مخيم اليرموك
الذي لا يتجاوز تعداد سكانه من الفلسطينيين أكثر من مئة وخمسين ألفاً، لا يعدو
كونه رمزاً، لنكبة نحو ستمائة ألف لاجئ فلسطيني يتوزعون على مخيمات وقرى ومدن
سورية، حتى اصبحت نكبتهم عنواناً يلخص نكبة بلد عربي، ضارب في عمق الحضارة
الإنسانية، ويحظى بمكانة مركزية بالإضافة إلى مصر، والعراق، والسعودية من بين كل
الدول العربية.
إذا كانت هذه
الدول العربية المركزية، قد تحولت وفق تخطيط أميركي "إسرائيلي" مسبق،
إلى هدف يسعى وراء تدميرها، وتقسيمها وإضعافها فإن القضية الفلسطينية، هي أحد أهم
الأسباب والدوافع، التي تقف وراء، هذه المخططات. بعد التجمع الأساسي والأكبر
للاجئين الفلسطينيين في الأردن، والذين تعرضوا لعمليات دمج في المجتمع الأردني،
حتى باتوا يشكلون أغلبيته، ويتمتعون بفعالية عالية في الوضع الأردني، يأتي دور
التجمع الثاني، من اللاجئين، وهم الموجودون في سورية.
اللاجئون في
سورية تمتعوا بمزايا المواطن السوري، مع استثناءات قليلة جداً، لكنهم ظلوا لاجئين،
يحملون الهوية الفلسطينية، وينتظرون يوم عودتهم، الى ديارهم التي قامت العصابات
الصهيونية بتشريدهم منها عام 1948. التجمع الثالث الأكبر، الموجود في لبنان تعرض
لما تعرض له خلال العقود السابقة، ولكنه ما يزال يدفع أثمانا باهظة، على خلفية رفض
مشاريع التوطين، والتمسك بهدف العودة.
مطلوب إذاً
التخلص من أكبر عدد من اللاجئين في سورية، على طريق، إفراغ حق العودة من مضامينه،
وليذهب هؤلاء، إلى الجحيم ان اقتضى الأمر. المجتمع الدولي، والعرب أيضاً، ونقصد
العرب الرسميين، مساهمون عن قصد، أو بسبب العجز، ويتلطون خلف ذرائع زائفة، هؤلاء
مساهمون في التخلص من هذا التجمع الفلسطيني الكبير.
أكثر من الفي "شهيد"،
ولا نعرف كم ألفاً تعرضوا للإصابة، كما أننا لا نعرف بالضبط، كم بقي في المخيم،
ممن لم يجدوا لهم مكاناً، يتوجهون اليه، سواء لأسباب مادية، أو لأسباب أمنية، ولكن
الأهم هو، أين ذهب مئات الآلاف من اللاجئين، وهل يمكن الإشارة إلى تجمع معين يضم
عشرات الآلاف منهم؟.
المؤسسات
الدولية، بما في ذلك، وكالة غوث وتشغيل اللاجئين و"الصليب الأحمر"، وكل
المؤسسات التي تحمل صفة الدولية، لم تعد قادرة أو أنها تمتنع عن قصد، عن إغاثة
ومساعدة مئات آلاف اللاجئين المنكوبين والحكومة السورية، غير قادرة في وضعيتها
الحالية، على إغاثتهم وحمايتهم فمن المسؤول؟.
في كثير من
الأحيان، حين نسمع شكاوى من تبقى من سكان مخيم اليرموك نتذكر، ما جرى لسكان مخيمي
شاتيلا وصبرا في بيروت، ومخيم تل الزعتر، هذه المخيمات التي تعرضت لحصار ظالم، أدى
ببعض سكانها لأن يأكلوا ما حرّم الله، ثم تعرضوا إلى مجازر رهيبة.
