كان واضحا منذ البداية ، وعلى الرغم من بعض التعقيبات والتحليلات السطحية الكوردية ، فان كل التحليلات الموضوعية تؤكد على ان الغرض الاساس لزيارة محمود عباس رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية الى كوردستان كان لامرين اثنين لا ثالث لهما ، فالامر الاول والاساس كان لغرض طرح مسألة نقل الفلسطينيين الذين يعيشون في بغداد واسكانهم في اقليم كوردستان وذلك بغية انقاذهم من الظروف السيئة التي يعيشونها في بغداد ، وربما يكون هذا المسعى الفلسطيني مرتبطا بامر اخر ستراتيجي يقف وراءه بريطانيا واسرائيل وامريكا ودول عربية واقليمية يقضي بنقل اللاجئين الفلسطينيين من بغداد وربما من دول عربية اخرى الى كوردستان وتحديدا الى مدينة كركوك .
والغرض الثاني لزيارة الرئيس محمود عباس كان عرضه استثمار اموال فلسطينية في كوردستان مقابل قبول حكومة الاقليم باسكان الفلسطينيين ، اذ من المعلوم ان ثمة اغنياء فلسطينيين يستثمرون اموالا طائلة في بلدان كثيرة في العالم فما الضير ان يعرضوا هذا الامر من خلال الرئيس محمود عباس.
اما ان يكون الرئيس محمود عباس قد حمل رسائل او اشارات عربية ، فهذا مجرد تكهنات لا يوجد ما يؤكد حصولها ، فالرئيس محمود عباس يحمل على اكتافه هموما اكبر من ان يتفرغ لنقل رسائل عربية الى كوردستان ، ثم ماهي الرسائل العربية الى كوردستان؟ ، فالهم الفلسطيني هو الشئ الوحيد الذي يشغل الرئيس الفلسطيني ، وكلنا نعلم تعقيدات الخراب (الحماسي) في الوضع الداخلي الفلسطيني ، وتعقيدات العلاقات الفلسطينية عموما مع اسرائيل، خصوصا بعد تشكيل الحكومة الجديدة التي تغلب عليها سياسات اليمين الاسرائيلي.
ودون الدخول في عمق التاريخ والدور الكوردي الايوبي في فلسطين ، فأن تعاطف شعب كوردستان مع الفلسطينيين كان كبيرا منذ امد بعيد ، وقد وصل هذا التعاطف الى درجة المشاركة في القتال ضمن المنظمات الفدائية ، وان ثمنا كبيرا ما زالت الحركة الكوردية في تركيا تدفعه نتيجة ذلك التعاطف مع الشعب الفلسطيني ، فربما ان احد اسباب الحاق صفة الارهاب بثوار العمال الكوردستاني كان نتيجة للمواقف المؤيدة الواضحة لقيادتهم للنضال الفلسطيني ، ولا يهم ان كانت تركيا اليوم تحاول ان تظهر بمظهرحامي حمى فلسطين وهي التي ترتبط باسرائيل بالف وشيجة ووشيجة. كما ان كثيرا من الشعراء الكورد الكبار تغنوا بالنضال الفلسطيني ، بينما ، حسب علمي ، كانت هناك فقط قصيدتان لشاعرين فلسطينيين تغنيا فيها بنضال شعب كوردستان احدهما لسميح القاسم ، والاخر لمحمود درويش الذي تنصل عنها فيما بعد امام ادباء كورد في احد مؤتمرات الادباء في (الماتاي) ولم ينشرها في دواوينه. ولم يسمع الكورد عن فدائيين فلسطينيين شاركوا البيشمركة في القتال ضد الحكومات العراقية كما لم يسمع لحد الان من اي مسؤول فلسطيني اي ادانة لعمليات الانفال الاجرامية ولا لقصف هه له بجة بالسموم الكيماوية ، بل ان قطاعا كبيرا من الفلسطينيين يعتبرون شعب كوردستان العراق (صهاينة شمال العراق) كما ردد ذلك زعماء (حماس) الذين فازوا في انتخابات حرة لادارة الحكومة الفلسطينية.
ولكن مع كل ذلك ، ثمة شخصيات فلسطينية غير رسمية ، مثقفين وكتاب ، كان لهم وما زال مواقف منصفة من الحقوق الكوردية ، كما ان الموقف الكوردي الذي اكدته القيادة السياسية الكوردستانية واضح من حق الشعب الفلسطيني الصراح في حقه الناجز تشكيل دولته الحرة الى جانب دولة اسرائيل .
مبدئيا ان مساعدة الفلسطينيين في العراق الذين يعيشون على الاغلب في بغداد ، وانقاذهم من الاعتداءات التي يتعرضون لها من بعض المجموعات الارهابية والطائفية ، مسألة انسانية لا يمكن لاحد التغاضي عنها ، وليس من شيمة الكورد ان يرفضوا مساعدة هؤلاء ، ولكن مع ذلك ثمة حلول اخرى لهذه المسألة ، فالامم المتحدة هي الاولى في التفكير بانقاذ هؤلاء الفلسطينيين ، ثم هناك 22 عشرين دولة عربية ، لماذا لم يفكر قادتها (وخصوصا الرئيس الليبي القذافي وملك السعودية ) في نقلهم الى تلك الدول التي بعضها ينام على ثروات هائلة من النفط ، بينما حسين الشهرستاني والذين يقفون وراءه في العراق يقفون حائلا امام شعب كوردستان لاستخراج بضعة مئات من براميل النفط لبيعها ودفع اثمانها الى الخزانة العراقي نفسها!
على الكورد التفكير مليا بتبعات العرض الفلسطيني ، اهي توطئة لتوطينهم في كوردستان ، وكوردستان ما ما زالت تعاني من وجود مئات الالاف من المستوطنين العرب الذين اوفدهم النظام الدكتاتوري السابق الى كوردستان ، فغيروا التركيبة القومية لاهم مدن كوردستان وهي مدينة كركوك ، او هل ان العملية هي جزء من العملية الاكبر التي نشرت تقارير عنها قبل اعوام والتي تقضي بتوطين اللاجئين الفلسطينيين في كوردستان وخصوصا في كركوك ، وبذلك يضربون عدة عصافير بحجر واحد؟
"الاستثمار" يجب ان لا يتحول الى وباء ، ويحول كوردستان الى مزرعة مباحة ، مع كل الاحترام للشعب الفلسطيني وتضحياته الغالية ، ونضاله من اجل انشاء دولته الحرة.
ثم كيف يكون التعامل مع فلسطينيين، طبعا ، ينتمون الى العديد من المنظمات الفلسطينية التي قسم منها يعتبر الكورد (صهاينة شمال العراق) ، الا يمكن ان يكون بين هؤلاء خلايا تابعة لحماس وما يسمى بالجهاد الاسلامي ، فيتفرغوا ل(الجهاد الاسلامي !) ضد شعب كوردستان ، والكل يعرف موقف حماس المعادي لكل ما هو كوردي؟
ان بعض المنظمات الفلسطينية لا تحترم دولا عربية تستضيفها كلبنان مثلا فكيف يمكن توقع احترامهم لكوردستان ؟ كيف ستكون الضمانات ؟
كل الخشية في ان تكون هذه الخطوة ، خطوة البداية لفرض استيطان فلسطيني على كوردستان ، والغرض واضح ، والذين يقفون وراءها هم الذين يتحدثون كثيرا وحتى بدون مناسبة عن وحدة العراق والسيادة العراقية ، وكأن الوجود الكوردي على ارض وطنه هو المخرب لكل (اياتهم !!) غير المنزلة تلك.
16/4/2009
عبد الوهاب طالباني