على حين غرة إلتَمع الأفق بلون الدم القاني، بضع ثوان وعاد كل شيء إلى ما كان عليه.
كانت الساعة قد قاربت السابعة مساء، وكنت وحدي في الحديقة الخلفية لشقتي أجمع قطرات الماء من حنفية كنت قد ركبتها على ماسورة المياه قريبا من مستوى الأرض كي تمتص ما أمكنها من المياه القادمة عبر الشبكة ( على قلتها ) لئلا نموت عطشا، ففي تلك الأيام كان كل شيء قابلا لأن يموت، إن لم يكن من عطش الماء فمن التعطش الدموي للذئاب التي أطلقت من أقفاصها في الشرق.
كان ذلك آخر ما أذكر من زمن كان فيه في العراق رجال.. وماتوا.
علمتُ فيما بعد أن تلك الإلتماعَة الحمراء في الأفق في ذلك اليوم من أوائل نيسان عام 2003 كانت قنبلة حرارية أطلقها الأمريكان في المطار الدولي على من بقي من أبناء الجيش العراقي الشرفاء الذين أبوا إلا أن يموتوا دفاعا عن أرض وطنهم.. واستشهدوا بإذن الله .
لا أدري لماذا مرّت نكبة أهلنا عام 48 كشريط سينمائي أمام ناظري في تلك اللحظات، لم أكن أعرف أن قنبلة ألقيت وأن آلافاً ماتوا دفعة واحدة وأن الأرض احترقت حتى تفحمت، لم أكن أعرف شيئا مما يدور حولنا، فقد كان الانقطاع تاما والترقب سيد الموقف بلا منازع، لكنه شعور خالجني لم أعرف له سببا إلا بعد حين .
تخيلت للحظة أننا مقبلون على ما هو ألعن وأسوأ مما عانى منه أهلنا، فهم في الحد الأدنى عاشوا النكبة في زمن كان فيه التصريح بالخيانة أمرا مستحيلا، رغم أن الخيانة نفسها كانت موجودة بامتياز، وعاشوا النكبة بينما كان العرب يحاولون إثبات أنهم حريصون على دماء الفلسطينيين على الأقل ، بينما تخيلت أنا سندخل نفق النكبة الجديدة بلا بواكي، وبلا حرص من أحد على قطرة دم واحدة من دماء الفلسطينيين، بل وبتمنيات من قبل الكثيرين منهم بأن ينتهي هذا الكابوس المسمى قضية فلسطين والذي قض مضاجعهم وأرّق لياليهم.
ترى ما الذي تخبئه لنا الأيام؟
كان هذا هو السؤال الأكثر إلحاحا في رأسي وكانت تلك بداية الرحلة.. رحلة الخروج من الجحيم.
وإلى لقاء
عيسى الحسن
3\6\2010
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"