هل جفّ الربيع الفلسطيني في الذاكرة العربية ؟

بواسطة قراءة 4159
هل جفّ الربيع الفلسطيني في الذاكرة العربية ؟
هل جفّ الربيع الفلسطيني في الذاكرة العربية ؟

عندما توالت التقارير عن المطالب اليهودية في مؤتمر بلتمور ١٩٤٢ لاقامة دولة يهودية في كل فلسطين، مع الانباء التي ترددت عن ابادة اليهود بشكل واسع في اواخر عام ١٩٤٢، ازداد الدعم الامريكي لليهود، حيث تقدم عشرات من اعضاء مجلسي الكونغرس الامريكي بعريضة الى الرئيس روزفلت تطالبه بدعم اليهود في فلسطين، وفي فلسطين قام رؤساء البلديات والاعيان العرب بإرسال برقيات احتجاج الى الرئيس روزفلت، وكل من وزير المستعمرات البريطاني والمندوب السامي البريطاني عندما شعروا بالخطر الذي يستهدفهم.

حاول حزب الاستقلال الفلسطيني استثارة مشاعر العرب ملء الفراغ السياسي، واستعادة السيطرة على «صندوق الامة». ولكن رغم عودة عوني عبدالهادي الى فلسطين وتسوية العلاقات مع السلطات البريطانية، اتجه «حزب الاستقلال» الى الصدام مع انصار الحاج امين الحسيني الذين قاموا بإحياء «الحزب العربي». وفشلت كل المحاولات العربية والفلسطينية لتشكيل حركة وحدة وطنية، وتشكيل تمثيل وطني فلسطيني مشترك من كلٍ من حزب الاستقلال وانصار الحسيني خلال عامي ١٩٤٤ و١٩٤٥.

وقد اصابت هذه العقدة الشعب الفلسطيني بالاحباط في ضوء عدد من التطورات السياسية الخطيرة، حيث قرر الكونغرس الامريكي في كانون الثاني ١٩٤٤ دعم برنامج بلتمور، وفي شهر ايار من نفس السنة اوصى حزب العمال البريطاني بتشجيع عرب فلسطين على الرحيل عن فلسطين لاخلائها للمهاجرين اليهود. ودعا كل من الحزب الجمهوري الامريكي، والحزب الديمقراطي الامريكي الى فتح ابواب فلسطين للمهاجرين اليهود. ولكن رد الفعل الفلسطيني في مواجهة هذه التحديات الخطيرة كان ضعيفاً وواهناً في غياب القيادة السياسية وفي اجواء الشرذمة والانقسامات.

وفي ٣١ آب ١٩٤٥، دعا الرئيس الامريكي هاري ترومان الحكومة البريطانية للسماح لمائة الف مهاجر يهودي للهجرة الى فلسطين. فتهكّم المسؤول البريطاني ارنست بيڤن على طلب الرئيس الامريكي قائلاً: «اما ان الرئيس ترومان لا يريد ادخال مائة الف يهودي الى امريكا او انه يريد ان ينافق يهود امريكا من اجل اصواتهم الانتخابية».

على الصعيد الفلسطيني، اتخذت الاطراف المعادية «البريطانيون والصهيونيون وبعض العرب» من الحاج امين الحسيني سببا للتجاوز على الحقوق الوطنية الفلسطينية، وكانت هذه الاطراف ترى اخراج الحاج امين الحسيني من اللعبة الفلسطينية ولو بالاغتيال، وعندما فشلت هذه المحاولات جرى العمل على اقصائه وعدم التعاون والمشاركة معه.

فقد طلب المصالحة مع الاردن والاقامة في عمان ولكنه لم يحصل على ذلك.

ورفضت الوكالة اليهودية برئاسة بن غوريون التفاوض معه، ورفضت بريطانيا منحه حق العودة الى فلسطين، ولم يسمح له بالمشاركة في مؤتمر لندن ١٩٤٦، والشيء الوحيد الذي قبلت به بريطانيا من الحاج امين الحسيني هو ان يستخدم نفوذه في محاربة الشيوعية في البلاد دون قيامه بأي دور في المسألة الفلسطينية.

