العرب خيرالله
خيرالله [نُشر في 20/01/2014،
العدد: 9444، ص(9)]
من احتفل بموت
شارون من الفلسطينيين، إنما أراد التهرب من تحمّل مسؤولياته والاعتراف بأخطائه،
بما في ذلك التقصير في مواجهة رجل كان مهووسا بخطر اسمه الشعب الفلسطيني. قاتل
شارون الشعب الفلسطيني. قاتله بكلّ شراسة لأنه كان يدرك تماما أن "إسرائيل"
في حاجة إلى اعتراف فلسطيني بشرعيتها. ففي قرارة نفسه، كان شارون يعرف أنّ وجود
الشعب الفلسطيني ينفي عن "إسرائيل" شرعيتها، خصوصا أنها طردت آلاف
الفلسطينيين من بيوتهم وأنها استغلّت، إلى أبعد حدود، الجهل العربي الذي تمثّل في
رفض قرار التقسيم.
لم يتورّع
شارون عن القتل والتشجيع على ارتكاب مجازر في حقّ الشعب الفلسطيني. كان لديه عقل
تبسيطي ومتوحّش في آن. رفض الاعتراف بوجود هذا الشعب الفلسطيني. وهذا ما يفسّر إلى
حدّ كبير عداءه لياسر عرفات الذي كان، على الرغم من كلّ أخطائه، يجسّد الوجود
الفلسطيني وحيوية هذا الشعب. كذلك، كانت هذه الرؤية التبسيطية لشارون وراء مناداته
بـ”الوطن البديل” للفلسطينيين في الأردن.
كان ارييل
شارون مجرما بالفعل. أفضل دليل على ذلك مجزرة مخيّم صبرا وشاتيلا، القريب من
بيروت، التي شجّع عليها عندما كان وزيرا للدفاع في العام 1982.
لكنّ ما لا بدّ
من الاعتراف به أن الذين نفّذوا المجزرة كانوا لبنانيين ارتضوا القيام بهذا العمل
المشين الذي يندى له الجبين لأسباب لم تتضح بعد وقد لا تتضّح يوما. كان السبب
الوحيد المعلن، الذي استُعين به لتبرير المجزرة، الانتقام لاغتيال الرئيس بشير
الجميّل. معروف تماما،وربّما أكثر من اللزوم، من اغتال بشير الجميّل في الرابع عشر
من سبتمبر 1982. اغتاله النظام السوري مستعينا بعملاء محليين له. لماذا، كان ذلك
التواطؤ "الإسرائيلي"- السوري أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان والذي
يصبّ في تحميل الفلسطينيين مسؤولية الجريمة التي استهدفت رئيسا منتخبا للجمهورية
اللبنانية، وإن في ظروف خاصة؟.
كلّ ما يمكن
قوله أن منفّذي المجزرة أمنوا رعاية شارون لها، كما أصبحوا لاحقا في حماية النظام
السوري الذي استوعبهم وقدّم لهم كلّ الحمايات الممكنة وجعل من أحد منفّذيها وزيرا
نافذا. هل هذا ما يفسّر الظلم الذي تعرّضت له المخيمات الفلسطينية في لبنان منتصف
الثمانينات من القرن الماضي، على يد تنظيم شيعي مسلّح معروف موال كلّيا للنظام في
سوريا .. وما يتعرّض له حاليا مخيم اليرموك القريب من دمشق؟.
لا يمكن في أي
شكل تجاهل الجانب الأهم من سيرة حياة ارييل شارون الذي رفض باستمرار الاعتراف
بالحقوق الفلسطينية وبوجود شعب فلسطيني يحقّ له إقامة دولته المستقلة على أرض
فلسطين. ما لا يمكن تجاهله أيضا أن شارون كان حيوانا سياسيا عرف كيف يستغلّ كل
الأخطاء التي ارتكبها الفلسطينيون وتوظيفها في مصلحة مشروع مستحيل عنوانه “إسرائيل
الكبرى“.
كان شارون رجلا
واضحا. كان يؤمن بأنّ في الإمكان التخلص من الشعب الفلسطيني. لم يفوّت فرصة إلا
واستغلها من أجل تنفيذ مخططه الجهنمي. شارك في كلّ الحملات التي أدت إلى تهجير
الفلسطينيين من قراهم. عرف أن ترويع الفلسطينيين سيؤدي إلى ذلك. شارك في كلّ
الحروب. بعد ذلك، كان من مهندسي حرب لبنان في العام 1982.
