسطينيين اللاجئون للعراق من أخوتهم العراقيين كل ترحيب وحب وحفاوة تليق بغيرة العربي وشهامة المسلم واستقبلوهم خير استقبال وبعاطفة جياشة إخوتهم الخارجين من حرب عسكرية وسياسية خاسرة غير متكافئة كما يستقبل الفارس للفارس والقائد للقائد . أنها استراحة وهدنة المحارب الذي سوف ينهض للمنازلة من جديد .. استقبل أهل العراق أخوتهم أهل فلسطين في منتهى العواطف الجياشة والمشاعر الرقيقة وروح التآخي والحب والكرم والوفاء ، وأكرموا وفادتهم والتخفيف عن معاناتهم ومسحوا غبار المعركة عن رجال فلسطين ومسحوا دموع الأطفال والنساء والأرامل وجبروا خواطر الشيوخ .. وكان أهل العراق الغيارى هم الأنصار والفلسطينيون هم المهاجرون وقامت بينهم علاقة اخوية حميمة تسودها الثقة والتعاون والمحبة والرؤيا المشتركة والهم المشترك في الآلام وفي الآمال والطموح والعقيدة المشتركة والمصير المشترك ..
ومرت أسابيع على هؤلاء اللاجئين ( ضحايا مؤامرات العالم عليهم ) وهم في حالة من الذهول والصدمة .. غير مصدقين ما حل بهم وبوطنهم العزيز .. استذكروا أيامهم وحقولهم ولياليهم وسهراتهم وأملاكهم وخيراتهم وربيعهم وخضارهم وخيولهم .. واخذ احدهم يتذكر حياتهم في بلادهم .. وأيامهم الحلوة الماضية .. المفقودة .. في قول الشاعر :-
واطل ربيع وربيع وربيع بلادي قد أدبر
ما عاد الحب بقريتـــــنا كنسيم الصبح إذا اسفر
والليل كئيب منسدل والفجر طريد يتعثر
لا طفل يغدو في الشعب يلهو بالحلوى .. يتبختر
لا موقد قدر .. لا طابون لا كرم يزهو .. لا بيدر
أين السمار بقريتنا وقداح الشاي بنا تسهر
والقوة هبت نسمتها ورحيق الحب لها سكر
والنسوة تفترش الأعشاب في خيمة فل وصنوبر
واطل ربيع وربيع وربيع بلادي قد أدبر(1)
اجل .. رغم قساوة الشتات .. ومرارة الغربة .. فحب الوطن والبلاد مزروع بقوة في قلب الإنسان الفلسطيني .. سواء الذين تفيأوا ظلالها ..أو الذين ولدوا في محنة الشتات .. حب فلسطين بالنسبة أليهم .. هو كحبهم لله سبحانه وتعالى .. كحبهم لنبيهم وحبيبهم المصطفى محمد علية الصلاة والسلام ..
هذه مشاعر فلسطينيو العراق مع امام وخطيب جامع القدس في المجمع الفلسطيني في البلديات ببغداد الشاعر الأستاذ الشيخ حسن طالب محمد الزريقي .. يعبر لنا في بعض قصائده حب فلسطين .. حتى من قبل الأجيال الحاضرة التي لم تر فلسطين .. وانما عالسماع .. وذكريات الأهل .. وتوجيهات الإسلام ..
قالوا عشقت فلسطيناً ولم ترها فقلت روح تمشي خلسة بدمي
سرى زماناً بأبائي وحين مضوا ورثته عنهم كنزاً من النعم
عجبتموا ان عشقناها ولم نرها النبت يعشق ضوء الشمس وهي عمي (2 )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) من شعر الشاعرالشيخ الفلسطيني ماهر أبو الحمص قرية كان اسمها زيتونه . (2) الشاعر الشاب الشيخ حسن طالب محمد الزريقي ( أبي عبد الرحمن ) في إحد دواوينه .
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"