مقدمة :
مع إشراقة أول يوم من شوال , يوم الزينة والزيارة , فقد عاد السرور
على القلوب , وعادت البركات والخيرات بعودة العيد , لكثرة عوائد الله تعالى فيه
على خلقه بأن بلغهم رمضان وأتم عليهم النعمة , وأعانهم على إتمام ركن من أركان
الإسلام , فتوج شهر الصيام بالعيد , وأجزل لهم العطايا والمنح لعباده الصالحين ,
يخرجون فيه مكبرين تعظيماً لله , وبرهانا على ما في قلوبهم من محبته وشكره , فيجدر
بالمسلم والمسلمة المحافظة فيه على الآداب والأخلاق الجميلة , والكرم والعفاف
والستر والابتسامة والتزاور , وحفظ العمل الصالح , والتواصي بالتسامح والسلام
والعفو عمن أخطأ أو ظلم أو قصَّر في الحقوق والواجبات من البعيد والقريب ( ... وَلْيَعْفُوا
وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ
رَحِيمٌ ) [النور:22] فتصافحوا بالأيدي , وتبادلوا السلام , فالحمد لله على فضله و
إعانته على الصيام والقيام والصدقة وقراءة القرآن فإن ذلك خير من الدنيا وما فيها (
قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ
مِمَّا يَجْمَعُونَ ) [يونس:58] .
فرحة العيد
فرحة العيد : بالتهنئة التي يتبادلها الناس فيما بينهم والتصافح
والتآلف والتآخي.. فرحة العيد :بإدراك رمضان وبلبس الجديد وشهود الصلاة واجتماع
ودعوة المسلمين.. فرحة العيد : بالتكبير , والاقتداء بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم بالصيام والإفطار..
فرحة العيد :بتمام النعم واستكمال الشهر ما يوجب شكر الله تعالى على نعمة الصيام
والقيام.. فرحة العيد: لمن صام لأنه فرح عند فطره , وسيفرح عند لقاء ربه : (
فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ... ) [آل عمران : 170] فرحة
العيد: للصغار والكبار لأن الفرح بذاته فطرة , ولذا فرحت عائشة رضي الله عنها في
العيد وقامت تنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد , والنبي صلى الله عليه وسلم يتكئ لها لتنظر من ورائه. حكم صلاة العيد فرض
كفاية وذلك لمحافظة النبي صلى
الله عليه وسلم عليها , لحديث أم عطية
رضي الله عنها قالت: (( أمرنا أن نخرج الحيَّض يوم العيدين , وذوات الخدور ,
فيشهدن جماعة المسلمين ودعوتهم ويعتزل الحيض عن مصلاهن , قالت امرأة: يا رسول الله
إحدانا ليس لها جلباب , قال: (( لتلبسها صاحبتها من جلبابها)) )) أخرجه البخاري
ومسلم .
سنن العيد
1- يسن قبل الخروج لمصلَّى العيد , أن تأكل تمرات وترا , أي: تمرة
واحده أو ثلاث أو خمسا أو سبعا أو تسعا ’ لحديث أنس رضي الله عنه قال : (( كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات )) وقال أنس
رضي الله عنه: (( ويأكلهن وترا )) رواه أحمد والبخاري.
وإنما استحب الأكل قبل الخروج مبالغة في النهي عن الصوم في ذلك اليوم .
2- يسن حين الخروج لصلاة العيد الاشتغال بالتكبير المطلق ويرفع بها
صوته حتى يأتي الإمام المصلى فيكبرون بتكبيره , قال الله تعالى: ( ... وَلِتُكَبِّرُوا
اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) [البقرة: 185]. فيشرع
التكبير وترفع به الأصوات في البيوت , والطرق , والأسواق والمساجد , وصفته: ( الله
أكبر الله أكبر لا إله إلا الله , والله أكبر الله أكبر ولله الحمد) فقد كان ابن
عمر رضي الله عنه (يكبر إذا خرج من بيته إلى المصلى) كما نقله بأسانيد صحيحه
البيهقي (3/ 279)وابن أبي شيبة(1/ 487). ويسر به النساء لأنهن مأمورات بالإسرار
بالصوت .
3- يسن تأخير صلاة الفطر , وتقديم صلاة الاضحى , لما ورد عن
الشافعي مرسلا , (( أن النبي صلى
الله عليه وسلم كتب إلى عمرو بن حزم :
أن عجل الأضحى , وذكر الناس )) . وليتسع وقت التضحية بتقديم الصلاة في الأضحى ,
وليتسع الوقت لإخراج زكاة الفطر قبل صلاة العيد .
4- يسن التبكير في الخروج لصلاة العيد , ليتمكن من الدنو من الإمام
وسماع الخطبة والذكر وتحصل له فضيلة انتظار الصلاة , من غير تخطي رقاب الناس ’ ولا
أذى أحد: كان عبدالرحمن بن أبي ليلى , وعبدالله بن معقل , يصليان الفجر يوم العيد
وعليهما ثيابهما ثم يندفعان إلى الجبانة أحدهما يكبر والآخر يهلل .
5- يسن أن يذهب للمصلى مبكرا ومكبرا ماشيا من طريق ويرجع من طريق
آخر إقتداءً بالنبي وإظهاراً لشعائر الله , وليشهد له الطريقان ويخفف الزحام
وليلقى قوما من المسلمين ما لقيهم يسلم عليهم ويدعو لهم ويدعون له (( كان النبي
إذا كان يوم العيد خالف الطريق )) أخرجه البخاري, برقم(986) .
6- يسن التجمل ولبس أحسن الثياب , فعن جابر رضي الله عنه قال: ( كان
للنبي صلى الله عليه وسلم جبة يلبسها في العيدين ويوم الجمعة ) أخرجه ابن
خزيمة(1766) , والبيهقي(3/ 280) .
