جريدة الجريدة- بغداد:
العدد 715 الاثنين 17 كانون الثاني 2011م:
الافتتاحية :: حول أوضاع الفلسطينيين في العراق
شهد العراق في الآونة الاخيرة انفتاحاً عربياً واسعاً عليه تمثل بزيارات كبار المسؤولين في بعض الدول العربية والامين العام لجامعة الدول العربية،وكذلك تأكيد انعقاد مؤتمر القمة العربي المقبل في بغداد،وباعتقادنا ان مثل هذا الموقف العربي من العراق يجب ان يقابل بموقف عراقي مماثل في الاندماج بمحيطه العربي والتفاعل معه في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية .ومن المعروف ان العرب يجمعون ان القضية الفلسطينية هي قضية مركزية وتأخذ الاولوية من اهتمامهم خصوصاً في ظروف تسلم اليمين الاسرائيلي للسلطة.
لقد كان العراق تاريخياً متعاطفاً مع الفلسطينيين فقد كان من البلدان التي شاركت في حرب 1948 بعد اعلان قيام اسرائيل على الاراضي الفلسطينية،كما ان جيش التحرير الفلسطيني قد تشكل في العراق بعد ثورة 14 تموز 1958،وسط تعاطف دائم من قبل الشعب العراقي مع الفلسطينيين والدفاع عن حقوقهم ومساعدتهم في شتى المجالات ومنها وجود اعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين ورعايتهم واعطائهم حقوقاً متساوية مع العراقيين واصدار القوانين الخاصة بذلك.
إن هذه الصورة حول الفلسطينيين في العراق شهدت انكفاء وتراجعاً خلال السنوات الماضية أدت بالنتيجة الى تناقص اعدادهم حتى وصل الى عشرة الاف نسمة مع العوائل،ويواجهون ظروفاً صعبة وتعطلت العديد من الحقوق التي اكتسبوها منذ مجيئهم الى العراق بعد عام 1948،علماً بان العراق ممثلاً بالحكومة القائمة آنذاك قد وقع اتفاقية عام 1950 مع وكالة غوث اللاجئين (الاونروا)يؤكد فيها الاهتمام بالفلسطينيين المقيمين في العراق ورعايتهم لقاء اعفائه من الالتزامات المالية ازاء وكالة الغوث الدولية.
ونستطيع حصر بعض من المصاعب التي يواجهها الفلسطينيون في العراق بما يلي:-
1- انهم يعانون من تعددية المراجع المسؤولة عن تسيير معاملاتهم ومراجعاتهم،فمن وزارة العمل والشؤون الاجتماعية الى وزارة المهجرين ثم مؤسسات وزارة الداخلية كالاقامة واللجنة الدائمية للاجئين مع تعقيدات روتينية كثيرة،وقد سبب ذلك ارباكاً لدى الفلسطينيين وبما يستوجب حصرهم في مرجعية واحدة مسؤولة عن كل شؤونهم كما هو الحال في جميع انحاء العالم.
2-من المفترض ان يعاملوا معاملة البلدان الاخرى لهم وبموجب القوانين النافذة ،فلهم كل الحقوق المساوية للمواطنين العراقيين عدا التجنيس حفاظاً على حقوقهم في العودة الى فلسطين وحسب قرار جامعة الدول العربية بهذا الصدد،في حين نرى ان حقوقهم تتآكل يومياً وتزداد الضغوط عليهم وبما أدى الى هجرة اعداد كبيرة منهم الى الخارج،فمن غير المعقول ان يضطر الفلسطيني الى مغادرة العراق الى الارجنتين وغيرها ليجد حقوقاً مصانة واحتراماً له كلاجئ.
3-تسهيل عملية حصولهم على الوثائق اللازمة لتسهيل تنقلهم وسفرهم الى خارج العراق والعودة اليه،وذلك اجراء معمول به في الخارج من حيث منحهم جوازات سفر خاصة بهم ومعترف بها دوليا ،فهم بحاجة الى مراجعة اعمالهم ومصالحهم في الخارج وزيارة عوائلهم المشتتة في شتى بقاع العالم.
لقد زار الرئيس الفلسطيني محمود عباس العراق في العام الماضي وجرى الاتفاق على تقديم مساعدة تبلغ خمسة ملايين دولار للسلطة الفلسطينية،ولكن وزارة المالية لم تدفعها لحد الآن،وهذا يؤكد التلكؤ وعدم الجدية في دعم الفلسطينيين.
إننا ندعو ومن منطلق الدور الفاعل الذي يجب ان يقوم به العراق داخل محيطه العربي والتزاماته الانسانية والقومية ان تبادر الحكومة الى اعطاء اهتمام حقيقي لشؤون الفلسطينيين المقيمين في العراق وذلك بحل مشاكلهم وتوفير الحماية لهم،وتأمين مستلزماتهم من حيث تسهيل اجراءات اقامتهم والحصول على الوثائق الرسمية اللازمة ورفع اي شكل من اشكال معاناتهم في جميع المجالات .
ان علاقات العراق مع السلطة الفلسطينية والفلسطينيين يجب ان تكون مشابهة لعلاقاته مع الدول العربية الاخرى،فهي متبادلة في الحقوق والواجبات،فكما يطلب العراق اسناد الاخوة العرب له في قضاياه الاساسية واقامة اوسع العلاقات السياسية والاقتصادية معه،فان عليه بالمقابل ان يتعامل مع الاخوة العرب ومنهم الفلسطينيون بالشكل الذي ينسجم مع هذه الالتزامات المتبادلة،وذلك ما سيجد ترحيباً من الشعب العراقي الذي وقف دائما الى جانب حقوق اشقائه الفلسطينيين في اقامة دولتهم المستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية،ومنع اسرائيل من الاستمرار في سياستها الاستيطانية الرامية الى الاستيلاء على الاراضي الفلسطينية المحتلة .
إننا نجد ان الامم المتحدة واكثر دول العالم تعترف بفلسطين وحقوق شعبها،والاحرى بنا ان نكون في مقدمة الدول التي تلتزم بذلك خصوصاً وان قرارات قمة الدار البيضاء عام 1967 قد نصت على معاملة الفلسطينيين معاملة المواطنين في الدول التي يقيمون فيها الآن.
إننا نأمل من الحكومة ان تعيد النظر في القرارات التي تقيد من حرية الفلسطينيين وحقوقهم الانسانية، وان تتخذ الاجراءات اللازمة التي تضمن حقوقهم في العيش في العراق بشكل طبيعي وقانوني،فذلك بحد ذاته يعد شكلاً من اشكال الممارسة الانسانية والاخوية بحق اشقاء يواجهون المحنة منذ عقود طويلة.
المصدر: جريدة الجريدة
العدد 715 الاثنين 17/1/2011