تتكرر المأساة،
وتتعدد وتتنوع الأدوات، ويظل المجرم الحقيقي هو ذاته، وهو بدون لف أو دوران
التحالف الأميركي "الإسرائيلي"، الذي لم يتوقف عن التخطيط والعمل من أجل
تصفية القضية الفلسطينية. القتل والتشريد والتجويع والمذابح، تلاحق الفلسطيني في
كل مكان، إلاّ في المهاجر، التي عليها أن تستوعبهم، وان تقدم لهم الملجأ الآمن
مقارنة بالملاجئ العربية غير الآمنة، وفي اطار انتزاع هويتهم الوطنية من نفوسهم.
مسلسل طويل، بطول عمر الصراع الفلسطيني والعربي "الإسرائيلي"، يلاحق
الفلسطيني، في انتمائه وجنسيته، وجنسه، وهويته، فيما تتوزع لائحة المجازر على
أسماء ومسميات مختلفة. ما الذي لحق بالفلسطينيين في العراق، وفي ليبيا،
ولبنان، وسورية، وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة، وما الذي ينتظرهم في كل مكان يذهبون إليه، قريباً من الوطن؟.
ولكن من هي
الجهة التي تتحمل المسؤولية المباشرة، عن تنفيذ المخططات، الأميركية "الإسرائيلية"
بحق الفلسطينيين في سورية، ولماذا يجري التواطؤ، والامتناع عن تسميتها، وتعرية
أهدافها؟.
لماذا لا
نعترف، ان الجماعات الإسلامية "الإرهابية"، من النصرة إلى داعش، إلى معظم
المسميات الأخرى، هي التي تصر على الاحتفاظ بالفلسطينيين في مخيم اليرموك رهينة
لأهدافهم، التدميرية؟ في كل مرة يزور فيها وفد فلسطيني سورية، يتم الإعلان عن
اتفاق، تلتزم به الحكومة السورية، ولا يرى النور، بسبب تعنت الجماعات "الإرهابية"
المسلحة التي تتحصن في مخيم اليرموك.
ويمتد السؤال
الموجع بشأن هذه الجماعات الإسلامية "الإرهابية" بكل مسمياتها، لماذا تركز هذه
الجماعات جل اهتمامها ونشاطاتها التدميرية على المجتمعات العربية، ولا، ولم تفعل
شيئاً ضد "إسرائيل"، وراعيتها وحاميتها الولايات المتحدة؟.
إذا كنا لا
نملك دليلاً، على ارتباط هذه الجماعات بأسياد دوليين أو إقليميين، فإن أهدافهم،
وأشكال قتالهم أو ضحاياهم، تفضح ارتباطاتهم، الأمر الذي يتطلب من الجماعات
والأحزاب والفرق الإسلامية المعتدلة، قبل غيرها، أن تتبرأ منهم، وأن تفند
ادعاءاتهم وتفضح اهدافهم، وتتنكر لبشاعة إجرامهم.
ولكن مرة أخرى،
نعود إلى الأصل، وهو حال الفلسطينيين التي لا تسر صديقاً ولا تكيد عدواً.
لست أدري إن
كان من الأفضل للسياسة الفلسطينية أن تتحصن بمبدأ الحياد، وعدم التدخل في الشؤون
الداخلية في مثل حالة سورية وحيث يدفع الفلسطيني أثماناً باهظة، بدون هدف، فيما
تتدخل معظم الدول العربية في الشأن الفلسطيني، ولا ضير من ذلك، إن كان لصالح
القضية الفلسطينية؟.
الفلسطيني
الضعيف، سيظل ضحية، لكل من هب ودب على وجه البسيطة، والفلسطينيون ضعفاء منقسمون
على أنفسهم، ولذلك يسهل استباحة دمائهم وأعراضهم، وأمنهم، وغذائهم، وحتى هويتهم
الوطنية.
تذكروا أيها
الفلسطينيون خصوصاً المخضرمين منكم، كم كنتم فاعلين، حين كنتم أقوياء، وكيف كانت
الدول العربية تتعامل معكم، وقارنوا ما كنتم عليه بما أنتم عليه اليوم.
المصدر : جريدة
الأيام
16/1/2014