أفارقة القدس .. أفارقة فلسطينيون ومواليد زواج أفريقي فلسطيني

بواسطة قراءة 1105
أفارقة القدس .. أفارقة فلسطينيون ومواليد زواج أفريقي فلسطيني
أفارقة القدس .. أفارقة فلسطينيون ومواليد زواج أفريقي فلسطيني

 

{يجب أن يُقاوَم الشر بقوة الخير والحب، عندما يدمر الحبُ الشر، يقتله إلى الأبد. أما القوة الوحشية فلا تستطيع أن تدفن الشر إلا بصورة مؤقتة، لأن الشر بذرة عنيدة، حالما تدفن تنمو في السر، وتظهر مرة أخرى وهي أكثر بشاعة. الحكيم الفولاني باندياقرا، شيرنو بكار، في نصيحة لتلميذه آمادو همباتي با.}

 

الأفارقة المقدسيون أو التكارنة، كما يُعرّفهم المؤرخ الفلسطيني عارف العارف [١٨٩٢-١٩٧٣]، في كتابه المفصل في تاريخ القدس (١٩٦١)، عبارة عن "أسرة كبيرة من أسر بيت المقدس، وفدوا إليها من دارفور وملحقاتها، وذُكر بطنٌ أصله من تكريت، يلتحق بـ"زوبع" إحدى بطون "شمر"، وكانت الحكومة تستخدمهم في شؤون الشرطة، وعهدت إليهم بحراسة المدارس التي كانت تقوم في الدور والمنازل والأروقة حول الحرم [...]، أنهم سود اللون، طوال القامة، أقوياء البنية". 

في حين، يعرفهم الباحث الفلسطيني من جذور أفريقية، حسني شاهين، في نشرة بعنوان الأفارقة المسلمون في بيت المقدس، الصادرة عن دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس (١٩٨٤)، "بأنهم الأفارقة المسلمون المنحدرون من عدة بلدان أفريقية منها: نيجيريا، تشاد، السودان الفرنسية- مالي حاليًا-، والسنغال. وأنهم كذلك، مجموعة تنحدر من عدة قبائل أفريقية عربية، تتضمن كل من: قبائل الهوسا، السلامات، البرقو، الزغاوة، البرنو، القانمبو، والبلالة".

 

المكانة الثقافية للأفريقي الأسود في فلسطين

في هذا المقال، أحاول أن ألقي الضوء على إشكالية فهم وقياس المكانة الثقافية للأفريقي الأسود، وارتباطها بالاختلاف القائم على لون البشرة، والربط بينه وبين الوظيفة، والحيز السكني، وعلاقة كل ذلك بالغربة والغربة المضادة لدى الأفارقة المقدسيين.

 

{ تسمية ذوي البشرة السوداء بـ"العبيد" هي تسمية تمييزية عنصرية }

دعونا في البداية نطّلع على تعريف و معنى كلمة أسْوَد في معجم المعاني الجامع؛ وهي تشير من جانب إلى لون البشرة، ومن جانب آخر إلى المكان الذي ينحدر منه "رجال أفريقيا سود البشرة". التعريف الثاني يتقاطع نوعًا ما مع التعريف الذي قدمه عارف العارف، أي أنهم من "دارفور وملحقاتها"، من إطار جغرافي له سمات ثقافية ودينية محددة، وهو ما سينقلنا إلى الحديث عن تأثير وعلاقة ذاك التحديد الجغرافي- الثقافي في تكوين الفصل -في الذهنية الثقافية الفلسطينية- بين صورة الأفريقي الأسود الحُر والمختطف "العبد". وأيضًا، تأثيره ومقياس استدخاله من قبل الأفريقي "التكروري"، على قاعدة الفصل بين مكانته الثقافية ومكانة "الآخر" الأفريقي.

 

جزء من الأمة الإسلامية لكن توجد دلالات "عرقية": لقد تلاشت الحدود الثقافية المشتركة بين المجتمع الفلسطيني المقدسي والأفريقي التكروري القائمة على اعتبارهم جزءًا من الأمة الإسلامية. لكن يوجد فصل قائم على دلالات "عرقية". فالأفريقي الأسود بصرف النظر عن تعريفه "تكروري" أو غير ذلك، هو "العبد الأسود" في المخيلة الثقافية العربية، كما يرى ياسر قوس.

 

مقاييس حيز المكانة الاجتماعية للأفريقي الأسود

قد لا يعلم البعض ربما أن هناك أفارقة سود يعيشون في عدة تجمعات بمختلف المدن والمخيمات داخل فلسطين. والعديد من الباحثين والمؤرخين الفلسطينيين، على سبيل المثال المؤرخة هدى لطفي وعارف العارف والباحث علي قليبو، يعتبرون بأن بداية الاتصال الأفريقي بفلسطين تعود إلى العهدين المملوكي والعثماني.

في دراسة هدى لطفي لسجلات ووثائق الحرم الشريف في القدس المملوكية، يُلاحظ الفصل بين مكانة الأفريقي الأسود "التكروري" الذي هو جزء من الأمة الإسلامية، وبين الأفريقي الأسود غير المسلم والذي يُعتبر بمثابة "العبد". في حين أن المؤرخ عارف العارف والباحث علي قليبو، يعتبران بأن الأفريقي الأسود "التكروري"، قد استخدِم في أعمال الحراسة والخدمة في الأماكن المقدسة في القدس ومكة في العهدين المملوكي والعثماني. 

ولنتوقف عند مفهوم "خدمة" هنا، كونه ذا طابع إشكالي، حيث يفسرها القلقشندي على أنها لقب من الألقاب السلطانية، في حين يفسرها لسان العرب وفقًا للدور والوظيفة بأنها "كل من يقوم على خدمة غيره من ذكر أو أنثى، غلامًا أو جارية". وهنا يتبادر السؤال، إلى أي درجة أثّر هذا الفصل بين الأفارقة السود على إعادة تشكيل الهوية الثقافية عند الأفريقي الأسود "التكروري"؟

 

 إشكالية العلاقة بين لون البشرة، الوظيفة، والحيز السكني

في محاولة ربط لون البشرة بالأصل الأفريقي وتأثير ذلك على الهوية الثقافية لدى الأفارقة المقدسيين، أسترجع من ذاكرتي الكلمات التي دأب عمي الحاج جبريل ولد شينه -رحمه الله- ترديدها على مسمعي "إحنا مش عبيد، إحنا أحرار". كلمات عمي كانت بمثابة مؤشر أوليّ لقياس مقدار عملية استدخال المفهوم القائم على الفصل الثقافي، وبالتالي استحداث هوية مغتربة عن بعدها الأفريقي، مع التأكيد على ربط النسب أو الأنساب بأصول لها في الجزيرة العربية "إحنا أصلنا من جدة"، كما يقترح ذلك المختار محمد جده في مقابلة أجريت معه سنة ١٩٩٧.

 

المصدر: قنطرة

3/6/1440

8/2/2019