فرحة العيد - منصور بن محمد الشريدة

بواسطة قراءة 3471
فرحة العيد - منصور بن محمد الشريدة
فرحة العيد - منصور بن محمد الشريدة

مقدمة :

مع إشراقة أول يوم من شوال , يوم الزينة والزيارة , فقد عاد السرور على القلوب , وعادت البركات والخيرات بعودة العيد , لكثرة عوائد الله تعالى فيه على خلقه بأن بلغهم رمضان وأتم عليهم النعمة , وأعانهم على إتمام ركن من أركان الإسلام , فتوج شهر الصيام بالعيد , وأجزل لهم العطايا والمنح لعباده الصالحين , يخرجون فيه مكبرين تعظيماً لله , وبرهانا على ما في قلوبهم من محبته وشكره , فيجدر بالمسلم والمسلمة المحافظة فيه على الآداب والأخلاق الجميلة , والكرم والعفاف والستر والابتسامة والتزاور , وحفظ العمل الصالح , والتواصي بالتسامح والسلام والعفو عمن أخطأ أو ظلم أو قصَّر في الحقوق والواجبات من البعيد والقريب ( ... وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) [النور:22] فتصافحوا بالأيدي , وتبادلوا السلام , فالحمد لله على فضله و إعانته على الصيام والقيام والصدقة وقراءة القرآن فإن ذلك خير من الدنيا وما فيها ( قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) [يونس:58] .

فرحة العيد

فرحة العيد : بالتهنئة التي يتبادلها الناس فيما بينهم والتصافح والتآلف والتآخي.. فرحة العيد :بإدراك رمضان وبلبس الجديد وشهود الصلاة واجتماع ودعوة المسلمين.. فرحة العيد : بالتكبير , والاقتداء بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم بالصيام والإفطار.. فرحة العيد :بتمام النعم واستكمال الشهر ما يوجب شكر الله تعالى على نعمة الصيام والقيام.. فرحة العيد: لمن صام لأنه فرح عند فطره , وسيفرح عند لقاء ربه : ( فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ... ) [آل عمران : 170] فرحة العيد: للصغار والكبار لأن الفرح بذاته فطرة , ولذا فرحت عائشة رضي الله عنها في العيد وقامت تنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد , والنبي صلى الله عليه وسلم يتكئ لها لتنظر من ورائه. حكم صلاة العيد فرض كفاية وذلك لمحافظة النبي صلى الله عليه وسلم عليها , لحديث أم عطية رضي الله عنها قالت: (( أمرنا أن نخرج الحيَّض يوم العيدين , وذوات الخدور , فيشهدن جماعة المسلمين ودعوتهم ويعتزل الحيض عن مصلاهن , قالت امرأة: يا رسول الله إحدانا ليس لها جلباب , قال: (( لتلبسها صاحبتها من جلبابها)) )) أخرجه البخاري ومسلم .

سنن العيد

1- يسن قبل الخروج لمصلَّى العيد , أن تأكل تمرات وترا , أي: تمرة واحده أو ثلاث أو خمسا أو سبعا أو تسعا ’ لحديث أنس رضي الله عنه قال : (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات )) وقال أنس رضي الله عنه: (( ويأكلهن وترا )) رواه أحمد والبخاري. وإنما استحب الأكل قبل الخروج مبالغة في النهي عن الصوم في ذلك اليوم .

2- يسن حين الخروج لصلاة العيد الاشتغال بالتكبير المطلق ويرفع بها صوته حتى يأتي الإمام المصلى فيكبرون بتكبيره , قال الله تعالى: ( ... وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) [البقرة: 185]. فيشرع التكبير وترفع به الأصوات في البيوت , والطرق , والأسواق والمساجد , وصفته: ( الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله , والله أكبر الله أكبر ولله الحمد) فقد كان ابن عمر رضي الله عنه (يكبر إذا خرج من بيته إلى المصلى) كما نقله بأسانيد صحيحه البيهقي (3/ 279)وابن أبي شيبة(1/ 487). ويسر به النساء لأنهن مأمورات بالإسرار بالصوت .

3- يسن تأخير صلاة الفطر , وتقديم صلاة الاضحى , لما ورد عن الشافعي مرسلا , (( أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى عمرو بن حزم : أن عجل الأضحى , وذكر الناس )) . وليتسع وقت التضحية بتقديم الصلاة في الأضحى , وليتسع الوقت لإخراج زكاة الفطر قبل صلاة العيد .

4- يسن التبكير في الخروج لصلاة العيد , ليتمكن من الدنو من الإمام وسماع الخطبة والذكر وتحصل له فضيلة انتظار الصلاة , من غير تخطي رقاب الناس ’ ولا أذى أحد: كان عبدالرحمن بن أبي ليلى , وعبدالله بن معقل , يصليان الفجر يوم العيد وعليهما ثيابهما ثم يندفعان إلى الجبانة أحدهما يكبر والآخر يهلل .

5- يسن أن يذهب للمصلى مبكرا ومكبرا ماشيا من طريق ويرجع من طريق آخر إقتداءً بالنبي وإظهاراً لشعائر الله , وليشهد له الطريقان ويخفف الزحام وليلقى قوما من المسلمين ما لقيهم يسلم عليهم ويدعو لهم ويدعون له (( كان النبي إذا كان يوم العيد خالف الطريق )) أخرجه البخاري, برقم(986) .

6- يسن التجمل ولبس أحسن الثياب , فعن جابر رضي الله عنه قال: ( كان للنبي صلى الله عليه وسلم جبة يلبسها في العيدين ويوم الجمعة ) أخرجه ابن خزيمة(1766) , والبيهقي(3/ 280) .

