بســم الله الرّحمــن الرّحيــم
إنطلاقاً من واجبنا الدّينيّ ..
و من رابطةِ الدّم الّتي تتدفّقُ في عروقناِ ..
و من وحدةِ المَصير و القضيّة ...
صمّمنا أن نُبدِّدَ العتمةَ و الغمُوضَ َالّذي يلفُّ واقعَ الفلسطينيّين في العراقِ بُعيدَ احتلالِه.و بإرادةٍ صلبةٍ ..
نقولُ : لا, لكلِّ الأعمالِ الإجراميّة ضدّ أبناء شَعبنا الفلسطينيّ في العراقِ و في أيّ مكان ..
فمن رحمِ مُعاناتهم وُلِدت هذه السّلسلة المُترابطة و الّتي سُمِّيَت بـ "سلسلةِ الراصد" .. مكوّنة من مَجموعةٍ من الحلقاتِ تتحدثُّ عن الإنتهاكات من خلالِ شواهدَ مستوحاةٍ من عذاباتِ الفلسطينييّن ..
كلٌّ حسبَ مُصيبته .. و بكلماتٍ خطّوها و الدّمعةُ في عُيونهم .. و الأسى يلفُّ قلوبَهم .. و الأملُ بحلِّ قضيّتهم يعتلي رَغباتِهم .. و بصوتٍ لا يتجاوزُ صداهُ حدودَ المخيّم : أين الأمان و الحياة ؟
الحلقةُ الأولى
تعذيب .. ترهيب .. تهجير
الإسـمُ : محمّد حسـين محمود الطّـه.
العمر : 39 عاما .
الحالـة الإجتماعيـة : متزوّج.
مكـانُ الإقـامةِ الحاليـة : مخيّمُ التّنف الحـدوديّ بينَ الحـدود ِالسّـوريّةِ و العراقيّةِ.
رقم الخيمة : 16 .
في الحَلقةِ الأولى من حَلقاتِ هذه السّلسلة, سنتحدّثُ عن قصّةِ الّلاجئ الفِلِسطينيِّ من العراقِ : محمّد حسين الطه.محمّد .. هذا الّلاجئ الّذي انتهى بهِ المَطافُ في إحدى خيام التّنف, متزوّجٌ و أبٌ لأربعةِ أبناء ..
يعملُ في مهنةِ ميكانيك السياّرات, حيث يمتلكُ كراجاً لإصلاح السّيارات في العاصمةِ العِراقيّةِ بغداد ..
كلُّ ذلكَ قبلَ أن يُجبرَ على مغادرةِ العراق جرَّاء ما لاقاهُ و أسرَتهُ من ظلمٍٍ و شتَّى صنوفِ التّعذيب و التّرهيب على يدِ مايُسمّى بـ لواء الحسين التابع لجيشِ المهدي وحالياً يسمى بـ لواء الرافدين.
محمّد روى تفاصيلَ اعتقالِه .. فبتاريخِِِِ ( 2-7-2005 ) و بينما كانَ يقومُ بتركيبِ لاصقٍ لزجاجٍِ سيّارتِه في إحدى محلات بيعِ مُستلزماتِ العرباتِ في حيّ المشتلِ ببغدادِ, انفجرت سيّارةٌ مفخّخةٌ على مسافةٍ قريبةٍ مِنهُ قرابة السّاعةِ الرّابعة و النّصف عصراً, ليُجبَرَ على الهروبِ من مكانِ الحادثِ ..لكن سرعان ما أن طوقت الشّرطةُ المَكانَ و قامَت بمُلاحقةِ محمّدٍ حتى اعتقلتُه, بعدهَا قام قائدُ الدّورية و اسمُهُ الرّائد ماجد بالتّعرّفِ على جنسيّتِه و تبيَّن لهُ انَّه فلسطينيُّ فبدأ بشتمِه بـ " صداميّ .. تكفيريّ.. نجس ".
