كلمة السر في التقارب الأمريكي الإيراني - عامر الهوشان

بواسطة قراءة 1826
كلمة السر في التقارب الأمريكي الإيراني - عامر الهوشان
كلمة السر في التقارب الأمريكي الإيراني - عامر الهوشان

فلم يعد خافيا على أحد أن العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران هي التي مهدت لأمريكا احتلال كل من العراق وأفغانستان بمساعدة ومؤازرة طهران -وكل من الدولتين سنية المذهب والعقيدة حكومة وشعبا- والتي مهدت لتسليم العراق بعد ذلك لأتباع إيران ضمن صفقة متفق عليها مسبقا, لتكون الضربة والصدمة الأولى لأهل السنة عموما في المنطقة.

أما الذين كانوا مخدوعين بشعارات العداء المتبادلة بين الطرفين, كشعار طهران (أمريكا الشيطان الأكبر), أو أن "إسرائيل" هي العدو الأول ولا بد من إزالتها من الوجود, فهم الذين صعقوا وصدموا واستغربوا من هذا التقارب السريع, فلا "إسرائيل" ضربت طهران كما هددت أكثر من مرة, ولا أمريكا أبقت على الخيار العسكري مطروحا تجاه برنامج إيران النووي, كما كانت تزعم طوال سنوات التفاوض الطويلة بين إيران ودول 5+1, بما يعني أن ما سبق لا يتعدى التصريحات الإعلامية فحسب.

لقد ذابت مزاعم العداء الوهمية بين الطرفين خلال أيام بل ساعات معدودة, وتم الترحيب بخطوات التقارب من كلا الجانبين, فمن الجانب الأمريكي لم تعد إيران أهم دول محور الشر ورأس حربته كما كانت تقول دائما, كما أن مجلس الشيوخ الأمريكي أوقف بعض العقوبات ضد إيران, والتي كان من المقرر النظر بها في سبتمبر الماضي, وذلك إلى أن تجري طهران محادثات نووية مع القوى الكبرى في وقت لاحق من الشهر الجاري.

ومن الجانب الإيراني دعا أكبر هاشمي رفسنجاني مساء الأربعاء 2 أكتوبر إلى التخلي عن شعار (الموت لأميركا)، موضحا أن مؤسس نظام الجمهورية "الإسلامية" في إيران كان يعارض إطلاق هذا الهتاف الذي يهتف به أنصار النظام في المناسبات المختلفة, إضافة إلى تأييد البرلمان الإيران بشدة للجهود الدبلوماسية التي بذلها الرئيس حسن روحاني في الأمم المتحدة الأسبوع الماضي لتبديد انعدام الثقة في إيران.

نعم لقد تبخرت لغة العداء والشيطنة بين الطرفين في لمح البصر, واستبدلت بعبارات الغزل والتقارب, مما يعني أن الأمر ليس اعتباطيا ولا مفاجئا, بل مبني على أسس وثوابت ترتكز بالدرجة الأولى على المصالح المشتركة بينهما, وبالدرجة الثانية على العداء المشترك للإسلام والمسلمين من أهل السنة من كلا الطرفين.

أما موضوع المصالح فهي استراتيجية تعتمد عليها الولايات المتحدة الأمريكية في جميع علاقاتها مع دول العالم, وقد طغت على جميع مبادئ الحرية والديمقراطية والعدالة التي ظلت عقودا من الزمان تدعيها, وإيران لا تقل نفعية عن أمريكا, بل ربما تتجاوزها بمراحل, من خلال استعدادها للتنازل عن أي شيء مقابل مشروعها التوسعي الفارسي الطائفي.

فإيران وجدت نفسها بحاجة للانفتاح على الغرب في هذه المرحلة, حيث الاقتصاد الإيراني متدهور جراء العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من الغرب, والحرب الدائرة في سوريا قد أفقدتها الكثير من نفوذها في كل من سوريا ولبنان معا, وكان لا بد من المرونة الشجاعة كما وصفها المرشد الأعلى خامنئي وبعض التنازلات المرحلية المؤقتة للحفاظ على النظام.

وفي هذا الإطار تم اختيار الرئيس المحسوب على الإصلاحيين حسن روحاني للقيام بهذه المهمة, بعد تفويض كامل من المرشد الأعلى خامنئي للتفاوض مع الغرب بشأن الملف النووي الإيراني, حيث أبدى الأخير استعداده لتقديم تنازلات عن منشأة بوردو النووية مقابل تخفيف العقوبات أو رفعها عن إيران, كما نشرت مجلة دير شبيجل الألمانية.

ولم يكن أمام الإدارة الأمريكية –التي تغلب المصالح على المبادئ دائما- إلا أن تقابل هذه التنازلات بالترحيب, خاصة وأن سياسة أمريكا الأوبامية تعتمد بالأساس وخلال الولايتين المتتاليتين على مبدأ القوة الناعمة, والابتعاد ما أمكن عن استخدام القوة العسكرية, ولذلك كان الاتفاق الروسي الأمريكي بشأن نزع أسلحة سوريا الكيماوية بمثابة طوق النجاة لأوباما, بعد استخدام الكيماوي في سوريا في 21 أغسطس الماضي, الذي أحرج أوباما و اضطره إلى خوض مسرحية الضربة العسكرية ضد سوريا, والتي انتهت بالاتفاقية الكيماوية, كما أن استعداد إيران لتقديم بعض التنازلات بشأن ملفها الكيماوي ساهم في تماهي أمريكا مع إيران, وتبادل رسائل الغزل المتبادل خلال فترة اجتماعات الجمعية العامة السنوي للأمم المتحدة الأخير.

