لكن هناك الآن حوالي 450.000 لاجئ مسجلين في سجلات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في لبنان؛ حيث يعيش العديدون في مخيمات اللجوء الرسمية الاثني عشر. وأصبحت المخيمات التي كانت قد بنيت لتوفير ملاذات مؤقتة، منازل لأجيال من الفلسطينيين الذين في المنافي؛ حيث يفضي تهتك البنية التحتية للمخيمات فيما تتنامى أعداد السكان إلى تدفق الناس خارج حدود المخيم.
ليس لبنان من بين الموقعين على معاهدة الأمم المتحدة الخاصة باللاجئين في العام 1951، ولا يعترف بروتوكوله في العام 1967 بالحقوق الأساسية وبالالتزامات القانونية للناس الذين يحملون صفة لاجئ. وفي لبنان، ينكر على اللاجئين الفلسطينيين الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يتمتع بها المواطن، رغم أنهم من مواليد البلد. فهم "بلا دولة" وثمة مجموعة من المظالم التي تنشأ بالضرورة تولد ذلك.
قبل الغزو الإسرائيلي للبنان في العام 1982، كان لبنان هو محور الحركة الوطنية الفلسطينية. وقد أعقب الغزو الإسرائيلي طرد مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، وهو الغزو نفسه الذي تبعته مجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين التي ارتكبتها الميليشيات اللبنانية بمباركة من الجيش الإسرائيلي. وفي أعقاب الغزو وانسحاب منظمة التحرير الفلسطينية، أصبحت الحركة من وإلى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين خاضعة لإجراءات أمنية مشددة. واليوم ينظر إلى اللاجئين الفلسطينيين على أنهم يشكلون حالات قلق أمني لا كحالات إنسانية.
لكونهم يشكلون 10 في المائة من سكان لبنان، فقد تم عزلهم عن الفضاء الاجتماعي والسياسي والاقتصادي اللبناني وعوملوا بازدراء. ويأتي مكمن الخشية من أن منح المزيد من الحقوق قد يفضي إلى التوطين والاستقرار المستديم الذي سيقلب الموازين الديمغرافية والسياسية الهشة في لبنان. ونتيجة لذلك، تعد جالية اللاجئين الفلسطينيين في البلد من بين الأكثر تهميشاً في عموم الشتات الفلسطيني.
أن تكون بلا دولة في لبنان، فإن ذلك يحدد نوع العمل الذي تستطيع مزاولته، وكم تستطيع أن تجني وأين تعيش، وما إذا كنت تمتلك ملكاً خاصاً. وباختصار، فإن ذلك يحدد كل واقع من وقائع حياة المرء اللاجئ.
تقول زيزيت داركازلي من قسم لبنان في الأونروا: "إن الكلمات لا تستطيع وصف معاناة المخيمات في الأربعينيات والخمسينيات، والتي أعدت لكي تكون مؤقتة". وتضيف: "لقد أسس الناس الذين يعيشون هناك منازل على أساس أن هذا الوضع مؤقت. لكنها لا توجد أي مؤشرات على أن محنتهم ستنتهي في أي وقت قريب".
ومضت إلى القول: "لبنان هو بلد فيه يُعزل الفلسطينيون، ولا ينظر إليهم على أنهم جزء من المجتمع... ثمة شعور بفراغ في الانتماء، وهم يعيشون على الوعد بأنهم سيعودون".
أن تكون بلا دولة، فإن هذا يحدد مستقبلك منذ ولادتك. وتأتي الرعاية الصحية الأولية لأولئك الذين يعيشون في المخيمات من (الأونروا) أو من المستشفيات غير الربحية سيئة التمويل، والتي تعج بالمراجعين وتستقبل في المعدل نحو 117 مريضاً في اليوم، كما يقول طبيب في عيادة صحية تابعة للأونروا.
بالإضافة إلى ذلك، لا يستطيع الفلسطينيون الوصول إلى النظام التعليمي العمومي في لبنان. لذلك، نجد أن الأونروا تدير 74 مدرسة في عموم لبنان ومركزين للتدريب المهني لا يستطيعان الوفاء بكل احتياجات الشريحة المتزايدة من الشباب الفلسطينيين. إلى ذلك، تقدر المنظمة أن نصف المراهقين الفلسطينيين يتركون المدارس قبل أن يتموا دراستهم. وثمة نسبة لا تتعدى 0.1 في المائة منهم فقط هي التي تذهب إلى الجامعة.