آداب العيد
1- قبل العيد تفقد الأسر المحتاجة وتفطن للأسر المتعففة بالكسوة
والطعام لتعيشوا جميعا فرحة العيد إخوانا متحابين .
2- الاغتسال قبل الخروج للصلاة , فقد صح عن ابن عمر رضي الله عنه
كان يغتسل قبل أن يغدو إلى المصلى .
3- التهنئة التي يتبادلها الناس .. كقول عيدكم مبارك أو تقبل الله
منا ومنكم صالح القول والعمل.. وما أشبه ذلك من عبارات التهنئة , فعن جبير ابن
نفير قال : ( كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض : تقبل
الله منا ومنك) حسن أسناده ابن حجر في فتح الباري 2/446 . و ذكر ابن رشد في
(البيان والتحصيل)(( أن مالكا – رحمه الله – سئل هل يكره للرجل أن يقول لأخيه إذا
انصرف من العيد: ( تقبل الله مني ومنك , وغفر الله لنا ولك )ويرد عليه أخوه مثل
ذلك , فقال لي : لا نكره مثل ذلك)) .
4- غض البصر أثناء الخروج للمصلى والتواضع في المشي ورد السلام .
5- جواز اللعب في العيد فيما لا محذور فيه للنساء والجواري بشرط أن
لا يكون شعرا محرما أو بآلات الطرب المحرمة , قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
( مشروعية التوسعة على العيال في أيام العيد بأنواع ما يحصل لهم من بسط النفس ,
وترويح البدن من كلف العبادة , وأن الإعراض عن ذلك أولى ’ وفيه إظهار السرور في
الأعياد من شعائر الدين).فتح الباري2 /433 .
6- صلة الرحم , بالزيارة والمساعدة والإحسان لهم وإدخال السرور
عليهم , ليحصل بذلك تبادل المحبة والمودة .
أخطاء ينبغي التنزه عنها في أيام العيد :
1- خروج بعض النساء لمصلى العيد متعطرات متجملات سافرات كاشفات
وجوههن أو واضعات ستر رقيق ، أمام الرجال الأجانب .
2- الاستماع إلى الغناء والموسيقى المحرمة و اختلاط الرجال بالنساء
الغير محارم .
3- تضييع الجماعة والنوم عن الصلوات المكتوبة .
4- تخصيص دعاء معين ليلة العيد أو في صلاة العيد .
5- اعتقاد البعض مشروعية إحياء ليلة العيد بعبادة من بين سائر
الليالي , فلم يرد ما يثبت تخصيص ليلة العيد بقيام عن سائر الليالي .
6- اعتقاد فضيلة زيارة المقابر يوم العيد , فزيارة المقابر تشرع في
سائر أيام السنة من دون تخصيص يوم محدد .
7- يحرم صوم يوم العيد ويجب فطره , لأنها أيام أكل وشرب وذكر لله .
8- لا نافلة قبل صلاة العيد ولا بعدها في المصلى , إلا إن صلى
الناس في المسجد , فيصلي قبل الجلوس ركعتين تحية للمسجد , عن ابن عباس رضي الله
عنهما : (( أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الفطر فصلى ركعتين لم يصل قبلها ولا
بعدها , ومعه بلال)) . متفق عليه .
9- الإسراف والتبذير , قال الله تعالى: ( وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ
لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ) [الأنعام : 141] فمن الناس من زود موائده بألوان المطعوم
وهو من زاد التقوى محروم .
10- البعض يعود بعد رمضان إلى المعاصي ويسود صحائفه بالذنوب واللهو
والغفلة والتقصير في الأركان والواجبات , فإن انقضى شهر رمضان فإن عمل المؤمن لا
ينقضي حتى الموت , قال الامام مالك: كل يوم يمر على المؤمن ولا يكتب عليه ذنب فهو
يوم عيد زكاة الفطر واجبة على كل فرد من أهل البيت لقول ابن عمر رضي الله عنه: (( فرض
رسول الله صلى
الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا من تمر
, أو صاعا من شعير على العبد والحر , والذكر والأنثى , والصغير والكبير من
المسلمين ))متفق عليه . تصرف للفقراء والمساكين قبل صلاة العيد بيوم أو يومين لسد
حاجتهم, فطيبوا بها نفسا وأخرجوها من أطيب ما تجدون , ويجوز إخراجها من غالب قوت
البلد مثل الأرز وهو القوت المدخر المعتاد في هذا البلاد , ولا يجوز توزيعها نقداً
, أو مطبوخةً , يخرجها عن نفسه وعن أهل بيته .
صيام ست من شوال
عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( من صام رمضان , ثم أتبعه ستا من شوال ,
كان كصيام الدهر ))أخرجه مسلم(1164) وفي حديث ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( صيام رمضان
بعشرة أشهر , وصيام الستة أيام بشهرين , فذلك صيام السنة )) , يعني رمضان وستة
أيام بعده أخرجه أحمد(22412) .
نٍسأل الله جل وعلا بعد رمضان وفي هذا العيد أن نعود كما كنا عليه
بعد خروجنا من بطون أمهاتنا بغير ذنب , أعاد الله عليكم من بركة هذا العيد ,
وحشركم في زمرة أهل الفضل والمزيد, وأن يعيده عليكم وأنتم بخير وبصحة وعافية وأمن
وإيمان ونصر وعزة , ونسأله أن يتقبل منا الصيام والقيام ولا يكون حظنا من صومنا
الجوع والعطش ولا حظنا من قيامنا التعب والمشقة.
وصلى
الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
كتبه
منصور محمد الشريدة
5/8/2013
حقوق
النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر
المصدر"