لقد كتب عن موضوع التقارب الأمريكي الإيراني الأخير الكثير من المقالات والتعليقات والتقارير, ولكنها جميعا ركزت على الجانب المصلحي كسبب منطقي وحيد لهذا التقارب, بل إن بعض العناوين تناولت هذا المعنى بوضوح, وإذا كانت المصالح هي اللغة الأكثر رواجا في الاستراتيجية الأمريكية, إلا أن ذلك لا يعني إغفال جانب العداء المشترك لأهل السنة بين الطرفين, كسبب قوي للتقارب بينهما أيضا.

ولعل ما يؤكد هذا التوجه الكثير من المؤشرات ومنها:

1- إن عملية استقراء بسيطة لجميع حروب أمريكا وإيران الأخيرة, يمكن استنتاج أنها جميعا ضد أهل السنة, وبشعارات صليبية شيعية معادية لأهل السنة بشكل ظاهر وواضح, وما حرب العراق وأفغانستان إلا نموذجا لذلك, حيث أعلنها بوش الابن حملة صليبية ثامنة, بينما أخفت إيران البعد الطائفي الشيعي ضد أهل السنة في مساعدتها لأمريكا لظروف سياسية, وما الحرب الدائرة في سوريا وموقف كل من إيران وأمريكا منها عن ذلك ببعيد أيضا, وإن اختلفت مواقفهما في الظاهر تماما, فالعبرة بالأفعال لا بالأقوال, وأمريكا لم تفعل شيئا لحل الأزمة السورية منذ بدايتها, بل على العكس من ذلك, فقد كانت حريصة –وما زالت- على عدم انتصار الثورة فيها.

2- من المعروف أن الإسلام كان وما يزال العدو الأول للغرب وأمريكا, وخاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي, وكذلك ظهر الحقد والعداء الشيعي الإيراني للإسلام والمسلمين من أهل السنة بعد أن كان خافيا تقية, وقد تمثل هذا العداء في الفترة الأخيرة بصورة واضحة في كل من سوريا ولبنان والخليج وغيرها من الدول, وهو ما يؤكد أن العداء المشترك لأهل السنة, كلمة السر الثانية في التقارب الأمريكي الإيراني.

3- إذا كانت مقولة: فتش عن مصلحة "إسرائيل" في كل ما تفعله أمريكا صحيحة, فإن التقارب الإيراني الأمريكي لا بد أن يمر ببوابة مصالح "إسرائيل", ولعله من الواضح أن الشيعة في إيران أقرب إلى اليهود من أهل السنة, سواء من خلال العقائد الباطلة والمزيفة المشتركة بينهما, أو من خلال العداء والكراهية المشتركة لأهل السنة.

ورغم أن الظاهر إعلاميا أن إيران واليهود أعداء, إلا أن الحقيقة غير ذلك تماما, ويكفي أن نعلم أن اليهود في إيران من أكثر الأقليات رفاهية, وأن لهم من الحقوق والامتيازات ما ليس لأي أقلية أو طائفة أخرى هناك, كما يكفي أن يهنئ الرئيس الإيراني روحاني ووزير خارجيته جواد ظريف اليهود بأعيادهم مؤخرا, لنعلم مدى العلاقة الحميمة التي تجمع الطرفين.

وإذا كان الأمر كذلك فإن كراهية أهل السنة واعتبارها الخطر الحقيقي على أمن "إسرائيل", سيكون سببا كافيا لفهم كلمة السر في التقارب الأمريكي الإيراني.

وأخيرا يمكن القول: إنه بغض النظر عن كل ما سبق, فإن كلمة السر الأهم في التقارب الأمريكي الإيراني هو ضعف العرب والمسلمين نتيجة لتفرقهم وتمزقهم, فالخلافات بين الدول العربية مستشرية, والضعف يزداد يوما بعد يوم, وخاصة  بعد القضاء على الجيش العراقي, وانشغال الدول العربية بمشاكلها الداخلية, وسط خلافات بين أحزاب الدولة الواحدة, ناهيك عن الخلافات الأوسع من ذلك.

والغرب وأمريكا لا يعترف إلا بمبدأ القوة بكل معانيها العسكرية والاقتصادية والعلمية, ولا يفاوض أو يساوم إلا من باب المصالح المتبادلة, والقوة لا تأتي إلا من التحالفات والاجتماع والوحدة, وعادة ما تكون المفاوضات بين هذه التكتلات القوية على حساب الضعفاء المتفرقين.

بالأمس أعلنت بريطانيا عن ترحيبها بعلاقات جديدة مع إيران , واليوم يروجون لمصالحة غربية شاملة معها , وأصوات سياسية غربية تدعو لاعتبار ايران دولة من الدول العظمى ... اين المخدوعون من أبنائنا لنصرخ في وجوههم الما وحسرة بينما هم يغفلون عما يحدث حولهم ؟!

 

المصدر : مركز التأصيل للدراسات والبحوث

20/11/2013