تكنولوجيا المقاومة بين المُهندسة نملة والفيزيائي طير – إيهاب سليم

بواسطة قراءة 1658
تكنولوجيا المقاومة بين المُهندسة نملة والفيزيائي طير – إيهاب سليم
تكنولوجيا المقاومة بين المُهندسة نملة والفيزيائي طير – إيهاب سليم

إيهاب سليم – السويد

هل تعتقد ان هنالك قصداً للحياة ؟ اذا كانت نظرية التطور لعالم الحيوان الانجليزي تشارلز داروين حقيقة, فإن العبارة الواردة في مجلة ساينتفيك أمريكان صحيحة ايضاً , فهي تقول : " ان مفهومنا العصري للتطور يُشير الى عدم وجود معنى جوهري للحياة " .

لنتأمل في ابعاد هذه الكلمات, اذا غابَ المعنى الجوهري للحياة, فسيقتصر هدفنا على طاعة كُل شيء والقيام ببعض الأعمال الصالحة او أغلب الأعمال السيئة وربما نقل سماتنا الوراثية الى الجيل التالي، وحين نموت سنغيب عن الوجود الى الأبد، ولن يكون دماغنا بِكل قدراته على التفكير والتحليل والتأمل في معنى الحياة, سوى وليد "صدفة اوجدتها الطبيعة" .

وفي هذا الخصوص اقتبست مجلة ساينتفيك أمريكان من عالم الاجتماع رودني ستارك قوله: " تروَّج منذُ مائتي سَنة دعاية مفادها انك اذا اردت ان يكون تفكيرك علمياً, فعليك ان تبقى حُراً مِن أغلال الدين", وهو يقول أيضاً انه في الجامعات حيث تُجرى الأبحاث العلمية "يعتصم المؤمنون بالصمت" في حين ان " غير المؤمنين يعاملونهم بتحامل" ولذلك " مِن مصلحة الذين يحتلون المناصب العليا في المجتمع العلمي ان يكونوا غير مؤمنين " .

ولكن ما لاشك فيه هو ان المقاومة في العراق وفلسطين ومؤيديها لا يؤيدون مُطلقاً الأفكار المذكورة انفاً بِما تحمله من ركوع للمُستبد, كما انهم لم يقبلوا الأساس الذي بُنيت عليه هذه الأفكار في أمريكا و"إسرائيل" وأوروبا الحديثة، على العكس من ذلك تمكنت المقاومة من تشخيص نواة المُشكلة وعملت على احتواءها وردعها في كثير من الحالات .

فقد ذكرت صحيفة ذي غارديان البريطانية في ديسمبر كانون الأول سنة 2009 م, أن المقاومة في العراق أو من وصفتهم "بالمتمردين" تمكنوا من اختراق أعقد الأنظمة التي تعمل عليها الطائرات الأميركية بدون طيار، موضحة أن العراقيين استخدموا في اختراقهم برنامجا لا يزيد قيمته عن 26 دولارا عن طريق الإنترنت لِمُدة سنة" .

في حين انكبَّ الباحثين في جامعة فلوريدا لِسنوات طويلة على دراسة أجنحة الطيور ومنها بنوا نموذجاً اولياً لهذه الطائرة بدون طيار لتكون قادرة كالنورس أن تحوم ساكنة وتنقضَ وترتفع بسرعة, حيثُ يؤدي النورس كُل هذه المناورات المذهلة بثني جناحيه عند مفصلي المرفق والكتف, ولتقليد جناح النورس زُودت الطائرة البالغ طولها 60 سنتيمترا بمحرك صغير يتحكم في عدد من القضبان التي تحرك الجناحين, وبفضل هذين الجناحين المصممين ببراعة تمكنت هذه الطائرة ان تحوم ساكنة وتنقض في طيرانها بين الأبنية الشاهقة على "الفريسة". انه نجاح كبير إلا ان المقاومة وضعت حداً لهذه الطائرة التي يجري التحكم فيها عن بُعد عن طريق اكتشاف أهدافها المحتملة وتفادي ضرباتها, أي ان 26 دولاراً تمكنت من الحد أو القضاء نسبياً على 500,000 الف دولار وهو السعر النموذجي للطائرة بدون طيار, وبالتالي تمكنت المقاومة من تعطيل خطط السلطات العسكرية الأمريكية لتطوير هذه الطائرة للقيام بمناورات صعبة من اجل استخدامها للبحث عن الاسلحة الكيميائية والبيولوجية في المُدن الكبيرة .

