كي لا ننسى: جبع الكرمل..في الذاكرة- علي محمد

بواسطة قراءة 7737
كي لا ننسى: جبع الكرمل..في الذاكرة- علي محمد
كي لا ننسى: جبع الكرمل..في الذاكرة- علي محمد

" فلسطين في الذاكرة دوماً وأبداً نتوارثها جيلاً بعد جيل, نحملها معنا في شتاتنا القسري الى  أقاصي المعمورة, وتلازمنا حتى القبر , لكن الذاكرة لاتحل محلها ولاتكون بديلاً او رديفاً".

(المفكر الفلسطيني انيس صايغ)

لن ننساها ودائماً في قلوبنا, نراها في منامنا ونتخيلها امامنا ونحن على قمة الكرمل والبحر من بعيد تتلاطم امواجه تبكي حزينة على شعباً وارضاً تأمرت عليهم كل امم الدنيا من قريبه وبعيده

لكي تحول الشعب الى لاجئين والوطن الى سجين ....

جبع Jabaa وهي من الجذر - اجبع- وتعني التل او الشيء المرتفع عن الارض, وعرفت في

العهد الروماني بأسم(جباتا- Jabata) وهي بذلك لها جذور عميقة في التاريخ .ولقد اكتشف في

مدخل وادي المغارة عام 1930 قبور منحوتة في الصخر وقطع فسيفسائية وبئر قديم ومغر كثيرة وبقايا ابنية قديمة وهذه دلائل تشير بأنها كانت أهلة بالسكان في عصور ما قبل التاريخ.

وتقع جبع على السفوح الغربية الجنوبية لجبل الكرمل وتمتد طولاً من الشمال الى الجنوب, وتبعد حوالي 18,5كم جنوب مركز محافظة حيفا ,والطريق الساحلي يمر على 500 م الى الشرق من القرية  وهي تشرف على السهل الساحلي المحيط ببلدة الصرفند.

وتتقاسم حدودها من الشرق قرية اجزم ومن الشمال المزار وفي الجنوب الشرقي المنارة ومن الجنوب عين غزال ومن الغرب الشارع الرئيسي حيفا- يافا ومن بعده اراضٍ لآهالي القرية وبعدها اعمدة الكهرباء( حيث كانت هناك نية لجلب الكهرباء الى البلدة وتم بناء قاعدة لوضع عليها المحولة التي كانت ستمد القرية بالكهرباء بين بيرانسي وبيرعلي الحسين) ثم خط السكك الحديدية وبعدها البحر الابيض.

http://www.paliraq.com/images/01pho01/jabaa.jpg

وليس بعيداً عنها الى الجنوب الغربي قرية الصرفند وقرية كفرلام والى الشمال الغربي عتليت حيث مركز البوليس ومحطة القطار والسجن...

عدد سكانها 1140 نسمة حتى عام 1945 وفي عام 1948 كان عدد السكان 1322 نسمة, وكان فيها 15 بيتا من الحجر عام 1931 وانتشر البناء بالحجر حتى بلغ عددها 274 بيتا عام 1948 .

مساحتها الاجمالية تبلغ ( 7012 ) دونم وان مساحة الاراضي المملوكة 4759 دونم ويزرع منها 4705 دونم والمبنية 60 دونم والاراضي المشاع 2253 دونم,وفيها 450 دونم بساتين مروية , 710 مزروعة زيتون, والمزروعة بالحبوب 4255 دونم ولم يملك الصهاينة اية ارض فيها. وكان يمر منها من الشرق الى الغرب اربع وديان تسير بها المياه من سفوح جبل الكرمل وهي وادي الصلاجة جنوبا ثم نتجه شمالا حيث وادي الخلة وجنوب المدرسة يمر وادي زخنون واقصى شمال القرية وادي المغارة .كان في القرية بير ماء مع مطحنة في غرب البلدة لأنسي الماضي وهو من اجزم وكان يسكن في جبع, والى الجنوب منه كان بير علي الحسين وماؤه اكثر عذوبة من بير انسي وكان الاهالي يدفعون مقابل المياه التي ياخذونها ويتم نقل الماء اما بالجرار وتحمله النسوة على روؤسهم او على البغال والحمير .

وفي السفوح الشرقية من البلدة يقع مقام الشيخ عمير وهو واحد من ثلاثة اخوة استشهدوا بالمنطقة مع الفتوحات الاسلامية ودفنوا في ثلاث مناطق.وفي البلدة مدرسة ابتدائية من الاول حتى الصف الخامس,ولقد أنشئت زمن الثمانيين عام 1885 , وفي عام 1945 توسعت واضيف لها صفي السادس والسابع وتكفل اهالي البلدة بدفع مصاريف الصفين .وتقع المدرسة في شمال القرية وكان فيها مقاعد واثاث ومستلزمات اخرى من دائرة المعارف في حيفا..وكان امام المدرسة حقل زراعي لتعليم الطلاب الزراعة والعناية بها وكذلك منحل لتربية النحل وكان خلف المدرسة مفقس دجاج يديره الطلاب, أي ان المدرسة كانت متكاملة ونموذجية.وكان الطلاب قبل المدرسة يدرسون عند الشيخ أحمد القرأن الكريم والسنة وهو من بلدة زيتة (او من بلدة قامون) ...وكان الطلاب يقفون في طابور الصباح وينشدون نشيد ( بلاد العُرب اوطاني) وكان يزور المدرسة مفتشين وزوار اخرين وكان هناك طلاب من القرى المجاورة ( اجزم-صرفند- كفرلام- المنارة- المزار- عين غزال) يدرسون في المدرسة.