وحتى لو نجح بعض الشباب الفلسطينيين في الذهاب للجامعة، فإن فرص عملهم تحجب مباشرة؛ إذ يمنع اللاجئون الفلسطينيون في لبنان من مزاولة حرف معينة، بما في ذلك الطب والقانون والهندسة. ورغم أنه تم منح الفلسطينيين في لبنان الحق في ممارسة وظائف مكتبية أو وظائف مستوى أدنى في العام 2005، وسمح لهم بالعمل بمهن أخرى في العام 2010، فما تزال هناك قيود. وما تزال سياسة التبادلية تؤثر على الفلسطينيين الذين بلا جنسية، رغم التحركات المبذولة لتغيير هذا الواقع، على أساس أنه لا يمكن توظيفهم مثل الأجانب الآخرين الذين ينتمون إلى معترف فيها والتي تستطيع تقديم مزايا مشابهة للبنانيين. وعلى سبيل المثال، ورغم أنها كانت قد ولدت وترعرعت في لبنان، فإن أصغر طبيبة في العالم، إقبال الأسعد، لم تستطع العثور على عمل في لبنان لأنها فلسطينية. ولذلك ذهبت إلى الولايات المتحدة للعمل هناك.
كنتيجة لذلك، فإن حوالي 56 في المائة من عمال اللاجئين الفلسطينيين هم بلا عمل، مما يجعل 37 % فقط من السكان في عمر العمل مستخدمين، وفق احصائيات من منظمة الإغاثة "أنيرة". ويضم لبنان أعلى نسبة من اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في ظل فقر مدقع. ومن أصل 75.000 فلسطيني يشكلون جزءاً من القوى العاملة في لبنان، فإن 20 في المائة منهم يتوافرون على عقد عمل محرر، و66 في المائة يعيشون تحت خط الفقر، بينما 75 في المائة يكسبون أقل من الحد الأدنى للأجور (305 دولارات للنساء الفلسطينيات، و369 دولاراً للرجال)، ولا يتمتع 95 في المائة منهم بأي تأمين صحي. ورغم مساهمتهم بمبلغ 14 مليون دولار في صندوق الضمان الاجتماعي الوطني في لبنان، ينكر على العمال الفلسطينيين مزايا التغطية الصحية (على عكس العمال الفرنسيين، على سبيل المثال) وفق رسم بياني توضيحي من موقع "تصوير فلسطين".
بينما يسجل معظم اللاجئين مع الأونروا أو السلطات اللبنانية، فإن العديد منهم غير مسجلين مطلقاً، ويتبع ذلك فرض المزيد من القيود على هؤلاء "اللاجئين بدون هوية". ولأنهم يقيمون في لبنان بشكل غير شرعي، فإنهم لا يستطيعون تسجيل عقود الزواج، أو التخرج من المدارس الثانوية، أو التسجيل في التعليم العالي العام أو الخاص، ويجدون أن من الصعوبة بمكان الوصول إلى خدمات الأونروا، ولا يستطيعون توفير نفقات الرعاية الصحية. وبموجب القانون اللبناني، فإن أولاد اللاجئين بدون هوية، حتى عند ولادتهم في لبنان، وحتى لو كانت والدتهم لاجئة مسجلة أو مواطنة لبنانية، لا يعترف بهم قانونياً، وبذلك لا يملكون أي وثيقة شخصية تشهد على وجودهم.
مع نشوب الأزمة السورية، هرب لاجئون فلسطينيون بالآلاف من سورية إلى لبنان سعياً إلى الحماية. وقد أعربت منظمة هيومان رايتس ووتش والأونروا عن القلق هذا العام، لأن لبنان يمنع الفلسطينيين الهاربين من سورية من الدخول بشكل خاص.
وكان أولئك الهاربون قد لقوا الترحيب في البداية من جانب اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، لكن داركازلي تقول إنهم أصبحو "راهناً يتنافسون على المساحة نفسها وسوق العمل نفسه والخدمات نفسها". وتضيف أن الأونروا كانت تكافح من قبل، وهي تكافح الآن أكثر مع تدفق اللاجئين من سورية.
وكان مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين، على سبيل المثال، قد دمر في العام 2007 خلال القتال بين مجموعة متشددة، فتح الإسلام، وبين الجيش اللبناني. وما يزال حوالي 15000 من السكان ينتظرون العودة إلى منازلهم. وتجعل القيود المفروضة على عمل إعادة التأهيل، مهما كان صغيراً، وكذلك على دخول المواد اللازمة الى داخل المخيمات من أجل الترميم والتجديد من عملية إعادة التعمير بطيئة. وبينما يستمر تدفق لاجئين جدد يجري تحويل انتباه الأونروا نحو مشروعات أخرى، مثل هذا.
في العام 1965 ألزمت معاهدة الدار البيضاء الدول العربية بالحفاظ على وضعية اللاجئين الفلسطينيين من خلال عدم منحهم المواطنة، ولكنها نصت على منح اللاجئين حقوق المواطنين نفسها. وفي لبنان، ثمة أجيال من الفلسطينيين يولدون بحقوق منقوصة وفرص محدودة. وبينما يضاعف الهاربون من سورية عدد اللاجئين في البلد، فإن من المرجح أنهم سيزيدون الصعوبات والمشاق وحسب.
*نشر هذا التقرير تحت عنوان:The Palestinians of Lebanon: a life of curtailed rights and limited opportunities
جيسيكا بوركيس - (ميدل إيست مونيتور)
ترجمة: عبد الرحمن الحسيني
المصدر: صحيفة الغد الأردنية