ولكن الحاج امين الحسيني اتجه الى ممارسة دوره السياسي من خلال الاتصال بجامعة الدول العربية التي بدأت تهتم بالمسألة الفلسطينية، وان الاهتمام المتزايد الذي اخذت تبديه جامعة الدول العربية في الشأن الفلسطيني شكل احتمالات ايجابية مشجعة لفلسطين وللحاج امين الحسيني.

فقد اعلن عبدالرحمن عزام باشا امين عام جامعة الدول العربية «ان الحاج امين الحسيني اكثر الشخصيات العربية شعبية في الوطن العربي، وان قضية فلسطين اكثر القضايا دعما من الشعوب العربية، وان جامعة الدول العربية تدين بوجودها للعمل على توحيد العرب في مواجهة المشروع الصهيوني».

فقد كانت الجهود الدبلوماسية والعسكرية والمالية للدول الاعضاء في جامعة الدول العربية ضرورية بشكل ملح لمواجهة القوى الصهيونية في الوقت الذي كان فيه الفلسطينيون يعانون من غياب القيادة ومن الانقسامات والضعف.

هنا لا بد ان نتفحص امورنا العربية بعيدا عن الغوغائية، والشروخ والانقسامات بين الدول العربية، حتى نتبين لماذا انهار العرب بقضهم وقضيضهم امام الحركة الصهيونية بطريقة مزرية بعثرت العرب وأفقدتهم توازنهم، لأن جميع الدول العربية كانت «وما زالت» عبارة عن كيانات متنازعة ومتخاصمة من ناحية، وخاضعة للسيطرة البريطانية وفق ترتيبات مختلفة كل على حدة.

كانت جامعة الدول العربية عبارة عن اتحاد غير مترابط من الدول confederation ، وليست منظمة متنازعة متناغمة، فقد كانت معظم الدول العربية الاعضاء في الجامعة اما مستعمرات بريطانية او خاضعة للنفوذ البريطاني.

وكان عدم الانصياع لبريطانيا يعرض حكام هذه الدول الى عقوبات دبلوماسية ومالية، والمؤسف انه كانت تشتعل بين هذه الدول العربية الشقيقة والاعضاء في جامعة الدول العربية شبكة من الخصومات والمنازعات التي لا تهدأ.

ومن أشد هذه الخصومات، كانت الخصومات القائمة بين إمارة شرق الاردن (في ذلك الوقت) من جهة، وكل من سوريا ولبنان والسعودية ومصر من جهة اخرى.

فقد رأت كل من سوريا ولبنان في المشروع الاردني (سوريا الكبرى) تهديدا لاستقلالهما. كما ان حلم الاردن باستعادة حكم الحجاز اثار مشاعر الخطر لدى الملك عبدالعزيز آل سعود من قيام سوريا الكبرى. وكل هذه المشاريع كانت تشكل لدى مصر تهديدا لدورها المهيمن في المنطقة العربية. ولم ينس العراق دور الحاج امين الحسيني في التحالف مع رشيد عالي الكيلاني رئيس وزراء العراق الذي قام بانقلاب عسكري ضد الانجليز والحكم الملكي الهاشمي (١٩٤١).

في الاجتماع الاستثنائي لمجلس جامعة الدول العربية الذي عقد في بلودان «سوريا» بين ٨- ١٢ حزيران ١٩٤٦، نصبت جامعة الدول العربية «الهيئة العربية العليا» كممثل للفلسطينيين برئاسة الحاج امين الحسيني الذي تم اختياره بسبب شعبيته في فلسطين والاقطار العربية. ولكن اختيار قيادة سياسية فلسطينية بواسطة الجامعة العربية يدل على ضعف الفلسطينيين وانقسامهم. ويؤشر كذلك الى تعاظم دور الجامعة العربية في الشؤون الفلسطينية الداخلية الذي ازعج الحاج امين الحسيني وزملاءه في القيادة الفلسطينية منذ العام 1947، بسبب تدخل الدول العربية العسكري آخر المطاف في فلسطين.