كان في القرية مسجد بدون مأذنة في الوسط من الجهة الشرقية والقائم عليه هو الشيخ احمد .ولقد كان للمسجد اربع دكاكين مؤجرة وتصرف عائداتها لخدمة المسجد.

كانت الحياة الاقتصادية لسكان القرية جيدة, حيث كان يعمل عدداً من سكانها في مدينة حيفا مثل خضر الملحم الذي كان يعمل على ونش في ميناء حيفا, وعدد اخر يعمل في البوليس في عتليت ومنهم عقاب علي الصادق وكان شاويش, ومحمد موسى اليوسف ونايف حسن المشعور وعبد الفتاح يوسف الشعبان (ابو مفيد), وكان قسم من اهالي القرية يعملون بصيد السمك ونذكر منهم موسى محمد اليوسف ومحمد الحلوي(ابو صلاح) وفريد محمد الإعمر.ومنهم من كان يملك سيارات مثل محمد علي الملحم(ابو محمود) وكان عنده سيارتان ويعمل على احدها معروف الملحم (ابو مفيد) وعمله جر السيارات الى ميناء حيفا ..

وكان فيها عدد من الحرفيين يعملون في محلاتهم ونذكر منهم :-

ملحمة محمود الصالح وملحمة فلاح مفلح حسن وملحمة محمد احمد الحمودي ودكان حسن وموسى الفنتزية للحلاقة ومعالجة الناس بالاعشاب وكان حمدان الليمون مجبراً للكسور,اما الامراض الاخرى فيذهب الناس الى مدينة حيفا حيث هناك اطباء متخصصون ..ودكان محمد  علي فهيد (ابو علي) لعمل الاحذية ودكان بكر الحاج شعبان لعمل وتصليح الاحذية ودكان صالح العبد ودكان علي احمد فهيد (ابو محمد) لبيع السكر والشاي والزيت والملبس والكاز واشياء والسكائر اخرى, ودكان يوسف محمود فهيد لتصليح وتأجير الدراجات الهوائية ودكان لتصليح السيارات لواحد من دار المجيد ودكان احمد ومحمد ابو زليخة للنجارة وصنع شبابيك خشب للبيوت ودكان ابو جاسر الملحم لتصليح البوابير وكان في القرية فرن واحد ليحيى احمد الصفدي جنب بيتهم, حيث كان الناس يخبزوا على الطوابين والتي كانت موجودة في كل بيت, وكان في القرية ايضاً مقهى حسن هاشم الاعمر(ابو نجاح) وفيه راديو يعمل على بطارية السيارة ,وكان فيها معصرة زيتون لجدع عبد الرازق (ابو نهاد).اما المقبرة الخاصة بالقرية فكانت تقع في الجهة الجنوبية الشرقية .

مغارة المرشقة: وتقع في السفوح الشرقية وهي كبيرة وواسعة وكانوا يستخرجون منها الشيد الابيض (الجص) لرشق الحيطان وتبييض البيوت, وكانت تستخدم اثناء القصف والغارات كملجأ لآهالي القرية .

اما في اقصى جنوب القرية كان هناك ارض واسعة تكثر فيها المُغور وبرك الماء وينبت فيها اشجار الخروب وهي اراضي مشاع وتسمى- النواميس-- وفي الجهة الغربية الوسطى من القرية كان هناك ساحة كبيرة تسمى البيادر وتستخدم لدرس الحبوب وللأعراس والمناسبات التي تمر على القرية ومنها(مثلاً) الاحتفال بخروج محمد علي فهيد من السجن عام 1945 بعد ان حكم عليه بالاعدام وخفف الحكم الى مؤبد ثم اطلق سراحه بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية..(ألقي القبض عليَ يوم 17-10-1939 في قلب مدينة حيفا وكنت اقود مجموعة لمهاجمة اليهود والانجليز, وقد حكمَ المجلس العرفي البريطاني عليَ بالاعدام ) هذا ما دونه محمد علي فهيد في دفتر صغيرمع بعض المخططات لكيفية عمل الكمائن ومهاجمة العدو .

ولقد اعتمد غالبية السكان على زراعة الحبوب والمحاصيل الحقلية والزيتون- حيث كانت القرية تنتج 3,5% من مساحة زراعته في حيفا.وكذلك كانوا يهتمون بتربية المواشي والدواجن والنحل.