آداب العيد

1- قبل العيد تفقد الأسر المحتاجة وتفطن للأسر المتعففة بالكسوة والطعام لتعيشوا جميعا فرحة العيد إخوانا متحابين .

2- الاغتسال قبل الخروج للصلاة , فقد صح عن ابن عمر رضي الله عنه كان يغتسل قبل أن يغدو إلى المصلى .

3- التهنئة التي يتبادلها الناس .. كقول عيدكم مبارك أو تقبل الله منا ومنكم صالح القول والعمل.. وما أشبه ذلك من عبارات التهنئة , فعن جبير ابن نفير قال : ( كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض : تقبل الله منا ومنك) حسن أسناده ابن حجر في فتح الباري 2/446 . و ذكر ابن رشد في (البيان والتحصيل)(( أن مالكا – رحمه الله – سئل هل يكره للرجل أن يقول لأخيه إذا انصرف من العيد: ( تقبل الله مني ومنك , وغفر الله لنا ولك )ويرد عليه أخوه مثل ذلك , فقال لي : لا نكره مثل ذلك)) .

4- غض البصر أثناء الخروج للمصلى والتواضع في المشي ورد السلام .

5- جواز اللعب في العيد فيما لا محذور فيه للنساء والجواري بشرط أن لا يكون شعرا محرما أو بآلات الطرب المحرمة , قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: ( مشروعية التوسعة على العيال في أيام العيد بأنواع ما يحصل لهم من بسط النفس , وترويح البدن من كلف العبادة , وأن الإعراض عن ذلك أولى ’ وفيه إظهار السرور في الأعياد من شعائر الدين).فتح الباري2 /433 .

6- صلة الرحم , بالزيارة والمساعدة والإحسان لهم وإدخال السرور عليهم , ليحصل بذلك تبادل المحبة والمودة .

أخطاء ينبغي التنزه عنها في أيام العيد :

1- خروج بعض النساء لمصلى العيد متعطرات متجملات سافرات كاشفات وجوههن أو واضعات ستر رقيق ، أمام الرجال الأجانب .

2- الاستماع إلى الغناء والموسيقى المحرمة و اختلاط الرجال بالنساء الغير محارم .

3- تضييع الجماعة والنوم عن الصلوات المكتوبة .

4- تخصيص دعاء معين ليلة العيد أو في صلاة العيد .

5- اعتقاد البعض مشروعية إحياء ليلة العيد بعبادة من بين سائر الليالي , فلم يرد ما يثبت تخصيص ليلة العيد بقيام عن سائر الليالي .

6- اعتقاد فضيلة زيارة المقابر يوم العيد , فزيارة المقابر تشرع في سائر أيام السنة من دون تخصيص يوم محدد .

7- يحرم صوم يوم العيد ويجب فطره , لأنها أيام أكل وشرب وذكر لله .

8- لا نافلة قبل صلاة العيد ولا بعدها في المصلى , إلا إن صلى الناس في المسجد , فيصلي قبل الجلوس ركعتين تحية للمسجد , عن ابن عباس رضي الله عنهما : (( أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الفطر فصلى ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها , ومعه بلال)) . متفق عليه .

9- الإسراف والتبذير , قال الله تعالى: ( وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ) [الأنعام : 141] فمن الناس من زود موائده بألوان المطعوم وهو من زاد التقوى محروم .

10- البعض يعود بعد رمضان إلى المعاصي ويسود صحائفه بالذنوب واللهو والغفلة والتقصير في الأركان والواجبات , فإن انقضى شهر رمضان فإن عمل المؤمن لا ينقضي حتى الموت , قال الامام مالك: كل يوم يمر على المؤمن ولا يكتب عليه ذنب فهو يوم عيد زكاة الفطر واجبة على كل فرد من أهل البيت لقول ابن عمر رضي الله عنه: (( فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا من تمر , أو صاعا من شعير على العبد والحر , والذكر والأنثى , والصغير والكبير من المسلمين ))متفق عليه . تصرف للفقراء والمساكين قبل صلاة العيد بيوم أو يومين لسد حاجتهم, فطيبوا بها نفسا وأخرجوها من أطيب ما تجدون , ويجوز إخراجها من غالب قوت البلد مثل الأرز وهو القوت المدخر المعتاد في هذا البلاد , ولا يجوز توزيعها نقداً , أو مطبوخةً , يخرجها عن نفسه وعن أهل بيته .

صيام ست من شوال

عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( من صام رمضان , ثم أتبعه ستا من شوال , كان كصيام الدهر ))أخرجه مسلم(1164) وفي حديث ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( صيام رمضان بعشرة أشهر , وصيام الستة أيام بشهرين , فذلك صيام السنة )) , يعني رمضان وستة أيام بعده أخرجه أحمد(22412) .

نٍسأل الله جل وعلا بعد رمضان وفي هذا العيد أن نعود كما كنا عليه بعد خروجنا من بطون أمهاتنا بغير ذنب , أعاد الله عليكم من بركة هذا العيد , وحشركم في زمرة أهل الفضل والمزيد, وأن يعيده عليكم وأنتم بخير وبصحة وعافية وأمن وإيمان ونصر وعزة , ونسأله أن يتقبل منا الصيام والقيام ولا يكون حظنا من صومنا الجوع والعطش ولا حظنا من قيامنا التعب والمشقة. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

 

كتبه منصور محمد الشريدة

5/8/2013

 

حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"