ثم نُقل محمّدٌ إلى المعتقلِ .. لتبدأ مرحلةُ التّعذيبِ و الّتي استمرّت مدّةَ 16 يوماً, حيثُ تفنَّن الخاطفونَ بتعذيبِِه مِن ربطِه و تعليقِه في الهَواء كما يُربط الخروفُ عند ذبحِه, وتعريتِه من ملابسِه و وَضعِه في مُنتصَفِ المعتقلينَ البالغ عددُهم 225 معتقلاً, و صلبه على لوحين خشبييّن مُتقاطِعَين على شكلِ صليب و تقييدِ يدَيهِ و رجليهِ و رأسِه, ثمّ قاموا بربطِ مقدّمة عُضوه التناسلي و بدؤوا بشدّه, ثمّ أخذوا يَضربونَه بكبلٍ كهربائيّ غَليظٍ على رأسِه و أعضائهِ التّناسليّة.و قَد حاولوا ثقبَ جَسَدِه بواسِطةِ المِثقَب الكهربائيّ, لكنَّ إرادة الله حالت دونَ عمل المِثقبِ لأكثرِ من مرّةٍ, و لتستمرَّ عمليّةُ التّعذيبِ دونَ توجيهِ تُهمةِ له أو التّحقيق معه لمدةِ 16 يوماً.
و بعدَ هذا التّعذيب بدأ التّحقيقُ معَهُ حولَ سببِ وجودِه في مَكانِ الإنفجارِ, لكنّهم لم يقتنعوا بكلامِه ..
ليستمرَّ التّحقيقُ و التّعذيبُ لمدّةِ 36 يوماً.
خلالَ فترةِ التّعذيبِ زارَ السّجنَ ضابط ٌ في جيشِ الإحتلالِ الأمريكيِّ, و قد هُدِّدَ محمَّدٌ من قِبَلِ مُعتقِليه في حالِ سؤالِه عن وضعِه الصحيِّ المُتدهور بأن يجيبَ أنه أُصيبَ خلال هربِه من مكانِ الإنفجار و إلا لن يرَى عائلتَه بعدَ الآن .. فأُجبر محمّد على الكذبِ عندَ سؤالِه عن صحّتِه من قِبلِ الضّابط الأمريكيّ.ثمّ أخذَ الخاطفونَ بمُساوَمَةِ عائلةِ محمّد من خلالِ الإفراج عنه مُقابلَ مَبلغ ماليّ, حيثُ طُلِبَ من أهله مبلغ 10 آلاف دولار و هيَ غيرُ متوفّرة لدى العائلة, فاضطرّوا لبَيعِ أثاثِ المَنزلِ و تمَّ تأمينُ 4500 دولار و تمَّ إطلاقُ سراحِ محمّد.
لكن لم تنتهِ قصّةُ اعتقالِه هنا, فبعدَ شَهرٍ واحدٍ تمَّ اختطافُه مجدّداً و على يدِ نفسِ الأشخاص و لمدّةِ عَشرة أيامٍ و أُطلِقَ سراحُه مقابل 3500 دولار.
ثمّ تعادُ عمليةُ الإعتقالِ مرّتين بعد أقلِّ من عشرةِ أيامٍ و أيضاً نفس المجموعة, حيثُ تمَّ نقلُه إلى منطقةِ الزّعفرانيةِ و لم يُطلقْ سراحُه إلا بعد دفعِ 7500 دولار في المرّتين معاً.محمّدٌ ليس الوحيد من أسرتِهِ الّذي تعرَّضَ للإختطافِ..
ولدُهُ حسين تعرَّضَ لعمليّةِ اختطافٍ فاشلةٍ أثناءَ خروجِه من مدرستِه, حيثُ تمكَّن من الهُرُوبِ بعدَ إصابتِه برأسِه جرَّاء ضَربِه من قبَلِ الخاطفينَ ذوي الصّلةِ بخاطفي والدِه.
هذه الأحداثُ و المَصائبُ دفعت محمّد للتّفكيرِ جديّاً بمُغادرةِ العراقِ ..فما عادَ في القلبِ صبرٌ ..و ماعادَ للجسدِ قدرةٌ لتحمُّلِ المزيد ..
و فعلا بتاريخِ (25-5-2006) غادرَ العراقَ متوجّهاً إلى سوريا ..ليستقرَّ به المطافُ في مخيمِ التّنف للاجئين .. ينتظرُ الفرجَ من ربِّ العالمين ..
و من إخوةٍ له في الدّين.
ماهر حجـازي – المنسّـق الإعـلاميّ للاّجئين
مخيّم التنف – الحدود السّـوريّة العراقيـّة