الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :-
فالهدي الباطن هو ما يعتقده المؤمن بالإيمان بالله الخالق العظيم ويصدق بوجود الملائكة بمختلف وظائفهم ويؤمن بكتب الله تعالى وأنها كلام الله تعالى كالتوراة والزبور والإنجيل والصحف وأن القرآن الكريم ناسخ لهذه الكتب السماوية ومهيمن عليها ويؤمن بجميع الرسل والانبياء عليهم السلام وأن خاتم الرسل والانبياء وأفضلهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأن يؤمن باليوم الآخر وما فيه من حساب ومن نعيم وعذاب ويؤمن بالقدر خيره وشره , وهذا الإيمان يجعل في نفسه عدة دوافع منها المحبة له والرغبة به والرهبة منه والتوكل عليه والخوف.... إلخ من أعمال القلوب وتكون من علامات إيمانه قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من سرته حسناته وسائته سيئاته فهو المؤمن ) اخرجه الترمذي .
والهدي الظاهر هو أن يعمل المؤمن بما جاء في شرع الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم من أحكام وآداب كالنطق بالشهادتين والصلاة والزكاة والصوم والحج والتمسك بخلق النبي صلى الله عليه وسلم وهديه ويكون هذا دليل صدق على ما آمن وصدق به فلا يمكن ان نتصور مثلاَ شخص يخاف من الأسد والنار مثلا والخوف شعور قلبي ولا يهرب منهما وهذا تصرف عملي , وأيضا لا يعقل من يقول أنه مؤمن بالله وهو لم يصلي لله ركعة لهذا علماء الأمة عندما يعرفون الإيمان يقولون عنه هو قول باللسان واعتقاد بالجنان (بالقلب) وعمل بالجوارح يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية , ومن هذا التعريف يتبين لنا ان الإيمان اذا لم يظهر على أعمال الانسان فهذا يدل على عدم وجود الإيمان أصلا وإذا حصل نقص في الاعمال يكون دليلاً على نقص الإيمان في قلبه , لذلك يخطيء من يظن أنه مؤمن بالله وهو لا يقوم بما أوجب الله عليه من واجبات وأن علماء أهل السنة انكروا إنكاراَ شديداً على من أخرج الأعمال من الإيمان حيث جاء كثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تربط الاعتقاد بالعمل ومنها قوله تعالى : { إنما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون } [الانفال : 2] ، وقوله تعالى : { وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فأن الجنة هي المأوى } [النازعات : 40-41] ، ذكر في تفسير البغوي في شرح هذه الآيات يقول ليس المؤمن الذي يخالف الله ورسوله ، إنما المؤمنون الصادقون في إيمانهم ، ( الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ) خافت وفرقت قلوبهم ، وقيل : إذا خوفوا بالله انقادوا خوفا من عقابه ، ( وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا ) تصديقا ويقينا .
وقال عمير بن حبيب وكانت له صحبة : إن للإيمان زيادة ونقصانا ، قيل : فما زيادته ؟ قال : إذا ذكرنا الله عز وجل وحمدناه فذلك زيادته ، وإذا سهونا وغفلنا فذلك نقصانه ، وكتب عمر بن عبدالعزيز رحمه الله إلى ولاته في الامصار : إن للإيمان فرائض وشرائط وشرائع وحدودا وسننا فمن استكملها استكمل الإيمان ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان .
وجاء في الحديث النبوي أن جبريل عليه السلام جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم على صورة رجل فسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان فلما انصرف قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا جبريل عليه السلام أتاكم يعلمكم دينكم ، فهنا بين النبي صلى الله علي وسلم وسمى الإسلام والإيمان والإحسان دين أي بمعنى أنهم إذا جاء كل واحد منهم على حدا فأنه يدخل كل واحد منهم أي بمعنى إذا ذكر الإسلام لوحده فهو يشمل الدين ككل وكذا أيضا إذا ذكر الإيمان بشكل منفرد دخل معه الإسلام , وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : ( الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَان ) رواه مسلم ، فبين هنا النبي صلى عليه وسلم الاعتقاد بلا إله إلا الله ورفع الأذى عن الطريق وهنا يتضح علاقة التلازم بين الاعتقاد والعمل ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن قالوا وما ذاك يا رسول الله قال الجار لا يأمن جاره بوائقه قالوا يا رسول الله وما بوائقه قال شره ) مسند أحمد .
وكذلك جاء في سنن ابن ماجه عن عدي ابن حاتم رضي الله عنه قال : قال لي رسول صلى عليه وسلم : ( يا عدي اسلم تسلم , قلت: وما الاسلام ؟ قال : أن تشهد أن لا إله إلا الله وتشهد أني رسول الله وتؤمن بالأقدار كلها خيرها وشرها وحلوها ومرها ) ، فهذه نصوص واضحة وصريحة تدل أن الإيمان من الإسلام , وكعلاقة التلازم بين الإيمان والإسلام فكلما زاد الهدي الباطن في قلب العبد انعكس ذلك بتأكيد على الهدي الظاهر للعبد وكلما تخلى العبد عن الهدي الظاهر بتأكيد يكن دلالة على إنعدام أو ضعف الهدي الباطن .
وهناك بعض الناس يقرأ بعض الأحاديث ويفهمها فهماً خاطئ ، ويستدل بها على أن الاساس هو ما في القلب ومن هذه حديث النبي صلى الله عليه وسلم ( إن الله لا ينظر الى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ) رواه مسلم ، فلو قرأنا الحديث بشكل جيد لوجدنا ان الايمان لا يكفي وحده بدون عمل لقوله صلى الله عليه وسلم ( قلوبكم وأعمالكم ) .
وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في شرحه لرياض الصالحين ( 1 / 30 ) فالله سبحانه وتعالى لا ينظر إلى العباد إلى أجسامهم هل هي كبيرة أو صغيرة أو صحيحة أو سقيمة ولا ينظر إلى الصور هل هي جميلة أو ذميمة .
كل هذا ليس بشيء عند الله ، وكذلك لا ينظر إلى الأنساب هل هي رفيعة أو دنيئة ، ولا ينظر إلى الأموال ولا ينظر إلى شيء من هذا أبداً .
نستخلص من هذا الموضوع :
1. أن الإيمان قول وإعتقاد وعمل وأنه لا إيمان لمن ترك الفرائض وذلك لقوله تعالى { ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيراً } [النساء : 124] .
2. أن الإيمان ليس ثابت إنما يزداد بالطاعات وينقص بالمعاصي ، قال تعالى : { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون } [الانفال : 2] ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ) رواه البخاري ومسلم .
3. كلما قوي هدي الباطن انعكس على الهدي الظاهر , وهذا كان واضحا في سير الصحابة والتابعين والصالحين من بعدهم وكذلك كلما نقص منسوب الإيمان عند الإنسان اصبح أقرب إلى البهيمية .
4. عدم نفع من آمن وصدق بقلبه دون عمل جوارحه ، قال تعالى { يوم يأت بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً } [الأنعام : 158] .
5. إن قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ) رواه مسلم ، لا يدل على أن التمسك بالهدي الظاهر ليس مما لا ينظر الله إليه ، بل هو من الأعمال المطلوبة ، إما على الوجوب أو الاستحباب .
أسأل الله العظيم أن يقوي ايماننا باطنا وظاهرا وأن يثبت قلوبنا على الإيمان وأن يجعل صالح أعمالنا خواتيمها وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل وأن يهدي شبابنا وبناتنا لهذا الدين العظيم .
وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
ياسر الماضي
8/3/2012
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"