اعلن جمال الحسيني ممثل فلسطين في مؤتمر بلودان المشار اليه ان الفلسطينيين يعلمون ان الجامعة العربية مكونة من سبع دول مستقلة، وان كلا منها لها علاقاتها السياسية الخاصة. وان الفلسطينيين لا يودون احراج اي عضو، وكل ما يطلبونه هو المساعدة من الشعوب العربية بتشجيع من الحكومات العربية، وان الفلسطينيين قادرون على التغلب على القوات اليهودية في تلك الحالة.

لم يدع الحاج امين الحسيني الى اجتماع الجامعة العربية الذي عقد في عاليه (لبنان) بين 7- 15 تشرين الاول 1947، ولكنه حضر الاجتماع دون دعوة وطالب بتشكيل حكومة فلسطينية تحت سيطرة الهيئة العربية العليا ولكن الجامعة رفضت تشكيل هذه الحكومة بسبب معارضة كل من الاردن والعراق.

شكلت الجامعة العربية في مؤتمر «عاليه» لجنة فنية عسكرية لمساعدة الفلسطينيين، وفي عاليه قدم اللواء اسماعيل صفوت احد المسؤولين البارزين في هذه اللجنة تقريرا كئيبا لتوازن القوى بين العرب واليهود يميل بشكل ساحق لصالح اليهود. واوصى اللواء صفوت بسرعة تحريك القوات العسكرية العربية النظامية تجاه حدود فلسطين. ومع ان القوات العربية تحركت في 1948/5/15، الا ان الكارثة كانت قد وقعت. ولكن ماذا كانت تخفي هذه الكارثة في جوفها؟.

انه لا الوقت ولا المكان يتسعان لكل ذلك، ولكن لا بأس من الاشارة الى بعض منه، بادئين من العمق الى السطح.

عندما تحركت الجيوش العربية لدخول فلسطين لم تكن على قلب رجل واحد، بل كانت عبارة عن فصائل عسكرية متخاصمة، تتبادل التآمر على بعضها البعض. دخلت وكأنها قطيع من الذئاب يتسابق افراده على تمزيق فلسطين الفريسة والظفر ان استطاعت منها بشريحة، وليس لتحريرها وحمايتها من الضياع.

عمل بعض اعضاء جامعة الدول العربية في تحالف غير معلن (كطرف ثالث مع الاستعمار البريطاني والاستيطان الصهيوني) على تدمير الكيان الوطني الفلسطيني باصرارها المتواصل على رفض تشكيل حكومة فلسطينية. اولا في اجتماعها في عاليه (لبنان) في شهر تشرين الاول 1947، وثانيا رفضت تشكيل حكومة ظل فلسطينية في القاهرة في شهر كانون الاول 1948، وثالثا رفضت تشكيل حكومة فلسطينية في المنفى في شهر شباط 1948، الى ان بلغ اليأس بالحاج امين الحسيني والهيئة العربية العليا الى حد التسلل الى غزة في تشرين الاول 1948، والاعلان عن قيام حكومة عموم فلسطين، فأعادته السلطات المصرية الى القاهرة.

المهم ان العصابات الصهيونية، التي اطلقت على نفسها فيما بعد اسم جيش الدفاع "الإسرائيلي"، اجتاحت فلسطين في شهر نيسان 1948،حيث انحفرت في الذاكرة الفلسطينية اسماء عبدالقادر الحسيني وحسن سلامة وغيرهما، ودير ياسين والقسطل واخواتهما. وفي شباط 1949، بدأت الحكومات العربية التي دخلت جيوشها الى فلسطين (1948/5/15) في التوقيع على شروط استسلامها في جزيرة رودس اليونانية. وفي رودس سلم اشباه العرب مفاتيح فلسطين رسميا الى الحركة الصهيونية .. وتتابعت الهزائم. ولا احد من اشباه العرب يريد ان يتذكر!.

 

المصدر : موقع القدس

21/10/2013