لم يخض تلك
الحرب إلا بعدما تأكّد أن الفلسطينيين ارتكبوا كلّ الأخطاء الممكنة في الوطن
الصغير وأنّ أكثرية اللبنانيين تريد التخلّص من وجودهم المسلّح الذي استخدمه
النظام السوري لفرض وصايته على البلد. عندما فشلت حربه اللبنانية، ترك اللبنانيين
يتقاتلون في ما بينهم مكتفيا بالهدف الذي حققه والمتمثّل في توزيع المقاتلين
الفلسطينيين على دول المنطقة، وصولا إلى اليمن.
في كلّ وقت من
الأوقات، كان شارون يتكّل على الأخطاء الفلسطينية وعلى وجود نظام سوري لا همّ له
سوى المتاجرة بالفلسطينيين وقضيّتهم.
كان شارون
سياسيا ماكرا. بقي في مزرعته سنوات طويلة، في شبه عزلة، بعد فشله في حرب لبنان
وبعد انكشاف دوره في مجزرة صبرا وشاتيلا. لكنّه ما لبث أن عاد إلى الأضواء بعدما
استعان به بنيامين نتانياهو ليكون وزيرا للخارجية.
في مرحلة ما
بعد عودته إلى الأضواء ووصوله إلى موقع رئيس الوزراء في فبراير 2001، استغلّ شارون
كلّ الأخطاء الفلسطينية، كما ذهب إلى النهاية في سعيه إلى الانتقام من ياسر عرفات،
الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني.
أدرك أن العالم
تغيّر، خصوصا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001. أدرك خصوصا أن الفلسطينيين لم
يستوعبوا هذا التغيير في ظلّ وجود إدارة أميركية على رأسها جورج بوش الابن الذي
جعل من “الحرب على الإرهاب” أولى أولوياته وتسبّب في 2003 في الزلزال العراقي الذي
لا يزال يهزّ الشرق الأوسط إلى يومنا هذا. لا يمكن الاستخفاف بالمكر السياسي
لشارون، وهو مكر جعله في السنوات الأخيرة من حياته يبتعد أكثر فأكثر عن السياسات
ذات الطابع التبسيطي. الدليل على ذلك فهمه لتأثير العمليات الانتحارية التي
نفّذتها «حماس» ومن لفّ لفها على المجتمع الإسرائيلي.
ذهب إلى أبعد
الحدود في استغلال هذه العمليات التي لم يكن النظامان في سوريا وإيران بعيدين
عنها. توّج شارون حياته السياسية بالانسحاب الكامل من غزّة صيف 2005. كان رهانه
على «حماس» في محلّه. قال دوف فايسغلاس مدير مكتب رئيس الوزراء وقتذاك صراحة أنّ
الانسحاب من غزّة يستهدف الاحتفاظ بجزء من الضفّة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية.
لم تخيّب
«حماس» آمال شارون. سارعت إلى اتخاذ كل الخطوات التي تخدم سياسته القائمة على “عدم
وجود شريك فلسطيني يمكن التفاوض معه”. أكثر من ذلك، رسّخت «حماس»، وهي فرع للإخوان
المسلمين، الشرخ الفلسطيني- الفلسطيني. لم تجد ما تعلّق به على وفاة ارييل شارون سوى
قول أحد الناطقين باسمها إن الوفاة “يوم تاريخي للشعب الفلسطيني”. إنه بالفعل يوم
تاريخي للذين لا يقرأون لا في التاريخ ولا في الجغرافيا.. ويعتبرون السقوط في فخ
ينصبه لهم أمثال شارون واجبا وطنيا.
المؤسف أن
هناك، بين الفلسطينيين، من لا يريد أن يتعلّم من مكر شارون، ويعتبر أن الشتائم
التي تساق بأسلوب رخيص ومبتذل ستعيد فلسطين. إنّه سخف بعض الفلسطينيين ولا شيء آخر.
هذا النوع من
الفلسطينيين حليف موضوعي لشارون وفكره، وبينهم من هو "مسيحي" معقّد يظنّ
أن شتم شارون سيخلّصه من عقده. لا يريد هذا النوع من الفلسطينيين الاعتراف بأن قبر
ياسر عرفات موجود في رام الله وليس في مكان آخر، أي على أرض فلسطين، بفضل اتفاق
أوسلو ولا شيء غير ذلك. إنه الاتفاق الذي وقف ارييل شارون في وجهه.. والذي جعله
يزداد عداء للزعيم الفلسطيني الراحل بعدما أخرجه من بيروت في 1982 ليكتشف في 1994
أنه ظهر أمامه في فلسطين.
إعلامي لبناني
المصدر : صحيفة
العرب اللندنية
20/1/2014