الحياة هي ذاتها أينما ذهبت - زهير السبع

بواسطة قراءة 2408
الحياة هي ذاتها أينما ذهبت - زهير السبع
الحياة هي ذاتها أينما ذهبت - زهير السبع

خفق القلب .. وتأوهت الروح ... وتقطعت الانفاس .. وانحبست  العبرات ... حين نظر إلى المكان ملياً قبل أن يغادره ... هنا خط كل أحلامه الكبيرة والصغيرة  ... هنا سطر كل ذكرياته الجميلة والمريرة ... هنا كانت ذاته بكل تفاصيلها ...  هنا كان للأشخاص اسم آخر .. لم يكن اسمهم أشخاص كانوا احباء .. أصدقاء ... أهل .. أب .. وأم .. وأخ .. وأخت ... كان منهم من لا يتمتعون بأي صفة بالنسبة له لكنهم كانوا موجودين .... هنا كان يبوح بأجمل الكلام ويخط كل إحساسه بصدق ... لكن ولسبب ما بدأ يشعر أن المكان أصبح يخنقه .. لسبب ما بدأ يفكر أن جنة الأرض التي رآها في هذا المكان قبلاً بدأت تتحول جحيماً ... لسبب ما تحول الأشخاص إلى أشخاص ... لم يعودوا كما كانوا سابقاً ... بدأ الملل يتسلل إلى حياته وبدأ يبحث عن التغيير ... وقرر الرحيل ... ترجاه كل ما كان موجوداً هنا من أشخاص وأشياء ليبقى ... لكنه كان قد قرر ولن يعود بقراره ... حمل كل ذكرياته وأحلامه ليخطها في مكان آخر ... حمل حياته ومشى بها إلى مكان وصفوه بجنة الأرض ... أغلق الباب ورحل ... تاركا كل شيء خلفه ...  ظن بأنه حمل أحلامه لكنها ما زالت تحلق في ذلك المكان ... ظن أنه أخذ ذكرياته معه لكنها ما زالت ملتصقة على الجدران هناك ... ظن أنه أخذ حياته لكنها في قلب وعقل كل شخص هناك ... أغلق الباب خلفه ورحل ... وبدأت رحلته...  وجد جنة الأرض التي وصفوها له ... حط رحاله واستقر في المكان الجديد ... هنا بدأ من جديد ... يخط حروفه بكل اتقان كما اعتاد ... يرسم اللوحات بكل جمال كما كان يفعل سابقاً .... يكتب ذكرياته على جدران المكان كما فعل سابقاً ... قام بكل ما كان يقوم به في المكان الذي هجره ... كان هو كما كان سابقاً ...لكن وبعد فترة ليست بقصيرة وللأسباب ذاتها وجد أنه عاد ليشعر بالاختناق ... عاد إليه ذات الشعور السابق .... ماذا سيفعل الآن هل سيحمل كل شيء من جديد ويرحل ... لكن إلى أين الرحيل هذه المرة ؟؟؟؟ ما الحل ؟ ... أسيمضي حياته كلها بين حل وترحال ؟؟؟ ما الحل ؟؟؟ أين سيجد جنة الأرض الحقيقية ؟؟؟ أين سيجد الجمال الحقيقي ؟؟؟ أين سيجد الفرح الحقيقي ؟؟؟ .

فعرف حينها أنه ما كان عليه الرحيل من قبل ... وأن الحياة هي ذاتها أينما ذهب .. وأنه سيبقى كما هو أينما كان ... ظن أن المكان سيغير الأشياء والأحلام ... ظن بأن الأشخاص يختلفون بين مكان وآخر وأن أفكارهم جديدة وأن حياتهم مختلفة ... لكنه علم الآن أن الآحلام لا يغيرها المكان ... وأن جنة الأرض ليست في مكان دون آخر .. وأنه إن أراد أن يبحث عن جنة الأرض فليبحث عنها داخله وليس في حياة الآخرين ... فليبحث عن السعادة في قلبه وليس في قلوب الآخرين .

بحث عن جنة الأرض ووجد أنها تسكن في قلبه ... بحث عن السعادة ووجدها تنبع من داخله ... بحث عن التغيير لئلا يشعر بالملل فوجد أن التغيير يبدأ من الداخل وليس من الخارج .

فكر ملياً .... وقال لما لا أعود إلى ذلك المكان ؟؟؟؟ هناك حيث كانت حياتي ... حيث بدأ الكلام يبوح بأسراره ... حيث كانت الروح تحلق بفرح ... نعم سأعود ... أنا متأكد بأن المكان اشتاق لي كما اشتقت له ... أنا متأكد  بأن الاشخاص هناك سيقبلونني بفرح ... نعم سأعود .

لم يحمل رحاله هذه المرة ... لقد حمل السعادة التي وجدها وجنة الأرض التي بحث عنها طويلاً وعاد ... فتح الباب دون أن يطرقه ... نعم فهو ليس بحاجة لأن يطرق الباب .. فالمفتاح ما زال معه وهم لم يغيرو قفل الباب ... دخل وبدأ يتأمل المكان ... اغرورقت عيناه بالدموع ... بدأ الشوق يتحول بكاء .. بدأ الحنين يتحول آهات... هاهي أحلامه التي ما زالت هناك أتت لاستقباله بفرح ... لقد عادت إليها الحياة ....ها هي ذكرياته تنطق وترحب به من على الجدران .. ها هي حياته تعود له ... نعم فقد أعادها له الأشخاص الذين كانوا ما زالوا يحتفظون بها في قلوبهم...  بدأت الحياة تستعيد أنفاسها ... وبدأ الحب يطرق الأبواب ... والكلمات تتراكض فوق سطور الأشواق ... بدأ المكان يبدو جميلاً كجمال جنة الأرض التي وجدها داخله ... فعلم أن الجمال الذي بداخله هو الذي يعطي المكان جماله وليس العكس .


زهير السبع

6/5/2012

 

المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع

"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"