ليس جهلاً الإقناع بوجود تطور في تكنولوجيا المقاومة في العراق وفلسطين, فالذي يقود الإنسان السليم إلى هذا الاستنتاج ليس ما لا يعرفه, بل ما يعرفه, فهُنالكَ "الأحزمة الناسفة", وهنالك السيارة بدون سائق, وهنالك الروبوتات الحديثة, وهُنالك الألغام وصواريخ الكاتيوشا المُطورة لِسنة 2012م, ويكفي أن نشير في هذا السياق الى أمرين الأول إلى ما ذكره القائد السابق للقوات البرية في تحالف الغزو الذي تتزعمه الولايات المتحدة الجنرال " ريكاردو سانشيز " في سنة 2004 م، حيث قال : " العدو تطور, إنه أكثر قدرة على القتل, وأكثر تطوراً نوعاً ما, وأكثر حنكة, وأكثر عناداً في بعض الحالات, وأن قواتنا تواجه هجمات تعتمد على أساليب متطورة على نحو متزايد", والثاني الى اعتراف الأمنيين "الإسرائيليين" في مجمع مستوطنات غوش قطيف بقطاع غزة بوجود الكثير من الخلل في الآلة العسكرية "الإسرائيلية"، موضحين "أن منظومة الإنذار المبكر التي وضعت في مستوطنة "سديروت" والتي فشلت كانت ستمهل المستوطنين ما بين 15 إلى 20 ثانية فقط للفرار إلى الملاجئ قبل سقوط الصواريخ الفلسطينية المُطوره" .

لكن في هذه الأثناء, تطور وكالة الطيران والفضاء الأمريكية ناسا رجلاً الياً له عدة ارجل يمشي مثل العقرب, كما ان المهندسين الفنلنديين ابتكروا جراراً زراعياً بست ارجل يمكنه مثل حشرة كبيرة ان يتخطى العقبات والعوائق, بينما يُصمم باحثون اخرون قماشاً له سدلات تنفتح وتنغلق مثل أكواز الصنوبر, بالإضافة إلى ذلك يطور أحد مصانع السيارات سيارة تصميمها مستوحى من شكل سمك أبو صندوق وهذا التصميم يُخفف من المقاومة الناجمة عن الاحتكاك بالهواء, كما يعمل اخرون على تقليد أقدام أبو بريص لإنتاج شريط لاصق اصطناعي ليحل محل شريط الفلكرو, في حين يدرس باحثون آخرون خصائص قواقع أذن البحر التي تمكّنها من امتصاص الصدمات ليتعلموا منها كيفية صنع سُتر واقية من الرصاص متينة وخفيفة الوزن, كما ان خبراء الميكانيك الحيوي يدرسون إضافة نتوءات لأجنحة الطائرات كالتي تتميز بها زعانف الحيتان الحدباء أثناء السباحة على الدوران دوائر صغيرة الى حد يفوق التصور رغم صلابة جسمها, أي انهم يجدون حلول مستوحاة من الطبيعة للمشاكل التي تواجههم في التصاميم التي يبتكرونها, وبالتالي على المقاومة إنشاء قاعدة بيانات تدرج فيها آلاف الأنظمة البيولوجية المُختلفة للاستفادة من نماذج الطبيعة والكون بِما يُفيد أمتنا العربية والإسلامية والإنسانية في التصدي للحشرات الضارة في أمريكا و"إسرائيل" والغرب وإيران .

أخيراً, ان ما نؤمن به هو مُهم حقاً, فهو لا يؤثر في تحرير عقولنا وسعادتنا ورضى نفوسنا فحسب, بل يؤثر في حياة الأجيال المُستقبلية أيضاً, لكن الخيار يعود لِكُل فرداً في المُجتمع فيما لو اعتقدَ بصورة مُباشرة أو غير مُباشرة بقادة الفوضى ورجال النزاعات وعلماء الفساد أو لم يعتقد بهم, حيث يعمل هؤلاء القادة الدمويين والرجال السيئين والعلماء الطالحين على تقويض المُجتمع البشري لتكوين مُجتمعاً جديداً يؤمن بِجبروت الذات البشرية بعيداً عن التَحرر العقلاني, وهنا دور أمتنا العربية والإسلامية تجاه ابناءها المتحررين والمُجتهدين في المقاومة في فلسطين والعراق لتتفادى سموم الأفاعي مِن خِلال حركة مرور المُهندسة نملة وبوصلة اتجاهات الفيزيائي طير .


إيهاب سليم

24/5/2012


المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع

"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"