ولقد كان علي احمد فهيد يملك بستان كبير ومعروف لاشجار الزيتون ويقع في الجهة الشمالية  الغربية والى الشرق منه بستان زيتون لواحد من دار ملحم,والى شماله ارض موسى اليوسف  وبعدها ارض دار الدعاس وكانوا يزرعون فيهما العدس والحمص والسمسم والذرة على اطراف الارض وكان محمد الملحم يملك ارضاً كبيرة في الجبل- وفي الجهة الغربية بعد الشارع الساحلي كانت هناك اراضي ليوسف احمد اليوسف وموسى اليوسف والى الجنوب منهم اراضي اخرى زراعية تسمى( العرقدي) وقد سكن فيها عدة عوائل من الأرمن , وفي الطريق الى اجزم كانت هناك ارض تسمى (الفرش) لعبد الكريم اليوسف ابو السعيد ومعين.. ولقد كان اهالي القرية يربون الدجاج والحمام في بيوتهم ولا يخلو بيت من اشجار الفاكهة , وكذلك كانوا يزرعون قسم من ارض الدار بالخضراوات ...

الحياة الاجتماعية : كان يوجد في القرية مجموعة من الدواوين منها ديوان المدني وديوان الشعبان وديوان آل ملحم وديوان اخر مختار لجبع قبل النزوح وهو علي محمود ابو زيادة. وكان الديوان مكان واسع وهو جزأً من البيت ويتجمع الناس في تلك الدواوين بالمناسبات واستضافة الضيوف من خارج القرية والتجمع في رمضان وفي مناقشة المشاكل وحلها.

ولقد عاش الناس حياة اجتماعية متينة, وكانوا يشاركون بالافراح والاحزان ويتزاورون مع بعضهم ولقد كانت هناك علاقات مصاهرة متينة وتعاون مشترك مع القرى المجاورة وخصوصا في اوقات المعارك والتصدي للعصابات الصهيونية .وكان هناك باصات تأتي من اجزم وتمر على جبع لنقل الناس الى حيفا وبالعكس ..

والعوائل التي سكنت جبع حتى سقوطها : آل شعبان - آل ملحم - آل ابو زيادة - آل الإعمر-- آل فهيد - آل المدني - آل عقاب - آل المشعور- آل ابو زمق - آل السمور - آل عيسى- آل الحامدي - آل البدوي - آل الصالح -آل الشنتين- آل الحوش- آل الدعاس-آل الحمودي .

ولقد سكن القرية محمود سعيد الحمدان وهو من اجزم لكنه متزوج من جبع ,وكذلك حسين البرماوي وكان يعزف على الآرغول وتزوج من جبع وسكن فيها.وكذلك مصطفى سعيد (الملقب بالجعفري- وهو والد الشهيد المحامي سعيد الجعفري ) حيث كان متزوجا من جبع وسكن فيها وهو اصللا من دالية الروحا .

وحسب غالبية المصادر العربية وحتى الصهيونية تؤكد بأن جبع سقطت بأيدي العصابات اليهودية بعد صمود ومقاومة استمرت عدة شهور مع قريتي اجزم وعين غزال يوم 26-7 -1948 حيث قام الاهالي بحفر خندق بعمق متر حول القرية من الجهة الغربية وحسب نصيحة الضابط الانكليزي الذي حول اسمه الى محمد وانضم الى الفلسطينيين لقتال اليهود الذين قتلوا اخيه . ولقد فشلت عدة محاولات لاحتلال القرية.وكانت هناك لجنة مشتركة من القرى الثلاث تشرف على التخطيط من حراسة وجلب الاسلحة برئاسة محمود الماضي.وعندما سقطت قرى الطنطورة وصرفند وكفرلام التجأ قسم من اهاليها الى قرى جبع وعين غزال واجزم...

وفي يومي 25 و26 قامت المدفعية والطيران الصهيوني بقصف مركز على القرية ولم يدخلها المشاة الا بعد خروج اهلها بفترة خوفا ان يكون اهل القرية قد عملوا لهم كمين...وكان السبب الرئيس للانسحاب هو نفاذ الذخيرة والمؤن والقصف الهمجي للطائرات.وبعد دخول القرية تم تدميرها بالكامل مع قرية عين غزال ولم يبقى فيها شيئاً الا مقام الشيخ عمير شامخاً وشاهداً على الهمجية الصهيونية . ولقد سقط عدد من الشهداء والجرحى من اهالي القرية.

انسحب اهالي القرية مع القرى الاخرى الى الجنوب الشرقي الى عارة وعرعرة ثم نقلهم الجيش العراقي الى مدينة جنين ومن هناك اخذهم الجيش العراقي بشاحناته الى العراق . ولكن آل المدني كلهم مع عوائل من آل ملحم وآل عيسى وآل الحامدي اتجهوا الى الاردن وسوريا.

المصادر : -

1- المرحوم الحاج محمد علي احمد فهيد.

2- من مقابلة الحاج محمود محمد الملحم .

3- من مقابلة مع حسن موسى الشعبان (ولقد قام مشكورا برسم تخطيطي لغالبية القرية).

4- من مسودة كتاب عن جبع للاخ عزالدين محمد.

4- من موقع ( فلسطين بالذاكرة) .

 

إعداد: علي محمد

13/2/2010

 

موقع" فلسطينيو العراق " أول موقع ينشر هذا الخبر

"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"