كان جحا يمتطي حماره يتجول في القرية شارد الذهن , يفكر تارة بشراء بعض الزاد ليعطيها لزوجته وتارة يفكر ماذا يفعل بالدرهم الوحيد الذي يملكه ، وفجأة لمعت في ذهنه فكرة اعتبرها جهنمية ، وقال مخاطبا حماره : سوف أشتري بالدرهم خروفا وأدعو الأمير وحاشيته إلى وليمة كبرى على ذلك الخروف ، وكان له ما أراد وتحققت فكرته ووافق الأمير على تلك الدعوة بكل سرور ، وبعد تناول الوجبة الدسمة , قال الأمير لجحا , هل لك أمنية تتمنى تحقيقها ؟ فدخل السرور قلب جحا وأجاب دون تردد : نعم أيها الأمير الطيب ، أتمنى أن أكون فردا من أفراد حاشيتك ، وكان له ما تمنى وأصبح جحا أحد أفراد حاشية الأمير , وذات يوم قرر الأمير أن يذهب في رحلة صيد مصطحبا معه حاشيته وكان جحا على رأس تلك الحاشية ، وفي البرية شاهد الأمير أرنبا يجري فجهز بندقيته وأطلق الرصاص إلا أنه أخطأ ولم يقتل أو يجرح الأرنب ، فسرعان ما قال جحا : سبحان الله أول مرة في حياتي أشاهد أرنبا ميتا يركض !!!!! .
وهكذا هو حال الغالبية العظمى من أبناء أمتنا وللأسف الشديد ، وتحت ذريعة يجب أن نسير باتجاه التيار ترى البعض منا يسري التملق بعروقه ، ويتخلى عن مبادئه الأساسية , ويستعد للقيام بأي أمر متاح من أجل أرضاء الحكام ، ويكثر ويبالغ بالمديح ، ويصفق لأي حاكم يأتي ، ويضع صورهم داخل وخارج المحلات التجارية ، على جدران غرف المنازل ، على الملابس ، والحناجر لا تصمت عن الهتاف ، بالروح بالدم ، رغم ان الحاكم لا يحقق الهدف الذي ينشده المواطن بتحقيق العدالة والرفاهية والأمان ، الشعب يغني أغاني النجوم ليقطف أعماق قلوب الحكام ، ولكي تبوح الأزهار بالحب للقائد ، ولكي تعزف النوارس ألحان المشاعر السعيدة ، ويستمر الغناء تحت ظلال الفرح القادم ، أنت الفرح القادم ، أنت الأفق الممتد ، أنت الزهر الباسق ..... ثم .. ثم .. ثم ماذا ؟ ، بدأ الأمر يشتعل , والشعب بدأ يرى من نوافذ الثلوج ربط النار بحبل الخطايا ، فيقرر الشعب نشر أفراح الربيع ومغادرة شواطئ دروب الظلام ، ليشرق الصباح فوق شفاه السوسن ، ويقطف الحب رياحين الأمل ، ليصطدم بخيوط المجهول ، وتبدأ بذور عواصف الفتنة تزهر عبر الهواء المبلول ، ويبدأ الحب يجوع ، وتعزف النوارس ألحان الدموع ، ولأن العواصف تنقل الحمم ، أصبحت أفراح الربيع تنسج الدماء بين أهداب الأمنيات ، لتلوح بالأفق ظلال الخريف ، فتسبح الطرقات بالدماء ، ويهيم الأمان بنوم عميق ، وتنتشر الصرخات للعودة إلى انتشار الضحكات ، ولكن ، هل أصبح حصاد الربيع خريفا أسقط كل الأحلام ؟ وهل سيعيد الشعب صناعة أحاديث التملق ؟ وهل سيصفق للقادم من مد وجزر المجهول ؟ وهل سيكرر جحا جملته للأمير عن الأرنب ؟ .
وشكرا للأخوة الأعزاء القائمين على هذا الوطن الجميل فلسطينيو العراق .
أخوكم خالد نواف أبو الهيجاء
أبو سيف
ولاية تكساس - مدينة هيوستن
الولايات المتحدة الأمريكية
28/11/2011
المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"